خلال حلقات برنامج : “في رحاب القرآن الكريم”
وزير الأوقاف : الإيمان الحقيقي هو ما صدقه العمل ، والمؤمن الحقيقي ليس بغشاش ولا منافق ولا كذاب ولا يخون العهد ولا يغدر
في إطار غرس القيم الإيمانية الصحيحة وإظهار الصورة المشرقة للفكر الإسلامي الصحيح، وفي ضوء العناية بكتاب الله (عز وجل) وبيان مقاصده وأسراره ، أكد معالي أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف – خلال برنامج : ”في رحاب القرآن الكريم” بعنوان : ” الإيمان والمؤمنون في القرآن الكريم ” يوم الاثنين ١٨ رمضان ١٤٤١هـ ، الموافق ١١/ ٥/ ٢٠٢٠ م والذي يذاع على القناة الفضائية المصرية ، وقناة النيل الثقافية ، وقناة نايل لايف – أن القرآن الكريم تحدث عن الإيمان والمؤمنين ، فقال سبحانه :” إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ، الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ، أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ” ، ويقول جل وعلا : ” الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ” ، وسئل الحسن البصري (رحمه الله) عن الإيمان فقيل له : أمؤمن أنت؟ فقال: إن كنت تسألني عن الإيمان بالله تعالى ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، والقضاء حلوه ومره ، فأنا مؤمن والحمد لله ، وإن كنت تسألني عن قوله تعالى: ” إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ” ، فلا أدري أأنا منهم أو لا؟ ، فالإيمان الحقيقي هو ما صدقه العمل ، حتى إن بعض العلماء ربط بين الإيمان واليقين ، وبين الإيمان والصدق ، وبين الإيمان والأمانة ، وبين الإيمان وعدم أذى الآخرين ، وبين الإيمان والإحساس بالآخرين ، وقال بعضهم : الإيمان الحقيقي أن تقول الصدق مع ظنك أن الصدق قد يضرك ، وأن لا تقول الكذب مع ظنك أن الكذب قد ينفعك ؛ لأنك تؤمن أن الأمر كله بيد الله وحده ، وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك ، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك ، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، رفعت الأقلام وجفت الصحف” ، ويذكر بعض الكُتَّاب : أن رجلاً أخطأ في حق الحجاج بن يوسف الثقفي ، فسجنه الحجاج ، فجاء أهله يستشفعون عند الحجاج ليطلق سراحه ، فقالوا : إن الرجل مجنون ، فقال الحجاج إكبارًا لهم واختبارًا له : إن جاء واعترف أنه مجنون عفونا عنه ، فذهبوا إلى الرجل في محبسه ، وقالوا : ما عليك إلا أن تقول أمام الحجاج أنك مجنون ، لتنقذ نفسك من هذه الطائلة ، فقال لهم : والذي بعث محمدًا (صلى الله عليه وسلم) بالحق ، ما كنت لأكذب أو أجحد نعمة من نعم الله تعالى عليَّ ولو مكثت في السجن طول حياتي ، فعادوا إلى الحجاج فأخبروه بما قال ، فأطلقه لصدقه.
كما بين معاليه أن المؤمن الحقيقي دائمًا ما يتعهد أمانته كما يتعهد الفلاح زراعته ، والعامل صناعته ، فالإيمان والوفاء بالعهد مرتبطان ، يقول تعالى: “وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ” ، يتعهدونها ويقومون عليها ، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : “لا إيمان لمن لا أمانة له ، ولا دين لمن لا عهد له” ، موضحًا معاليه أن من صفات المؤمن الحقيقي ما ذكره الله تعالى ، حيث يقول سبحانه : “وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ، أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ ، الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ” ، هذا هو الإيمان الحقيقي ، فالمؤمن الحقيقي لا يكون غشاشًا ، ولا منافقًا ، ولا كذابًا ، ولا خائنًا للعهد ، ولا غادرًا ، الإيمان الحقيقي يهذب نفس صاحبه ، المؤمن الحقيقي حييّ كريم يألف ويؤلف ، فالإيمان والحياء قرناء ، فإن رفع أحدهما رفع الآخر ، والمؤمن الحقيقي يشعر بآلام الآخرين ، ويقف بجانبهم ، ولا يؤذي أحدًا ، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : “ما آمن بي من بات شبعان وجاره إلى جنبه جائع وهو يعلم به” ، ونحن في شهر الكرم ، وأيام الكرم فليأخذ قوينا بيد ضعيفنا ، ويقف بعضنا بجانب بعض ، ونجتهد ونعمل ، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) :” وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ قِيلَ مَنْ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : الَّذِي لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ ” ، ويقول سيدنا رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ):” مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَلَا يُؤْذِ جَارَهُ ، ومَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ، فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ ، ومَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ، فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ”، ثم وضع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) تعريفًا جامعًا للإيمان الحقيقي ، والإسلام الحقيقي ، فقال (صلى الله عليه وسلم) :” المسلِمُ من سلمَ الناس من لسانِهِ ويدِهِ ، والمؤمنُ من أمنَهُ النَّاسُ علَى دمائِهِم وأموالِهِم ” ، هكذا يجب أن نفهم الإيمان والإسلام.