في ملتقى الفكر الإسلامي
الدكتور / رمضان عبد السميع :
ضرورة احترام الضوابط التي وضعها الإسلام للمحافظة على الطريق العام
والاعتداء على الطريق ضرب من الإفساد المذموم شرعًا
الدكتور / عمرو الكمـار :
الطريق ملك للناس جميعًا يجب احترامه
ومراعاة حق الطريق هو المعيار الحقيقي لرقي الأمم وتقدمها
برعاية كريمة من معالي أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف ، وفي إطار التعاون والتنسيق بين وزارة الأوقاف المصرية والهيئة الوطنية للإعلام ؛ لنشر الفكر الإسلامي الصحيح ، ومواجهة الفكر المتطرف ، وتصحيح المفاهيم الخاطئة ، أقيمت مساء يوم الأحد 17 / 5 / 2020م الحلقة الرابعة والعشرون لملتقى الفكر الإسلامي الذي ينظمه المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ، وجاءت بعنوان: ” حقوق وآداب الطريق”، وحاضر فيها كل من : الدكتور / رمضان عبد السميع مدير عام المساجد الأهلية بوزارة الأوقاف ، والدكتور / عمرو الكمـار مدير أكاديمية الأوقاف الدولية بوزارة الأوقاف ، وقدم للملتقى الإعلامي أ / محمد فتحي المذيع بقناة النيل الثقافية .
وفي كلمته أكد الدكتور / رمضان عبد السميع مدير عام المساجد الأهلية بوزارة الأوقاف أن الله (عز وجل) خلق الإنسان وهيّأ له من الأسباب ما يحقق له حياة كريمة ومستقرة ، والمتأمل في شريعة الإسلام يجد أنها جاءت بجملة من الآداب والأخلاق التي لم تدع مجالا يُقَوِّمُ السلوك ويهذّب الأخلاق إلا حثت عليه ، ورغبت فيه ؛ لذا لخص النبي (صلى الله عليه وسلم) الهدف من رسالته فقال : (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، والآداب التي جاء بها الإسلام تشمل أقوال الإنسان وأفعاله وتصرفاته مع من حوله ، وفي جملتها تدعو إلى احترام الغير ، ورعاية مشاعره ، وحسن التعامل معه ، ومن تلك الآداب: آداب الطريق ، فبرعاية آداب الطريق وحقوقه يبني الإسلام دولة قوية ، ومجتمعًا واعيًا ، ويُعِد إنسانًا مثقفًا واعيًا يُنمي فيه مفهوم المواطنة ، ويكون حريصًا على حب وطنه ، مُجِدًّا في بنائه محافظًا عليه ، مراعيًا حقوق الآخرين ؛ لذا وضع النبي (صلى الله وسلم) من الضوابط والأسس ما يحقق ذلك ، حيث يقول (صلى الله عليه وسلم): (إِيَّاكُمْ وَالجُلُوسَ علَى الطُّرُقَاتِ ، فَقالوا: ما لَنَا بُدٌّ، إنَّما هي مَجَالِسُنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا، قالَ( صلى الله عليه وسلم ): فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا المَجَالِسَ، فأعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَا، قالوا: وَما حَقُّ الطَّرِيقِ؟ قالَ(صلى الله عليه وسلم ): غَضُّ البَصَرِ، وَكَفُّ الأذَى، وَرَدُّ السَّلَامِ، وَأَمْرٌ بالمَعروفِ، وَنَهْيٌ عَنِ المُنْكَرِ ، ويقول (صلى الله عليه وسلم): (الإِيمانُ بضْعٌ وسَبْعُونَ، أوْ بضْعٌ وسِتُّونَ، شُعْبَةً، فأفْضَلُها قَوْلُ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأَدْناها إماطَةُ الأذَى عَنِ الطَّرِيقِ، والْحَياءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإيمانِ).
كما أكد فضيلته أن الطريق من المرافق العامة التي يحق لكل فرد من أفراد المجتمع أن يستفيد منه ، وأن ينعم بما فيه من مرافق عامة ، دون أن يتعرض لأي لون من ألوان الإيذاء النفسي أو البدني ، وكفّ الأذى أو إماطة الأذى عن الطريق كما جاء في أحاديث النبي (صلى الله عليه وسلم) من الضروريات الأساسية لشعور الإنسان بلذة الحياة ونعيمها ، ويكون بعدم التعرض للمارّة بأي ألوان الاعتداء ، وكل الأذى سواء أكان في أبدانهم أم أعراضهم قد حقق معنى كمال الإسلام ، لقول النبي (صلى الله عليه وسلم) : (المُسلِمُ مَن سلِمَ الناس مِن لِسانِه ويَدِه)، كما أنها من الآداب والأخلاق التي أصبح المجتمع في حاجة ماسة إليها ؛ لتستقيم الحياة ، وتهنأ النفوس.
وقد أشار فضيلته إلى أن آداب الطريق في الإسلام متنوعة ومتكاملة ، فمنها : أن يوقن الإنسان أن الطريق ليس ملكًا له وحده ، يسير فيه كيفما شاء ، وإنما هو ملك للناس جميعًا، يجب احترامه، وأن يعلم الإنسان أن هناك المريض والمعاق وذا الحاجة الذي قد يتضرر من تجاوز السرعة المحددة في السير ، واستخدام آلة التنبيه دون حاجة، واتباع إشارات المرور، كذلك الالتزام بأنظمة المرور في السير والوقوف من آداب الطريق التي تحمي الإنسان والمجتمع من تكدس وازدحام قد ينتج عنهما إزهاق للأنفس واضطراب في حركة السير .
وفي ختام كلمته أكد فضيلته أنه إذا تأدّب كلّ إنسان بآداب الطريق ، وراعى حقوقه ؛ لن نجد بين الناس انحرافًا أخلاقيًّا ، ولا فسادًا اجتماعيًّا ، لن نجد كرهًا ، ولا حسدًا ، ولا متحرشًا ، ولا حاقدًا ، ولا حاسدًا ، فليحذر المسلم أن يعتدي على الآخرين بأي نوع من التطاول ، فهذا من الإفساد في الأرض، قال تعالى:{وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}، والنَّبِيّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يقول: ( مَنْ آذَى الْمُسْلِمِينَ فِي طُرُقِهِمْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ لَعْنَتُهُمْ ) .
وفي كلمته أكد الدكتور / عمرو الكمـار مدير أكاديمية الأوقاف الدولية بوزارة الأوقاف أن موضوع “حقوق الطريق وآدابه” من أهم الموضوعات التي تدلّ على تحضّر الأمم أو عدم تحضُّرها ، فمعيار تحضُّر الأمم هو سلوك الناس في استخدام الطرق ؛ لأن الطريق هو الحق العام الذي يقابل الحق الخاص ، فإذا رأيت احترامًا للحق العام فاعلم أن الأمة متحضرة وراقية وأنها تحافظ على حق الله (عز وجل) ، مشيرًا إلى ضرورة احترام هذه الحقوق التي ذكرت في أحاديث النبي (صلى الله عليه وسلم) للطريق في حياتنا ؛ حيث لم تعد الطرقات كما كانت قديمًا مكانًا لقضاء حوائج الناس والنقاش في مسائلهم الملحة ، بل أصبحت مرتعًا لذوي الأغراض الدنيئة ، المتّبعين للشهوات ، والمتتبعين للعورات ، وعلى ذلك تأتي هذه الحقوق علاجًا لما هو حاصل في واقع حياتنا من مخالفات يرتكبها بعض الناس في الطرقات .
كما أشار فضيلته إلى أن الاعتداء على حرمات الطرقات أمر حذرت منه الشريعة ، لما فيه من مخاطر على الفرد والمجتمع ؛ حيث تحوّل بعض الطريق من وسيلة لإنجاز حوائج الناس إلى أداة لترويعهم ، وأصبح الإنسان – رجلاً كان أو امرأة- لا يأمن على نفسه أو أهله من السير في الطريق لما يكتنفه من مخاطر ، مبينًا عظم فضل إماطة الأذى بكل أنواعه عن طريق الناس ومجالسهم ، فما أعظمه من أجر يناله الإنسان حينما يرفع الأذى عن الناس ، حيث يقول النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): ( لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلاً يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ كَانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ ).
ومن المعلوم أن الطريق ليس ملكًا لأحد معين إنما هو من المرافق والممتلكات العامة التي ينتفع بها الجميع ؛ لكن للأسف الشديد نرى عبث البعض بها والاعتداء على ما فيها من مرافق بحجة أنها حق عام وليست لأحد بعينه ، وهذا ضرب من الإفساد المذموم شرعًا ، قال تعالى :{وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}، ففي الآونة الأخيرة كثرت صور الاعتداءات على المرافق والملكيات العامة لأسباب شتى من بينهـا : ضعف القيم الإيمانية والأخلاقية لدى البعض من الناس والذين يلحقون أضرارًا جسيمة بالفرد وبالمجتمع .
وفي ختام كلمته أكد فضيلته على وجوب تكاتف الجهود وأن يتعاون الجميع لمصلحة الجميع ، فكلنا مسئولون ، قال (صلى الله عليه وسلم): (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ) ، منبها على الحقوق التي أوجبها الإسلام للطرق من غض البصر عن المحارم التي تخدش الحياء وتكون سببًا في آفات أخلاقية كثيرة ، وكفّ الأذى بكل أشكاله من الجالس على الطريق تجاه المارّة ، وردّ السلام ، وما فيه من إشاعة الألفة بين أفراد المجتمع ، قال (صلى الله عليه وسلم) : (ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم) ، وكذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فهذه الحقوق إذا أدّيناها كفيلة بأن تضمن سيرًا آمنًا وعلاجاً ناجعًا لكل السلبيات والمخالفات على الطرق العامة ، مؤكدًا أن المعتدي على الطريق يعرض نفسه للمساءلة أمام الله (عز وجل) فالسؤال يوم القيامة ليس عن العبادات وحدها ، بل عن كل سلوك يصدر عن الإنسان.