شكرا للكاتب الصحفي الكبير عبد الجواد الفشني على مقاله : ” مختار جمعة .. وزير بدرجة محارب ” ، والذي جاء فيه :
هو وزير بدرجة محارب، حمل السلاح متحصنًا بالأدب، يخوض معارك أعداؤه فيها سلاحهم قشور دينية انخدع بها الكثير من أتباعهم، لكنه اعتصم بوسطية الأزهر واعتدال منهجه المتفق مع طبائع المصريين، جاء الوزارة وهي تعج بالأخونة في جميع فروعها، فاستخدم سياسة النفس الطويل، وأدرك أنه دخل “عش الدبابير “، ولكنه امتلك جرأة في التعامل معها، لم يخش التجريح ولا التطاول عليه، وأعلن منذ اللحظة الثانية أنه سيقضي على أذناب الإخوان بالأوقاف، وسيجمع شمل القاصى والدانى حول الأزهر.
دخل معارك الحسابات البسيطة تقضى بأنه سيخسرها، لكنه حمل رأسه على يده وقرر نزع روح الإخوان من ثكناتهم التي كانوا يتحصنون بها تحت مسمى ممارسة الدعوة بالمساجد، واستعان بمحاربين يشبهونه وألقى بهم في التهلكة لتحرير عدد من المساجد التى ورثها الإخوان منذ عشرات السنين، من يتابعه يجده لا ينام إلا بعد منتصف الليل، يصدر بيانات ويتابع الموقف حتى وقت متأخر من الليل، وفي السابعة صباحا يكون بمكتبه حاضرًا، ينتقل من مكان لآخر ومن محافظة لأخرى، درجة أن العاملين معه أصيبوا بالإرهاق والتعب.
ولد جمعة عام 1966 بقرية صفط راشين التابعة لمركز ببا محافظة بني سويف شمال صعيد مصر، ونبغ في التعليم الأزهري، وتفوق على نفسه وحصل الدرجات العليا في السنوات التعليمية، حتى وصل إلى رسالة الماجستير والتخصص في الإجازة العالية “الدكتوراة”، واختار الأدب طريقًا ومنهجًا، ولبراعته تم اختياره عضوًا بالاتحادات المختصة في الأدب، مثل اتحاد كتاب مصر، ورابطة الأدب الإسلامي، وله العديد من المؤلفات في الأدب والشعر، أبرزها الأدب العربي في عصره الأول، والفكر النقدي في المثل السائر لابن الأثير في ضوء النقد الأدبي الحديث، والتمرد في شعر الجواهري.
بداية صعود نجمه في سماء المناصب كان بتوليه عمادة كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بالقاهرة، وقتها لم يرض سوى الاختلاف عنوانًا، وخرج بتصريحات يطالب فيها باستقلال الأزهر مرارًا، ورصد ميزانية مخصصة للأزهر ليؤدي رسالته على أكمل وجه، ولنبوغه في عمله التقطه ميكروسكوب شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، فاختاره عضوًا لمكتبه الفني، والقرب كشف عن خبايا شخصيته فازداد إعجاب شيخ الأزهر بالدكتور جمعة، فقام بترشيحه لمنصب وزير الأوقاف خلفًا للدكتور طلعت عفيفي القيادي الإخواني، وجاء التعيين في 16 يوليو عام 2013 ضمن وزارة حازم الببلاوي أول وزارة بعد ثورة يونيو 2013.
ومنذ وطأت قدماه الأوقاف قرر أن يكون عند حسن ظن شيخ الأزهر به، فأقدم على قرار منع إقامة صلاة الجمعة في الزوايا التي تقل مساحتها عن ثمانين مترًا، وجاء القرار كالصاعقة على رؤوس جماعة الإخوان الذين كانوا يتخذون الزوايا التابعة لهم مكانًا للحشد عقب صلوات الجمعة بهدف الاحتجاج السياسي، وخرجت معارضات تشبه الطوفان، لكن جمعة وقف في وجهها بإرادة فولاذية.
لم تبرد نيران قرار الزوايا حتى أتبعه بقرار منع غير الأزهريين من الخطابة في المساجد الحكومية والأهلية، نيران هذا القرار كانت أشد ضراوة من سابقه، حيث انضم للمعارضة السلفيون، الذين كانوا ينتشرون في المساجد المختلفة، لكنه لم يرض بالمساوامات السياسية، ولكن في الوقت ذاته ترك جانب الباب مفتوحًا بإعطائهم فرصة الحصول على بطاقات من الأوقاف بعد اختبارهم في العلوم الشرعية، وإقرارهم الالتزام بمنهجية الأوقاف في خطب الجمعة.
أيام أو ساعات وجاءت قرارات كاللهب مشتعلة بتوحيد خطبة الجمعة، وعدم ضم أي مسجد تابع لجمعية لا يلتزم بمنهجية الأوقاف، واستبعاد 12 ألف إمام وخطيب من المساجد، الأكثر كارثية أنه قرر استرداد مساجد كان دخولها مقصورًا على الإخوان، مثل “العزيز بالله”، و”الاستقامة” و”الرحمن الرحيم” بالمعادي، وشهدت معركة استردادها صراعًا طارت خلاله عمائم مشايخ الأوقاف، واعتدى الإخوان عليهم، ولجأ المشايخ إلى الشرطة لتحرير محاضر، وأقسم الوزير أن حقوق رجاله لن تضيع، وبر الوزير بقسمه واسترد المساجد وأخرج الإخوان من مساجدهم وسيطر عليها كاملا.
وصفه الإخوان بقائد حركة تأميم المساجد، ورغم هذا يسير جمعة شاهرًا سيفه يناضل ويكافح، مما جعل الاستغناء عنه في أي تشكيل حكومي بمثابة المخاطرة غير المقبولة، لذلك كان من أوائل الأسماء التي ضمها إبراهيم محلب في الوزارة الحالية.