خلال ندوة للرأي بقناة النيل الثقافية
أ.د/ محمد سالم أبو عاصي :
يؤكد على أهمية التراحم والتكافل
في هذه الأيام المباركة
د/ ياسر مغاوري :
يوم عرفة يوم كرم إلهي
وفيه يتجلى الله سبحانه وتعالى
على عباده برحمته ومغفرته
في إطار الدور التوعوي الذي تقوم به وزارة الأوقاف ، والمشاركات التثقيفية والتنويرية لقضايا الدين والمجتمع التي تسهم في بناء الإنسان ، وفي إطار التعاون والتنسيق المستمر بين وزارة الأوقاف والهيئة الوطنية للإعلام في ملف تجديد الخطاب الديني ، ومن خلال الندوات المشتركة بين الوزارة وقطاع القنوات المتخصصة بالتليفزيون المصري ، وبرعاية معالي وزير الأوقاف أ.د / محمد مختار جمعة عقدت وزارة الأوقاف مساء الثلاثاء 28 / 7 / 2020م ندوة للرأي تحت عنوان : ” أعمال وفضائل يوم عرفة ويوم العيد ” بمبنى الإذاعة والتليفزيون ، تحدث فيها أ.د/ محمد سالم أبو عاصي العميد الأسبق لكلية الدراسات العليا بجامعة الأزهر ، و د/ ياسر مغاوري إمـام وخـطـيب مـسجد مولانا الإمـام الحسين (رضي الله عنه) ، وأدار الندوة وقدم لها الإعلامي أ / عمرو أحمد.
وفي بداية كلمته أكد الأستاذ الدكتور/ محمد سالم أبو عاصي أن فضل الله (عز وجل) على أمة النبي (صلى الله عليه وسلم) كبير ، يقول تعالى : “كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ” ، وفي الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه أن النبي (صلى الله عليه وسلم) تَلا قَول اللَّهِ في سيدنا إِبراهِيمَ (عليه السلام) :” رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ” وَقَوْلَ سيدنا عِيسَى (عليه السلام) : “إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ” ، فَرَفَعَ يَدَيْه (صلى الله عليه وسلم) وَقالَ: اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي وَبَكَى ، فَقَالَ اللَّه (عز وجل) : يَا جبريلُ، اذْهَبْ إِلى مُحَمَّدٍ -وَرَبُّكَ أَعْلَمُ- فسَلْهُ: مَا يُبْكِيهِ؟ فَأَتَاهُ جبرِيلُ، فَأَخْبَرَهُ رسولُ اللَّه (صلى الله عليه وسلم) بِمَا قَالَ، وَهُو أَعْلَمُ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَا جِبريلُ، اذهَبْ إِلى مُحَمَّدٍ فَقُلْ: إِنَّا سَنُرضِيكَ في أُمَّتِكَ وَلا نَسُوؤُكَ” .
مشيرًا إلى أن الله (عز وجل) تفضل على كل إنسان بنعمتين نعمة الإيجاد ونعمة الإمداد ، كما قال الإمام ابن عطاء الله السكندري في حكمه العطائية ، فأما عن نعمة الإيجاد فإن الإنسان لم يكن شيئًا مذكورًا ، يقول الله تعالى : “هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا” ، وعن نعمة الإمداد فقد تفضل الله على الإنسان بنعم كثيرة فالنفس والهواء والصحة والماء وهذا الجسد وسائر الأعضاء كلها من مدد الله (عز وجل) ، ومن فضل الله تعالى على عباده أن جعل لهم مواسم للخيرات ، تضاعف فيها الحسنات ، وتتنوع فيها الطاعات ومن هذه المواسم العشر الأول من ذي الحجة ، مشيرًا إلى أن الله (عز وجل ) قد أقسم بها تنويهًا بشأنها وفضلها ، وإرشادًا لأهميتها ومكانتها ومنزلتها قال الله تعالى : {وَالْفَجْرِ* وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ} ، موضحًا أن الله (عز وجل) أمر عباده بكثرة ذكره فيها ، وذلك إعلامًا بفضلها ، وإظهارًا لشعائرها حيث سماها القرآن الكريم بالأيام المعلومات فقال تعالى : {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ } قال سيدنا عبد الله ابن عباس (رضي الله عنهما) في قوله تعالى : (فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ ) : هي أيام العشر ، كما أكد سيادته على أهمية التراحم والتكافل والصدقة والصيام وسلامة القلب وبخاصة في هذه الأيام المباركة ، ونحن في هذه الأيام في أَمَسِ الحاجة إلى الإسلام العملي كي نساعد الناس في تخفيف البلاء عنهم ، قال الفقهاء :والعبادة نوعان : عبادة متعدية وعبادة قاصرة ، والمتعدية أفضل من القاصرة ، ومن أمثلة العبادة المتعدية : إطعام الطعام ومساعدة الآخرين وغير ذلك من العبادات التي يتعدى فضلها لنفع الآخر ، وأما عن العبادة القاصرة فهي التي يرجع نفعها للشخص نفسه فقط.
وفي سياق متصل أكد سيادته أن من البشريات في هذه الأيام المباركات يوم عرفة ، الذي حض النبي (صلى الله عليه وسلم) على صيامه لغير الحاج ، مبشرًا بتكفير ذنوب سنة مضت وسنة قادمة ، وأما عن الحاج فالبشرى في حديث النبي (صلى الله عليه وسلم) في حجة الوداع حيث وَقَفَ(صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بِعَرَفَاتٍ، وَقَدْ كَادَتِ الشَّمْسُ تَؤُوبَ، فَقَالَ: ( يَا بِلاَلُ، أَنْصِتْ لِيَ النَّاسَ) فَقَامَ بِلاَلٌ فَقَالَ: أَنْصِتُوا لِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْصَتَ النَّاسُ، فَقَالَ: ( مَعَاشِرَ النَّاسِ، أَتَانِي جِبْرَائِيلُ عليه السّلام آنِفًا فَأَقْرَأَنِي مِنْ رَبِّي السَّلاَمَ، وَقَالَ: إِنَّ اللهَ عزّ وجلّ غَفَرَ لِأًهْلِ عَرَفَاتٍ وَأَهْلِ المَشْعَرِ، وَضَمِنَ عَنْهُمُ التَّبِعَاتِ) فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رضي الله عنه فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ ! هَذَا لَنَا خَاصَّةً ؟ قَالَ: ( هَذَا لَكُمْ، وَلِمَنْ أَتَى مِنْ بَعْدِكُمْ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ )َقَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رضي الله عنه: كَثُرَ خَيْرُ اللهِ وَطَابَ ، مختتمًا حديثه بأن للإنسان وظائف ثلاث في الوجود : أولها : معرفة الرب، وثانيها : عمارة الكون ، وثالثها : تزكية النفس.
وفي كلمته أكد الدكتور/ ياسر مغاوري أن يوم عرفة يوم كرم إلهي على الحجاج وغيرهم ، فهو يوم الحج الأكبر ، وهو يوم الرحمة ويوم المغفرة ، وشاءت إرادة الله (عز وجل) ألا يحرم فيه أحدًا من الفضل العميم ، فبينما يتجلى سبحانه على حجاج بيته الحرام برحمته ومغفرته فإنه يفتح هذه الأبواب واسعة لخلقه أجمعين حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) فيما يرويه عن رب العزة (عَزَّ وَجَلَّ) في الحديث القدسي : ” إِذَا كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَنْزِلُ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيُبَاهِي بِهِمُ الْمَلائِكَةَ ، فَيَقُولُ عَزَّ وَجَلَّ : ” انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي ، أَتَوْنِي شُعْثًا غُبْرًا ضَاحِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غفَرْتُ لَهُمْ “، وسئل سفيان بن عيينة يومًا ، ما كان أكثر دعاء النبي (صلى الله عليه وسلم) بعرفة ؟ فقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له وسبحان الله والحمد لله والله أكبر ، فقيل له : هذا ثناء وليس بدعاء ، فقال أما علمت أن الله (عز وجل) يقول : ” إذا شغل عبدي ثناؤه علي عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين ” ، والأعمال المشروعة في هذه الأيام المباركة (أيام العشر من ذي الحجة) كثيرة ومتنوعة ، منها : الصوم : فهو من أفضل الأعمال ، وقد أضافه (الله عز وجل ) إلى نفسه لعظم شأنه وعلو قدره ، فقال سبحانه في الحديث القدسي : ” كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ” وقد صح في الحديث: (مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللهِ بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ ، عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا)،مشيرًا إلى أنه يسن للمسلم أن يصوم التسع من ذي الحجة ، فصومها من الأعمال المحببة إلى الله تعالى ، وخاصة صيام يوم عرفة لغير الحاج : فقد خص النبي (صلى الله عليه وسلم ) صيامه من بين أيام العشر حيث قال : “صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، إِنِّي أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالَّتِي بَعْدَهُ” ، فالنبي (صلى الله عليه وسلم) قد وجه المسلم إلى الأعمال الصالحة في هذه الأيام ، لأن العمل الصالح فيها أحب إلى الله (عز وجل ) من العمل فيما سواها ، يقول النبي (صلى الله عليه وسلم ) : “مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ” يَعْنِي الْعَشْرَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: ” وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ” ، مشيرًا إلى أنه على رأس الأيام التي يجب على المسلم اغتنامها في هذه الأيام يوم عرفة ، فهو يوم إكمال الدين وإتمام النعمة ، قال تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}، وهو يوم مغفرة الذنوب ، وستر العيوب ، والعتق من النار ، والمباهاة بأهل الموقف ، يقول ( النبي صلى الله عليه وسلم ) : ” ما مِن يومٍ أكثرَ مِن أَن يُعتِقَ اللهُ عزَّ وجلَّ فيه عبدًا مِن النارِ مِن يومِ عرفةَ ، وإنَّه لَيدنو عزَّ وجلَّ ثم يُباهي بِهم الملائكةَ “.