خلال حلقات برنامج : ” في رحاب القرآن الكريم” وزير الأوقاف : معية الله تعالى ورعايته لا تنفك عن رسله وأوليائه وعباده المخلصين
والدعوة إلى الله تعالى ينبغي أن تكون بالحكمة والموعظة الحسنة
في إطار غرس القيم الإيمانية الصحيحة وإظهار الصورة المشرقة للفكر الإسلامي الصحيح، وفي ضوء العناية بكتاب الله (عز وجل) وبيان مقاصده وأسراره ، أكد معالي أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف – خلال برنامج : ”في رحاب القرآن الكريم” بعنوان : ” في رحاب سورة طه (٢) ” يوم السبت ٢٣ رمضان١٤٤١هـ،الموافق ١٦/ ٥/ ٢٠٢٠ م والذي يذاع على القناة الفضائية المصرية ، وقناة النيل الثقافية ، وقناة نايل لايف – أن الله تعالى قد امتن على سيدنا موسى (عليه السلام ) بمنن عظيمة ، وعطايا جليلة ، منها ما جاء في قوله تعالى :” وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى * إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى* أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي ولِتُصْنعَ عَلى عَيْنِي “، ذلك أن الله تعالى حفظه بحفظه ، وكلأه برعايته ، وطمأن قلب أمه ، ” فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ” ، ذلك أن الأم تأخذ رضيعها بهدوء وسكينة وإذا خافت عليه أبعدته عن الماء ، لكن النص القرآني جاء على خلاف المعهود والمعروف بين الناس ، حيث يقول سبحانه في سورة القصص : “فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ “، إنه في حفظنا ورعايتنا لا تقلقي ، حتى وإن كان التابوت خشبيًا قد يصيب جسد الطفل ، لكنه محفوظ بحفظنا له ،” أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ “، ولا تخافي واطمئني ،” فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ ” ، مضيفًا معاليه أنه على الرغم من أن سيدنا موسى (عليه السلام) سيقع في يد عدو الله وعدو له إلا أن المحبة التي ألقاها الله تعالى عليه هي التي جعلت امرأة فرعون تقول : ” لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا “، “وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي” ، وما أعظم تلك المنة والعطية!!
كما بين معاليه أن الله تعالى ابتلى سيدنا موسى (عليه السلام ) ابتلاءً عظيمًا ، عندما استنصر به رجل من بني إسرائيل ، فأراد أن يدفع الذي هو عدو لهما ، فوقع الرجل ومات ، وكان القتل خطأً :” وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا” ، امتحنَّاك امتحانًا عظيمًا ، وابتليناك ابتلاءً كبيرًا ، “فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى” ، مبرزًا معاليه التربية الربانية والصنعة الإلهية للأنبياء (عليهم السلام) من خلال قوله تعالى : ” وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي ” ، وقوله تعالى : “وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي ” ، وقوله تعالى لنبينا وحبيبنا (صلى الله عليه وسلم) :” يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ “، فأيُّ عظمة وأيُّ فضل بعد هذا؟ ، الله يصطفي من الملائكة رسلًا ومن الناس ، بل بشر الله تعالى عباده المؤمنين بالبشرى العظيمة ، بكونه (صلى الله عليه وسلم ) قدم صدق لهم عند ربهم ، يقول تعالى :” وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ”، مقدم صدق على الله تعالى في الدنيا والآخرة ، ولله المثل الأعلى، يقولون : من له قدم على بيت فلان ، يدخل ويخرج مطمئنًا ، فما بالك بمن له قدم صدق عند الله تعالى؟! .
كما أظهر معاليه أن مهمة الأنبياء (عليهم السلام) مهمة عظيمة ، وتحتاج إلى تربية خاصة ، فقال تعالى لسيدنا موسى ( عليه السلام ) :” اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي ” ، لا تقصرا في ذكري ، ولا تتوانيا عنه ، فإنكما ستقدمان على مهمة عظيمة ، ويقول سبحانه لنبينا (صلى الله عليه وسلم) : “يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ” ، إعداد إلهي لأنبياء الله ورسله (عليهم السلام) ، ” اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ” ، فبماذا قوبل طغيان فرعون من سيدنا موسى ومن سيدنا هارون ( عليهما السلام ) ؟ ،”فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى” إنها لدعوة عظيمة تلك التي تقابل الشدة باللين ، والغلظة بالرحمة ، إنما بعثتم ميسرين ، ولم تبعثوا معسرين ، وبعثتم مبشرين ولم تبعثوا منفرين، يقول تعالى :” ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ” ، ما أحوجنا أن نتعلم من كتاب الله تعالى ، ومن دعوة الأنبياء إلى الله تعالى ، فقد كانت دعوتهم إليه تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة ، لذا قالوا : “البر شيء هين… وجه طلق ، وقول لين “، فإذا كان الله تعالى يريد أن يقابل سيدنا موسى وهارون (عليهما السلام) طغيان فرعون بالحكمة والموعظة الحسنة ، فما بالنا بعامة الناس ، “فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى”، “قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى ” ، إننا نخاف أن يبطش بنا ، أو يفتك بنا ، ” قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى” ، فإذا كان الله معك فمن يقدر أن يكون عليك ، مستشهدًا معاليه على هذا المعنى العظيم بأن سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لما كان مع صاحبه في الغار ، وقال له سيدنا أبو بكر (رضي الله عنه): لو نظر أحدهم لموضع قدميه لرآنا ، فقال له سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) :” يا أبا بكر ، ما ظنك باثنين الله ثالثهما ، يا أبا بكر ، لا تحزن إنّ الله معنا ” ، يقول تعالى : ” إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ “، وبما كان من سيدنا موسى (عليه السلام) عندما اتبعه فرعون وجنوده فلما تراء الجمعان ورأى كل واحد منهما صاحبه :” قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ” ، من أين هذه الثقة وهذه الطمأنينة؟ ، ما دام ربي معي فأنا في كنفه وحفظه ورعايته ، من هنا جاءت الثقة والطمأنينة لسيدنا موسى ( عليه السلام ) ، ” فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى * إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّى قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى * قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى * قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى* الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا” ، لفت نظرهم إلى آيات الله تعالى الكونية ، ” وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى * كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُولِي النُّهَى” ، وفي سورة لقمان يقول تعالى :” خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ * هَذَا خَلْقُ اللَّهِ” هذه قدرة الله تعالى ، وهذه آيات الله في كونه ، ” فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ” .