في ملتقى الفكر الإسلامي
أ.د/ محمد عبد الستار الجبالي :
صدقة الفطر طُهرة للصائمين وطُعمة للمساكين
وتعود بالنفع على الفقراء والمحتاجين
الشيخ/ مصطفى عبد السلام :
إخراج صدقة الفطر بطيب نفس وطهارة
قلب من أعظم ثمار الصوم
برعاية كريمة من معالي أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف ، وفي إطار التعاون والتنسيق بين وزارة الأوقاف المصرية والهيئة الوطنية للإعلام ؛ لنشر الفكر الإسلامي الصحيح ، ومواجهة الفكر المتطرف ، وتصحيح المفاهيم الخاطئة ، أقيمت مساء يوم الخميس 21/ 5 / 2020م الحلقة الثامنة والعشرون لملتقى الفكر الإسلامي الذي ينظمه المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ، وجاءت بعنوان : ” زكاة الفطر” ، وحاضر فيها كل من : أ.د/ محمد عبد الستار الجبالي أستاذ الفقه بجامعة الأزهر ، والشيخ/ مصطفى عبد السلام إمام وخطيب بوزارة الأوقاف ، وقدم للملتقى الإعلامي أ/ تامر عقل المذيع بقناة النيل الثقافية.
وفي كلمته أكد فضيلة أ.د/ محمد عبد الستار الجبالي أستاذ الفقه بجامعة الأزهر أن صدقة الفطر هي بحق ختام مسك لرمضان ، كما قال العلماء : صدقة الفطر والاستغفار ختام مسك لرمضان ، ولذلك ليس من فراغ أننا نجد العلماء يقولون في أهمية ومنزلة صدقة الفطر : إنها بمثابة ركعتي سجود السهو ، فكما أنهما قد شرعتا لجبر الخلل الموجود في الصلاة، فكذلك من رحمة الله تبارك وتعالى أن جعل هناك جبرًا لنا للنقص والخلل الموجود في صوم المسلم من خلال صدقة الفطر ، مشيرًا إلى أن صدقة الفطر سُميت بهذا الاسم لارتباطها بالفطر وانتهاء شهر رمضان ، فهي واجبة يثاب فاعلها ويُعاقب تاركها، وقد شُرعت في العام الثاني من الهجرة.
كما أشار فضيلته إلى أنها تطهير للصيام مما يشوبه من لغو أو رفث ينقص أجر الصائم، فيجبر صومه بها ، وأنها عون للفقراء والمساكين ، فقد حثنا النبي (صلى الله عليه وسلم) عليها ، ليستغنيَ بها الفقير عن السؤال والطواف في يوم العيد ، وفي هذا نشر للمحبة بين المسلمين، ونوع من البر والصلة، مما يدل على عظمة الإسلام وسماحته.
كما بيّن فضيلته أن صدقة الفطر أوجبها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، وقدّرها بصاعٍ، أي: ما يساوي قدحين أو ما يساوي بالكيل المصري الآن 2.5 كيلو أو 3 كيلو من غالب قوت البلد ، وعلى أساس الغالب من هذا القوت نخرج صدقة الفطر ، كما حددها الرسول (صلى الله عليه وسلم) ، وهي تجب على كل مسلم يملك صاعًا أكثر من حاجته الأصلية ، ومعنى هذا أنه لا يشترط فيها اليسار ؛ ليشترك في إخراجها وفي السعادة بها الغني والفقير ، فهي للغني تطهير للمال ، كما قال سبحانه : ” خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا” ، كما أنها للغني والفقير معًا تنزع داء الشح وداء البخل ، الذي كان دائمًا وأبدًا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يستعيذ منهما ، فيقول: (اللَّهُمَّ إِنِّي أعُوذُ بِكَ مِنَ الْبُخْلِ وَالْجُبْنِ…) .
وفي ختام كلمته أوضح فضيلته أن زكاة الفطر لا تسقط بالتأخير ، فإذا خرجت في وقتها فهي زكاة ، أما إذا خرجت بعد وقتها فهي صدقة من الصدقات ، وتبقى دينًا في رقبة الصائم عليه أداؤها ، كما يجوز نقلها إلى بلدٍ آخر فالهدف واحد وهو الاستغناء ، مشيرا إلى جواز خروجها من أول يوم في رمضان أو قبل الصيام بيوم أو يومين ، وهذا فيه توسعة على المسلمين ، ومن مرونة الشريعة الإسلامية ويُسْرِها التي قامت عليه أنها تبيح إخراج القيمة طبقًا لما ذهب إليه السادة الحنفية وهو رأي عند السادة الشافعية ، فليس هناك ضرورة أن نتقيد بالحبوب ، ومن ثم لا مانع من إخراج زكاة الفطر نقدًا ؛ ليتحقق الغرض الذي من أجله شرعت زكاة الفطر، وهي أن تعود بالنفع على الفقير والمحتاج ، وقد قال (صلى الله عليه وسلم) في زكاة الفطر : “أَغْنُوهُمْ فِي هَذَا الْيَوْمِ” .
وفي كلمته أكد فضيلة الشيخ/ مصطفى عبد السلام إمام وخطيب بوزارة الأوقاف أن المال هو عصب الحياة ، وبه قوامها ، وما في أيدي الإنسان من مال هو قسمة من الله تعالى ، قال تعالى : {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} ، وقد أخبر القرآن الكريم أن السائل والمسكين والمحروم لهم حق في هذا المال ، فقال تعالى :{وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}، وقال سبحانه: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}، مشيرا إلى أن القرآن الكريم أمرنا بأن نتصدق وأن نكون من أهل العطية ، فقال سبحانه : {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ}، ثم وضح القرآن الكريم الآجر والثواب الجزيل لأهل الصدقة ، فقال : {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }.
كما أشار فضيلته إلى أن أهم الأمور التي يجب أن يعيها المسلم هي زكاة الفطر , وأن من حكم ارتباط صدقة الفطر بالصوم أن للصوم غاية مقصودة وهدفا عظيما , يتمثل في تقوى الله (جل وعلا) قال تعالى:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” , واختباره بالمال هو الذي يدل على تحقق الغاية والهدف من الصيام , فإذا أدى الصائم الصدقة بطيب نفس , وطهارة قلبٍ ؛ فقد أتى الصوم بثماره , مثل الصلاة حيث إنها لا تكون مثمرة إلا إذا نهت صاحبها عن الفحشاء والمنكر ، لذا وجب علينا أن نمد يد العون لكل محتاج فهذا زمن التراحم والتكافل ، فأحب الناس إلى الله أنفعهم للناس ، وخير الأعمال إلى الله سرور تدخله على قلب مسلم ، أو تفرج عنه كربة أو تقضي عنه دينا أو تسد عنه جوعا.
كما أكد فضيلته على وجوب إخراج زكاة الفطر ؛ لأنها تدخل السرور على فقراء المجتمع، حيث قال الرسول (صلى الله عليه وسلم) : ( أغنوهم عن السؤال في هذا اليوم)” ، وذلك لإدخال فرحة العيد على الجميع , فلا يستأثر بفرحة العيد بعض الناس دون غيرهم ، قال تعالى :{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}.
وفي ختام كلمته أكد فضيلته أن الغرض منها هو التوسعة على الفقراء وإغناؤهم , مرجحًا فضيلته أنه يجوز إخراجها قيمة ؛ إذ المراد سد حاجة الفقير في هذا اليوم , والتوسعة عليه , وهذا في القيمة أولى , أما من قالوا بعدم الإجزاء من غير الأشياء المحددة في الحديث فينقصهم الملكة الفقهية , والعقل الاجتهادي.