خلال برنامج ندوة للرأي بقناة النيل الثقافية
الدكتور/ أحمد عوض :
الحضارات لا تقوم على الفوضى بل لابد فيها من النظام
والمنح تأتي من رحم المحن
الشيخ/ محمد الدومي :
النظام العام يحافظ على أمن المجتمع واستقراره
والإجراءات الاحترازية التي تتخذها الدولة لمواجهة فيروس كورونا
من النظام العام
في إطار الدور التوعوي الذي تقوم به وزارة الأوقاف ، والمشاركات التثقيفية والتنويرية لقضايا الدين والمجتمع التي تسهم في بناء الإنسان ، وفي إطار التعاون والتنسيق المستمر بين وزارة الأوقاف والهيئة الوطنية للإعلام في ملف تجديد الخطاب الديني ، ومن خلال الندوات المشتركة بين الوزارة وقطاع القنوات المتخصصة بالتليفزيون المصري ، وبرعاية معالي وزير الأوقاف أ.د / محمد مختار جمعة عقدت وزارة الأوقاف مساء الثلاثاء 30 / 6 / 2020م ندوة للرأي تحت عنوان : ” احترام النظام في ضوء الشرع الحنيف ” بمبنى الإذاعة والتليفزيون ، تحدث فيها الدكتور/ أحمد محمد عوض إمام وخطيب مسجد سيدنا عمرو بن العاص (رضي الله عنه)، والشيخ / محمد عبد العال الدومي إمام وخطيب مسجد مصطفى محمود ، وأدار الندوة وقدم لها الإعلامي أ/ عمرو أحمد .
وفي كلمته أكد الدكتور / أحمد محمد عوض أن موضوع احترام النظام العام من الموضوعات المهمة ، والتي تتعدد جوانبها ، لا سيما في هذا الظرف الخطير الذي يعيشه العالم الآن في ظل جائحة كورونا ، ولا بد من الجميع أن يتعامل مع هذا الظرف بإيجابية من خلال المحافظة على الغير وعدم أذيته ، ومن خلال التباعد والأخذ بالضوابط والإجراءات الاحترازية ، حيث إنه لا ضرر ولا ضرار ، مبينًا أن الله تعالى خلق كلّ شيء في هذا الكون بنظام وإبداع ، وأن كل شيء يؤدي وظيفته التي خلقه الله (عز وجل) من أجلها بانتظام وإتقان وإحكام ، يقول الحق سبحانه : ” وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ” ، ويقول سبحانه: “أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ” ، ويقول جلَّ شأنُه : “إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ” ، حتى في خلق الإنسان خلقه الله بنظام وإبداع ، قال تعالى: “لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ” ، فينبغي علينا أن نتعلم من هذا الدرس ، ونأخذ منه لحياتنا ، وأن نعيش بنظام وتخطيط، فكل الأديان تدعو للنظام ، والذين لا يحبون النظام دائمًا لا يصلون إلى غاياتهم ، ولا يحققون أهدافهم ، ولا يمكن أن تقام حضارة على فوضى وعدم نظام.
كما أكّد أن الإسلام علمنا النظام في العبادات والمعاملات والآداب الاجتماعية ، والأنظمة الاقتصادية والسياسية ، بل في كل مناحي الحياة ، فقد جعل الإسلام لكل شيء نظامًا حتى الطعام ، فثلث لطعامه ، وثلث لشرابه ، وثلث لنفسه ، بل في البيع والشراء، فقد نظمه الإسلام واشترط في البيع التراض، والبيّعان بالخيار مالم يتفرقا ، موضحًا أن على الإنسان واجباتٍ كثيرة في زمن الأوبئة والجوائح منها : الصبر واحتساب الأجر عند الله تعالى ، فقد سألت أم المؤمنين السيدة عائشة (رضي الله عنها) رسولَ اللهِ (صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ) عن الطاعونِ ، فقال رسولُ اللهِ (صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ): ” إنَّه كان عَذابًا يَبعَثُه اللهُ على مَن يَشاءُ ، فجعَلَه رَحمةً للمُؤمِنينَ ، فليس مِن رَجُلٍ يَقَع الطاعون فيَمكُث في بَيتِه صابِرًا مُحتَسِبًا يَعلَمُ أنَّه لا يُصيبُه إلَّا ما كَتَبَ اللهُ له إلَّا كان له مِثلُ أجْرِ الشَّهيدِ ” ، ومنها : الأخذ بالأسباب ، حيث علمنا سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الأخذ بالأسباب في رحلة الهجرة النبوية المباركة ، فاختار الصديق ، والدليل الذي يدلهما على الطريق ، ومن يأتيهما بالطعام ، ومن يخفي أثرهما ، بل اختار الأرض التي يهاجر إليها ، وغير هذا من الأمور المخططة والمحكمة ، فكلما كان العمل منظمًا ومخططًا كلما كان تنفيذه في وقت أيسر وأقل .
كما أضاف أن المنح تأتي من رحم المحن ، والبشائر تأتي بعد الشدائد ، يقول تعالى : “وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ” ، فكل مبتلى على محك الاختبار، والله تعالى رافعه ، وأشد الناس ابتلاء الأنبياء ، ثم الأولياء ، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل ، فما يصيب الإنسان من أذى أو تعب إلا كفر الله عنه به خطاياه.
وفي كلمته أكد الشيخ / محمد الدومي أن مصطلح النظام العام يعني مجموع القواعد الآمرة التي لا يجوز للأفراد الاتفاق على ما يخالفها ، بل من يخالفها يوقع عليه عقوبة ، كمن يخالف حارات السير ، أو يكسر إشارة المرور ، وهذه القواعد مصادرها عديدة وكثيرة منها : الدين، فلا يصح للأفراد الاتفاق على إباحة القتل ، أو السرقة ، أو الزنا ، وللنظام العام أهداف عديدة وغايات كثيرة منها : الحفاظ على أمن واستقرار المجتمع ، وكذلك الحفاظ على الصحة العامة، باجتناب كل ما يؤثر عليها، وبصفة خاصة في زمن الأوبئة والأمراض الجائحة ، فجميع الإجراءات الاحترازية التي تتخذها الدولة لمواجهة فيروس كورونا تعد من النظام العام الذي لا يحق للأفراد التعدي عليها ، ولا العمل بغيرها ، بل ينبغي على الأفراد احترامها وتطبيقها بشكل حازم وجازم ، كما أن من أهداف وأركان النظام العام المحافظة على السكينة العامة .
كما بين أن النظام العام بمفهومه السابق يتفق مع الشريعة الإسلامية في قواعدها العامة ، وأن كل مجتمع ودولة لها نظامها العام الذي قد يختلف عن دولة أخرى ، فهو يشكل هويتها ، فقد تختلف كل دولة عن الأخرى في نظامها ، فلا يحق لمن يكون في دولة أن يخالف نظامها العام بحجة أنه يتعارض مع مبادئه ، وهذا ما نص عليه السادة فقهاء الشريعة الإسلامية ، كما أن من حق ولي الأمر أن يقيد الأمر المباح ، وأن يتدخل ليضع ضوابط لاستعمال هذا المباح ، ضاربا فضيلته أمثلة عديدة لهذا منها : تقييد سن الزواج، ومنع الزواج المبكر؛ لما يترتب عليه من أضرار كثيرة والتي تؤثر سلبًا على صحة الأمهات ، حيث إن هذا من الأمور المباحة التي يحق لولي الأمر أن يقيدها ، وكذلك وجوب تطعيم الأطفال من الأمراض التي تحددها وزارة الصحة ، ووجوب التباعد بين الناس في جائحة كورونا … إلى غير هذا من الأمور العامة والتي تشكل النظام العام لكل دولة .