في ملتقى الفكر الإسلامي
د/ أشرف فهمي مدير عام التدريب بوزارة الأوقاف :
الأعمال الصالحات بركة في الأرض
وذخر في السماء
والقلب الموصول بالله قلب رحيم
د/ صبري الغياتي مدير عام شئون القرآن بوزارة الأوقاف :
الإسلام أوصى بإتقان العمل والإخلاص فيه
إطعام الجائعِ ، وكساء العاري ، وإعانة العاجز من أفضل الأعمال الصالحة
برعاية كريمة من معالي أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف ، وفي إطار التعاون والتنسيق بين وزارة الأوقاف المصرية والهيئة الوطنية للإعلام ؛ لنشر الفكر الإسلامي الصحيح ، ومواجهة الفكر المتطرف ، وتصحيح المفاهيم الخاطئة ، أقيمت مساء يوم الاثنين 11 / 5 / 2020م الحلقة الثامنة عشرة لملتقى الفكر الإسلامي الذي ينظمه المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ، وجاءت بعنوان : ” فضل العمل الصالح في رمضان” ، وحاضر فيها كل من: د/ أشرف فهمي مدير عام التدريب بوزارة الأوقاف ، والدكتور/ صبري الغياتي مدير عام شئون القرآن بوزارة الأوقاف ، وقدم للملتقى الإعلامي أ/ محمد فتحي المذيع بقناة النيل الثقافية .
وفي كلمته أكد فضيلة الدكتور/ أشرف فهمي مدير عام التدريب بوزارة الأوقاف أن شهر رمضان هو شهر تميز عن غيره من الشهور ، حيث خصه الله (عز وجل) بمميزات عظيمة ، فصرح باسمه في القرآن الكريم دون غيره من الشهور ، وشرفه بنزول الوحي فيه حيث يقول الحق سبحانه :” شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ” ، فهو شهر يكثر فيه المسلم من الأعمال الصالحات ، كالصدقات والإحسان إلى الفقراء والمحتاجين وبخاصة وقت الجوائح والنوازل ، فإن العمل الصالح وخاصة وقت الأزمات والشدائد والمحن له أجر كبير عند الله سبحانه وتعالى ، حيث وعد ربنا سبحانه وتعالى أهل الإيمان المسارعين إلى فعل الخيرات بجنة عرضها السموات والأرض ، فقال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}، ولما سئل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : أي الناس أحب إلى الله؟ وأي الأعمال أحبّ إلى الله (عز وجل)؟ قال (صلى الله عليه وسلم) : ( أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعهُمْ لِلنَّاسِ ، وَأَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً ، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا ، أَوْ تُطْردُ عَنْهُ جُوعًا ، وَلِأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ لِي فِي حَـاجَةٍ أَحَـبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ (يعني المسجد النبوي) شَهْرًا …).
كما أشار فضيلته إلى أن شهر رمضان هو شهر التغيير ، فنغير من سلوكنا السيئ إلى الأحسن والأفضل ، ومن لم يتغير حاله في رمضان فمتى يتغير ؟! وهو شهر الصيام والقيام والقرب من الملك العلام ، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ “، وهو شهر نقاء القلب وصفائه ، فمن أجل نعم الله (عز وجل) على الإنسان أن يمنحه قلبًا سليمًا ، والقلب الموصول بالله قلب رحيم ، والقلب المقطوع عن الله قلب قاس ، والقلوب القاسية لا يحبها الله (عز وجل) ، وقد قال الشاعر :
كُنْ قَابِلَ الْعُذْرِ وَاغْفِرْ زَلَّةَ النَّاسِ وَلَا تُطِعْ يَا لَبِيبًا أَمْرَ وَسْوَاسِ
فَالـلهُ يَكْــرَهُ جَبّـــَارًا يُشَـــارِكُــهُ وَيَكْرَهُ اللهُ عَبْدًا قَلْبُهُ قَاسِي
وفي ختام كلمته أكد فضيلته أن المسلم إذا أراد أن يكون قلبه سليمًا فعليه أن يخلص النية لله (عز وجلّ) ، قال تعالى : { إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ} ، وأن يقبل على كتاب الله حفظًا وتلاوة وتدبرًا وفهمًا ، وأن يخرج من قلبه سوء الظن بالناس ، حيث يقول نبينا (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : ” إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ ، وَلَا تَحَسَّسُوا ، وَلَا تَجَسَّسُوا ، وَلَا تَحَاسَدُوا ، وَلَا تَدَابَرُوا ، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا” ، فهذا هو شهر التسامح والعفو لا التشاحن والخصام ، فلو تهاجر شخصان وحصل بينهما شحناء ، وكل منهما أعرض عن الآخر فإن أعمالهم لن ترفع إلى الله (عز وجل) ، كما قال النبي (صلى الله عليه وسلم) : ” تُعْرَضُ الأَعْمَالُ في كُلِّ يَوْمِ خَمِيسٍ وَاثْنَيْنِ فَيَغْفِرُ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) في ذَلِكَ الْيَوْمِ لِكُلِّ امْرِئٍ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلاَّ امْرَأً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ ، فَيُقَالُ اترْكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا اترْكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ” ، فلن يدخل أحد الجنة إلا بقلب سليم ، كما قال الحق سبحانه : { يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}، فليعلم كل مسلم أنه لا نجاح ولا فلاح ولا صلاح للعبد إلا بالقلب السليم .
وفي كلمته أكد فضيلة الدكتور/ صبري الغياتي مدير عام شئون القرآن الكريم بوزارة الأوقاف أن شهر رمضان شهر العمل والجد والاجتهاد ، ” مَنْ تَقَرَّبَ فِيهِ بِخَصْلَةٍ مِنَ الْخَيْرِ، كَانَ كَمَنْ أَدَّى فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ، وَمَنْ أَدَّى فِيهِ فَرِيضَةً، كَانَ كَمَنْ أَدَّى سَبْعِينَ فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ ” ، فالعمل الصالح فيه مضاعف الأجر والثواب ، على أن العمل الصالح في الإسلام لا يقف عند الصلاة والزكاة والصيام والعبادات ، بل يشمل العمل في جميع مناحي الحياة ، من إطعام الجائعِ ، وكساء العاري ، وتعليم الجاهل ، وإنظار المعسر ، وإعانة العاجز ، وقضاء حوائج الناس ، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ …).
ولا شك أن قضاء حوائج الناس باب واسع من أبواب الفضل ، لما فيه من تقويةٍ لروابط الأخوة وتنمية للألفة والمحبة بين الناس ، يقول سبحانه: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (رضي الله عنهما) أن النَّبِيَّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: (مَنْ مَشَى فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ خَيْرًا لَهُ مِنَ اعْتِكَافِهِ عَشْرَ سِنِينَ ، وَمَنِ اعْتَكَفَ يَوْمًا ابْتِغَاءَ وَجْـهِ اللَّهِ ، جَعَـلَ اللَّهُ بَيْنَـهُ وَبَيْنَ النَّارِ ثَلَاثَةَ خَنَـادِقَ كُلُّ خَنْـدَقٍ أَبْعَــدُ مِمَّـا بَيْنَ الخَافِقَيْنِ) .
ولو تأملنا حياة الصحابة الكرام (رضي الله عنهم) لوجدناها زاخرة بالبذل والعطاء وفعل الخير والتضحية في سبيل الله ، بل إنهم ضربوا أروع الأمثلة في ذلك ، فقد كانوا يسارعون ويتنافسون في هذا المجال ، فها هو عُمَر بْن الْخَطَّابِ (رضي الله عنه) يقول: (أَمَرَنَا رَسُولُ الله (صلى الله عليه وسلم) يَوْمًا أَنْ نَتَصَدَّقَ ، فَوَافَقَ ذَلِكَ مَالًا عِنْدِي، فَقُلْتُ: الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا، فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي، فَقَالَ رَسُولُ الله (صلى الله عليه وسلم): “مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟” قُلْتُ: مِثْلَهُ، قَالَ: وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله (صلى الله عليه وسلم) : “مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟” قَالَ: أَبْقَيْتُ لَهُمْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، قُلْتُ: لَا أَسْبِقُهُ إِلَى شَيْءٍ أَبَدًا).
وفي ختام كلمته أكد فضيلته أن العمل لا يكون صالحا إلا إذا كان خالصا ومتقنا ، مشيرًا إلى أن الإسلام قد أوصى بإتقان العمل والإخلاص فيه ، مستشهدًا بقوله تعالى : {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}، فالعمل لا يكون صالحا إلا بالإخلاص لله رب العالمين ، موضحا أهمية العمل والإتقان ، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى : {إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا}، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلا أَنْ يُتْقِنَهُ ” .