:أخبار الأوقافأوقاف أونلاينمقالات

الحــوار البنّـــاء

    الحوار البناء هو الذي يهدف إلى التفاهم والتلاقي على مساحات مشتركة ، وأهداف إنسانية عامة لا تمييز فيها على أساس الدين أو اللون ، أو الجنس ، أو القبيلة .

      الحوار البناء يحتاج إلى طول نفس ورباطة جأش وقوة وإنصاف الآخر ، فإنصاف الآخر هو منهج القرآن الكريم قال تعالى : “وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ”، فالدين قائم على إنصاف الآخر ، ويعني تسامح كل طرف عن بعض ما يراه حقا له ، ليتسامح له الآخر في بعض ما يراه حقًا .

     الحوار البناء لا يجعل من المتغيرات ثوابتًا ، ولا يقدس غير المقدس ولا يعرف التعصب الأعمى ، ولا يرمي الناس بالإفك والبهتان ، ولا يخرج عن الموضوعية إلى غيرها قصد إحراج المحاوَر ، أو إسكات صوته بالباطل ، كأن يحاور شخص شخصًا آخر في قضية فكرية فإذا هو يتحول إلى هجوم شخصي عليه ، أو على أسرته ، أو قبيلته ، أو حزبه ، أو دولته ، عجزًا منه عن مقارعة الحجة بالحجة ، وهروبًا من الموضوعية التي لا قبل له بها إلى السباب والفحش الذي قد لا يجيد غيرهما ، فكل ذلك شيء والحوار شيء آخر.

     والحوار بين الأفراد ، يعادله التفاهم بين المؤسسات ، والتفاوض بين الدول ، ويعني اقتسام المغانم والمغارم في نصفة لا جور فيها لطرف على آخر ولا قهره ، الحوار العادل يولد سلامًا نفسيًا ومجتمعيًا ودوليًا مستقرًا ، أما القهر تحت مسمى الحوار ، فيولد أحقادًا أشبه ما تكون بالنار تحت الرماد سرعان ما تشتعل ، ولا سيما عند هبوب الرياح ، فهي تحتاج إلى مجرد محرك يوقظها من تحت الرماد .

      ومن أبجديات الحوار حسن الاستماع للآخر ، وعدم مقاطعته ، أو إبداء عدم الرغبة في سماعه ، أو التأفف من كلامه ، أو الإشاحة في وجهه ، وإظهار التبرم منه غمزًا ، أو لمزًا ، أو سخرية ، أو تهكمًا إشاريًّا ، أو حتى تبسمًا ساخرًا ينم عن عدم تقدير المحاور ، أو إظهار عدم الاقتناع بما يقول تهوينًا لشأنه ، ناهيك عن ارتفاع الصوت واشتداد الصخب والجلبة ، فضلا عن سوء الأدب في الحوار.

     وإن أخطر ما يعوق الحوار أمران هما : الأدلجة والنفعية ؛ فأما الأدلجة فإن العالم أو الكاتب أو المحاور المؤدلج تحمله عصبيته العمياء للجماعة التي ينتمي إليها إما على عدم رؤية الحق ، وإما على التعامي عنه ، إذ يمكن لأحدهم أن يحاورك أو يجادلك أو يقبل نقاشك في مفهوم آية من كتاب الله (عز وجل) أو حديث صحيح من سنة سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، ولا يقبل منك أن تحاوره أو تناقشه أو تراجعه في كلام مرشده المقدس لديه ، وأما النفعيون والمتاجرون بالأديان والقيم والمبادئ فلا يدافعون أبدًا عن الحق ، ولا ينتظر منهم ذلك ، إنما يدافعون عن مصالحهم ومنافعهم فحسب ولا شيء آخر .
ومن هنا كان مؤتمرنا حوار الأديان والثقافات الذي جاء استجابة لدعوة سيادة الرئيس/ عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية (حفظه الله) الدائمة للحوار الهادف وإحلال لغة الحوار محل لغة الصدام والاحتراب ، إذ لا غنى للبشرية عن حوار بنَّاء يقوم على أرضية إنسانية خالصة ، تراعي الحفاظ على أمن الجميع ، وتعمل على تحقيق السلام الإنساني ، وتحترم خصوصية الآخرين الدينية والثقافية وعاداتهم وتقاليدهم وأعرافهم المستقرة.

اظهر المزيد

منشور حديثّا

شاهد أيضًا
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى