خلال حلقات برنامج : ” في رحاب القرآن الكريم” وزير الأوقاف : إذا كان الله معك فلا عليك بمن عليك وبمن معك
في إطار غرس القيم الإيمانية الصحيحة وإظهار الصورة المشرقة للفكر الإسلامي الصحيح، وفي ضوء العناية بكتاب الله (عز وجل) وبيان مقاصده وأسراره ، أكد معالي أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف – خلال برنامج : ”في رحاب القرآن الكريم” بعنوان : ” في رحاب سورة طه ” يوم الجمعة ٢٢ رمضان ١٤٤١هـ ، الموافق ١٥ / ٥/ ٢٠٢٠ م والذي يذاع على القناة الفضائية المصرية ، وقناة النيل الثقافية ، وقناة نايل لايف – أن سورة طه قد رسخت قيمًا إيمانية خالدة ، نقف مع جانب من جوانبها من خلال قصة سيدنا موسى (عليه السلام)، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى : ” وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي * وَلِي فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى” ، حيث لم تكن إجابة سيدنا موسى (عليه السلام) على قدر السؤال ، فقد كان كافيًا أن يقول : ” هِيَ عَصَايَ ” ، لكنه استعذب الحديث مع رب العالمين (عز وجل)، وطاب له الكلام فأطنب في الجواب وزاد ، حيث قال:” هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي * وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى”، وهذا الأسلوب يسميه البلاغيون بأسلوب الإطناب ، مبينًا معاليه روعة النص والتعبير القرآني المجيد من خلال التناسق والتناغم بين المفردات القرآنية ، حيث يقول سبحانه في سورة طه :” قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى * فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى” ، ويقول (عز وجل) في سورة الأعراف : ” فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ” ، والفارق بين الحية والثعبان واضح ومشاهد ، ومعروف ، فإن الحية ضيئلة الحجم قوية السم ، يقول النابغة الذبياني :
فبت كأني ساورتني ضئيلة
من الرقش في أنيابها السم ناقع
أمّا الثعبان فمعروف بضخامته ، غير أنّ الحية مع شدة سمها القاتل قد يُستخف بها لصغر حجمها ، حتى إن من رأى حية صغيرة ظن أنه قادر على الفتك بها ، أمّا الثعبان الضخم فإنه مخيف بطبعه لأول وهلة ، لكن قد يخطر ببال من يراه أنه قادر على الهروب والإفلات منه لبطء حركته ؛ لأن الشىء كلما ضخُم حجمه قلت حركته ، وعندما جاء السحرة بسحرهم أمر الله تعالى سيدنا موسى (عليه السلام ) أن يرمي العصا ، فصارت ثعبانًا في ضخامتها كأضخم ما يكون من الثعابين التي لم يشهدها أحد من قبل ، ومع هذه الضخامة كانت حية في حركتها وخفتها ونشاطها وسرعتها ، فلو كانت ثعبانًا ضخمًا بطيء الحركة ما استطاع أن يلقف حبالهم وعصيهم في لحظات يسيرة ، وكذلك لو كانت حية صغيرة ربما استهان بها السحرة ، فلما رأى السحرة هذه العصا في سرعتها وضخامتها علموا أن هذا ليس سحرًا ، ولا يمكن أن يقع هذا في باب السحر ، “ فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى” ، ولهذا لمّا نظر النص القرآني العظيم إلى جانب الضخامة ، قال عنها : ” فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ ” ، ولما نظر إلى جانب الخفة والسرعة والحركة ، قال عنها :” فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى”، “قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى” ، سنردها مرة ثانية عصا كما كانت .
كما أظهر معاليه بعض الدلائل العظيمة على قدرة الله تعالى مع سيدنا موسى (عليه السلام) ، حيث يقول تعالى :” وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى” ، فنحن نريك بعض دلائل قدرتنا ، وإليك آية أخرى ، أدخل يدك في جيب ثوبك تخرج بيضاء ، البياض قد يكون عند بعض الناس من مرض أو برص أو نحوه ، لكن بياض يد سيدنا موسى (عليه السلام) كان بياض جمال وكمال ألقاه الله تعالى على يده الشريفة ، فقال سبحانه : “تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ” من غير علة ولا مرض ،” آيَةً أُخْرَى ” ، ” لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى” ، حتى تذهب إلى فرعون وملإه وأنت مطمئن لنصرتنا ، ومعيتنا ، مظهرًا معاليه أنه بعد أن رأى سيدنا موسى (عليه السلام) هاتين الآيتين ، أمره الله تعالى أن يأتي فرعون بقوله :” اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى” ، تجاوز الحد في الطغيان، فقال سيدنا موسى (عليه السلام) :” رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي* وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي” ، كل هذه الدعوات التى دعا بها سيدنا موسى (عليه السلام) لم يدع بها لدنيا ، أو لمتاع منها ، وإنما قال (عليه السلام) معللًا :” كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا ، وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا” ، إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا * قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى”.
كما أكد معاليه على قيمة سامية من القيم الإيمانية من خلال جانب آخر من جوانب قصة سيدنا موسى (عليه السلام) ، وهو أنه إذا كان الله معك فلا عليك بعد ذلك بمن عليك وبمن معك ، حيث يقول تعالى :” وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى * إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى* أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي “، وفي آية أخرى يقول سبحانه :” وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ”، المرأة إذا خافت على أبنائها أبعدتهم عن اليم ، وإذا كان بجانبها بحر أو نهر حاولت أن تبعدهم لا سيما إذا كان طفلًا صغيرًا، لكن التعبير القرآني جاء على خلاف هذا ،” أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ “، والقذف فيه شدة أيما شدةٌ ، فحينما يكون الطفل رضيعًا تسلمه الأم إلى ابنتها ، والأخت إلى أختها ، أو إلى عمتها أو خالتها بهدوء خوفًا عليه ، لكن النص القرآني لم يقل ضعيه برفق في التابوت، وإنّما قال :” أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ ” ، وحتى التابوت ، ” فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ”، اقذفِي التابوت في اليم ، ولا تخافي واطمئني ،” فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ ” ، مبينًا معاليه أن وعد الله حق ، وأنه لا يخلف الميعاد ، يقول تعالى في سورة القصص :” فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ” ، ويقول تعالى:” وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي * إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَن يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ “، نشهد أن وعد الله حق، وإذا كان الله معك فلا عليك بعد ذلك بمن عليك وبمن معك ،
وإذا العناية لاحظتك عيونها
نم فالمخاوف كلهن أمان.