في ملتقى الفكر الإسلامي
الدكتور / السيد مسعد :
الصحة نعمة من نعم الله ( عز وجل ) يجب الحفاظ عليها
ضرورة اعتناء الإنسان بصحته حتى يتمكن من العبادة والطاعة
الدكتور / أسامة فخري :
عناية الإسلام بالصحة لم تكن أقلَّ من عنايته بالعلم
النظافة سلوك حضاري يضمن حياة صحية مستقيمة
برعاية كريمة من معالي أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف ، وفي إطار التعاون والتنسيق بين وزارة الأوقاف المصرية والهيئة الوطنية للإعلام ؛ لنشر الفكر الإسلامي الصحيح ، ومواجهة الفكر المتطرف ، وتصحيح المفاهيم الخاطئة ، أقيمت مساء يوم الاثنين 18 / 5 / 2020م الحلقة الخامسة والعشرون لملتقى الفكر الإسلامي الذي ينظمه المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ، وجاءت بعنوان: ” عناية الإسلام بصحة الإنسان”، وحاضر فيها كل من : الدكتور / السيد مسعد مدير مديرية أوقاف الجيزة ، والدكتور / أسامة فخري مدير عام إدارة التحرير والنشر بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية ، وقدم للملتقى الإعلامي أ / محمد فتحي المذيع بقناة النيل الثقافية .
وفي كلمته أكد الدكتور / السيد مسعد مدير مديرية أوقاف الجيزة أن نعمة الصحة وسلامة الأعضاء من الآفات والأمراض من أعظم النعم التي أنعم الله (عز وجل) بها على الإنسان ، فبالصحة يتمكن المرء من أداء حق ربه جل جلاله ، وحق نفسه ، وحق غيره ، وهي أهم ما يملك العبد في حياته ، يقول النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم) : ( نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ ) ، فكثير من الناس لا يقدرون هذه النعمة العظيمة، ولا يعرفون قيمتها ، ولا يستثمرونها في موضعها الصحيح ، ولا يقدرون أهميتها ، فمن اسْتثمر فراغه وصحَّته فِي طاعة الله فهوَ المغبوطُ ، ومَنْ اسْتثمرهما فِي معصية الله فهوَ المغبونُ ، مشيرًا إلى أن عناية الإسلام بالصحة لا يقتصر أثرها على المسلم فقط، لأن المرض لا يفرق بين مسلم وغيره ، ولكن المرض عندما ينتشر ، ينتشر بين الجميع .
كما أكد فضيلته على اهتمام الإسلام وعنايته بصحة الإنسان من خلال عدة مظاهر ، منها : العناية بالطهارة ، فجعل الإسلام الطهور شطر الإيمان ، حيث يقول رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : (الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ …) وجعلها شرطًا لصحة كثير من العبادات كالصلاة، والطواف، يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا… }، مشيرًا إلى أن الإنسان لم يخلق للعبادة فحسب ، بل خلقه الله (عز وجل) لمهمتي العبادة وعمارة الكون ، فكيف لبدن هزيل ضعيف مملوء بالأمراض والأسقام والتعب والإرهاق أن يقوم ببناء حضارة ، أو تحقيق عمارة؟ .
كما أشار فضيلته إلى عناية الإسلام بصحة الإنسان ، فحثه على ترك كل ما قد يُلْحِقُ به الضرر ، قال تعالى:{ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ…}، والبعد عن الإسراف في الطعام والشراب كما قال سبحانه :{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}، والنبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَقُولُ : (مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ).
وفي ختام كلمته أكد فضيلته على ضرورة اعتناء الإنسان بصحته حتى يتمكن من عبادة الله سبحانه وتعالى ، فقد حثنا النبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) على استثمار تلك النعمة في طاعة الله ( عز وجل )، حيث يقول (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : (بادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا: هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا ، أَوْ غِنًى مُطْغِيًا ، أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا ، أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا ، أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا، أَوْ الدَّجَّالَ ، فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ ، أَوْ السَّاعَةَ ؛ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ) ، فإذا كان الإنسان قويا في جسده فسيكون قويا في اتباع أوامر الله تعالى ، حيث يقول النبي (صلى الله عليه وسلم) : ( الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ ) وأما إذا كان ضعيفا في جسده فإن ذلك قد يؤثر على عبادته ، فأداء العبادات يختلف في حال الصحة عنها في حال المرض.
وفي كلمته أكد الدكتور / أسامة فخري مدير عام إدارة التحرير والنشر بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية أن عناية الإسلام بالصحة لم تكن أقلَّ من عنايته بالعلم ، وإذا كانت أصولُ الطب التي وصل إليها الإنسان بتجاربه تدور حول حفظ القوة وعدم مضاعفة المرض، والحماية من المؤذيات وكلِّ ما يصيب الإنسان بالألم، فإننا نجد هذه الإشارات الدقيقة والعميقة للنبي (صلى الله عليه وسلم) في كثير من الجزئيات والأمثلة التي تمثل هذه الأصولَ الطبية ، ومن ذلك الحث على نظافة الفم وطهارته بالمضمضة والاستنشاق واستخدام آلة لتنظيف الأسنان؛ حفظًا للفم والأنف والأسنان، ومن كلام النبي (صلى الله عليه وسلم) في السواك : ( مَا لَكُمْ تَدْخُلُونَ عَلَيَّ قُلْحًا ، اسْتَاكُوا، فَلَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي، لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ، عِنْدَ كُلِّ طُهُورٍ) ، يريد تبكيتهم على دخولهم عليه وأسنانهم مصفرة، تنبعث منها الرائحة، وفي السواك أيضًا يقول (صلى الله عليه وسلم) : (لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي أَوْ عَلَى النَّاسِ لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلاَةٍ ) ، وكلنا يعرف شدة حرص الأطباء وكثرة وصاياهم على تنظيف الأسنان الذي يولد إهمال نظافتها أنواعًا من الأمراض في كثير من الأجهزة .
كما أشار فضيلته إلى أن الأحاديث النبوية جاءت كثيرة تدعو إلى النظافة ، هذا السلوك الحضاري الذي يكون سببًا رئيسًا في الوقاية من الأمراض وضمان الحياة الصحية المستقيمة ، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}، فالشريعة كلها طهارة وزكاة وحثٌّ على معالي الأمور ، مؤكدًا أن الإسلام شرع جملة من الآداب الاجتماعية تحفظ على الناس صحتهم ، وتمنعهم من التعرض للأمراض، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (رضي الله عنه ) قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : (إِذَا عَطَسَ وَضَعَ يَدَهُ أَوْ ثَوْبَهُ عَلَى فِيهِ، وَخَفَضَ أَوْ غَضَّ بِهَا صَوْتَهُ) ، كما نهى (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) عن التنفس في الإناء لعدم إلحاق الأذى به ونقله للآخرين، حيث يقول (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : (إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلاَ يَتَنَفَّسْ فِي الإِنَاءِ …) .
وفي ختام كلمته أكد فضيلته على ضرورة الحرص على نظافة وصلاح البيئة المحيطة بالإنسان ، وأن تكون خالية من الأمراض ، لأن الأمراض إذا انتشرت في مجتمع فإنها لا تخص شخصًا دون شخص، ولكنها تؤثر سلبًا على حياة الناس عمومًا، فوضع الإسلام قواعد لمنع انتشار الأمراض والأوبئة في المجتمع سبق به الطب الحديث، تعتبر أساس الطب الوقائي، منها العزل والحجر الصحي، الذي وضع قواعده منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام، والذي عبر عنه النبي (صلى الله عليه وسلم) بقوله : ( لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ)، وقال (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : ( الطَّاعُونُ آيَةُ الرِّجْزِ، ابْتَلَى الله عَزَّ وَجَلَّ بِهِ نَاسًا مِنْ عِبَادِهِ ، فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ، فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِ ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا ، فَلَا تَفِرُّوا مِنْهُ)، مشيرًا إلى إن الصحة تاج على رءوس الأصحاء ، فلنشكر الله على نعمة العافية ، ولنحافظ عليها، ولنعتبر بمن ابتلي بالأمراض والأسقام ، والوقاية خير من العلاج ، ولنكثر من سؤال الله (عز وجل) العافية ، فالنَّبِيّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مَرَّ بِقَوْمٍ مُبْتَلِينَ فَقَالَ : (أَمَا كَانَ هَؤُلاءِ يَسْأَلُونَ اللَّهَ الْعَافِيَةَ) ، فالعافية في الدارين غاية كل مؤمن ، فإن ابتلي فليطلب العلاج والدواء .