*:*الأخبارأخبار الأوقاف2

خواطر رمضانية…الخاطرة الثامنة عشرة: همسة في فن صناعة البيان “المطلع والمقطع والانتهاء”

       للقول البليغ صفات عديدة ، منها ما تضبطه القواعد والمعاجم ، ومنها ما يدرك بالحاسة والذائقة الأدبية و الخبرة والدربة ، ويدق الأمر في شأن القول إلى درجة من الفروق قد تدرك و لا تكاد توصف ، ألا ترى أنك قد تنظر في أمر جوادين نجيبين مستوفيين لكل درجات ومقومات العتق والنجابة ، غير أن أحدهما يفوق الآخر بأشياء قد تدرك ولا تكاد توصف ، وإن وصفها فلا يقوى على ذلك إلا واسع الخبرة والتجربة طويل الممارسة والمدارسة والمعايشة للأمر المقضي في شأنه ، وهكذا الأمر والشأن في تمييز التمور والثياب والحرف والصناعات ، غير أن الأمر في شأن الكتابة والبلاغة شعرا أو نثرا ، قصة أو رواية ، مقالة أو مقامة أدق .
وأكتفي في هذه الخاطرة السريعة بإلقاء الضوء على عنوان واحد عريض ودقيق ، وهو حسن المطلع والمقطع والانتهاء .
فالكلام بمطلعه ، وهو ما يعرف ببراعة الاستهلال ، والمطالع سعد أو نحس ، وقديمًا قالوا : الكلام يعرف من عنوانه ، والعنوان نصف الكلام ، وربما كان الكلام كله .
ومن براعة الاستهلال إلى حسن الانتقال ، فينساب الكلام انسيابا كسلاسل الماء الزلال أو حبات اللجين الصافية ، بلا تنافر أو مطبات إيقاعية أو سياقية ، فينتقل الكاتب بين ثنايا موضوعه انتقالًا هينا لينًا لا يشعر معه المتلقي بأي فجوات أو نتوءات في القول ، بحيث يقطع الكاتب المسافات ويردم الفجوات وكأنه صائغ ماهر لأدق الجواهر التي لا ترى فيه جوهرة واحدة غير متسقة مع جارتها ، بل تراها جميعا منتظمة غاية الانتظام في عقد فريد صاغه فنان بارع المهارة في الحس والذوق والصنعة .
ثم يكون مسك الختام بحسن الانتهاء وتهيئة المتلقي له ، بحيث لا يمحو سوء الختام ما كان من تنميق الكلام ، ومعلوم أن الأمور بخواتيمها .
يضاف إلى ذلك حنكة الشاعر أو الكاتب أو الخطيب أو القاص في تقدير كل قسم من هذه الأقسام ، و بصره بما يحتاج إلى مقدمات وما لا يحتاج ، وما يجب التخلص منه مما ملته الأسماع من المقدمات الرتيبة التي لا تعد من صلب القول ولا من صميم المقام.

أ.د/ محمد مختار جمعة

وزير الأوقاف       

اظهر المزيد

منشور حديثّا

زر الذهاب إلى الأعلى