في ملتقى الفكر الإسلامي
أ.د/ أحمد حسين عميد كلية الدعوة الإسلامية:رمضان شهر الانتصارات الكبرىوهو شهر الجد والاجتهاد والعمل د/ السيد مسعد مدير مديرية أوقاف الجيزة:رمضان شهر الصبر والنصروالصبر أساس الانتصارات جميعها
برعاية كريمة من معالي أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف ، وفي إطار التعاون والتنسيق بين وزارة الأوقاف المصرية والهيئة الوطنية للإعلام ؛ لنشر الفكر الإسلامي الصحيح ، ومواجهة الفكر المتطرف ، وتصحيح المفاهيم الخاطئة ، أقيمت مساء يوم الأحد 10 / 5 / 2020م الحلقة السابعة عشرة لملتقى الفكر الإسلامي الذي ينظمه المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ، وجاءت بعنوان : ” ذكرى انتصار يوم بدر” ، وحاضر فيها كل من: أ.د/ أحمد حسين عميد كلية الدعوة الإسلامية بجامعة الأزهر الشريف ، والدكتور/ السيد مسعد مدير مديرية أوقاف الجيزة ، وقدم للملتقى الإعلامي أ/ حسن الشاذلي المذيع بقناة النيل الثقافية .
وفي كلمته أكد فضيلة أ.د/ أحمد حسين عميد كلية الدعوة الإسلامية بجامعة الأزهر الشريف أن شهر رمضان هو شهر الانتصارات ، ففيه انتصار بدر الذي رفع الله( عز وجل ) به شأن الأمة وشأن نبيه (صلى الله عليه وسلم) وشأن المؤمنين ، قال تعالى : “وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ” ، كانت واقعة بدر في شهر رمضان ، وهو شهر التقرب إلى الله (عز وجل) بالصيام وبالقيام وبقراءة القرآن ، وفيه فتح مكة ، وفيه نصر العاشر من رمضان ، وفيه الكثير من الانتصارات التي أيد الله (عز وجل ) بها المسلمين .
وإذا كان شهر رمضان هو شهر التقرب إلى الله (عز وجل) بالدعاء والتضرع والإنابة والخشية فهو أيضًا شهر الجد والاجتهاد والسعي الدءوب ، وأعلى درجات السعي وأعلى درجات العمل أن يلقى المسلمون أعداءهم في ميدان القتال ، فلم يُستثن رمضان أن يكون ظرفًا للحرب التي تدور في كل زمان ومكان بين الحق والباطل ، بين المعتدين وبين من يدفعون العدوان .
كما أكد فضيلته أن نصر بدر حدثٌ فريد في تاريخ المسلمين ، حيث أيدهم الله (عز وجل) ونصرهم فيه ؛ لأنهم كانوا أذلة متضرعين ، وأما المشركون فنرى فيهم نوعًا من السرف والكبر والمفاخرة ، وهكذا أبى أبو جهل لما جاءه الخبر بنجاة القافلة، إلا أن يصر على التقدم ، ويقول : وَاَللَّهِ لَا نَرْجِعُ حَتَّى نَرِدَ بَدْرًا- وَكَانَ بَدْرٌ مَوْسِمًا مِنْ مَوَاسِمِ الْعَرَبِ ، يَجْتَمِعُ لَهُمْ بِهِ سُوقٌ كُلَّ عَامٍ- فَنُقِيمُ عَلَيْهِ ثَلَاثًا، فَنَنْحَرُ الْجُزُرَ، وَنُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَنُسْقِي الْخَمْرَ، وَتَعْزِفُ عَلَيْنَا الْقِيَانُ ، وَتَسْمَعُ بِنَا الْعَرَبُ وَبِمَسِيرِنَا وَجَمْعِنَا، فَلَا يَزَالُونَ يَهَابُونَنَا أَبَدًا بَعْدَهَا ، فَامْضُوا ، مشيرًا إلى قوة إيمان المسلمين بربهم ، ويقينهم بنصر الله تعالى لهم، فحينما علم الرسول (صلى الله عليه وسلم) بمقدم قريش بسادتها وشبابها وعبيدها ورجالها ونسائها على قلب رجل واحد يحادون الله ورسوله ، جمع (صلى الله عليه وسلم) أصحابه من المهاجرين والأنصار ، وقال : ” أشيروا عليَّ أيها الناس” ، فقام سيدنا أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) فتكلم وأحسن ، ثم قام سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) فتكلم وأحسن ، ثم قام المقداد بن عمرو فقال: “يا رسول الله ، امض لما أراك الله فنحن معك ، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون ، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون ، فو الذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه، حتى تبلغه ، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وسلم) خيرا ودعا له .
ثم سمع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) رأي الأنصار ، فقال سيدنا سعد بن معاذ (رضي الله عنه) : يا رسول الله : قد آمنا بك فصدقناك ، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة ، فامض يا رسول الله لما أردت ، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد ، وما نكره أن تلقى بنا عدوا غدا، إنا لصبر في الحرب، صدق عند اللقاء، ولعل الله يريك منا ما تقرّ به عينك، فسر بنا على بركة الله ، فَسُرَّ بِذَلِكَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) ثُمَّ قَالَ : (سِيرُوا وَأَبْشِرُوا , فَإِنَّ اللهَ – عز وجل – قَدْ وَعَدَنِي إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، وَاللهِ لَكَأَنِّي أَنْظُرُ الْآنَ مَصَارِعَ الْقَوْمِ) ، فكان النصر من عند الله (عز وجل) ، حيث يقول سبحانه : { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيم}، ويقول تعالى : {إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ* بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ}، وهذا مدد حقيقي يتنزل على المؤمنين ليقوي موقفهم ، وليكون سببًا في جلب النصر لهم .
وفي ختام كلمته أكد فضيلته أن يوم بدر فيه من الدروس والعبر الكثير ، منها : أن رمضان شهر الاجتهاد ، وشهر العمل ، كما أنه شهر العبادة ، فلا يحول الصيام بيننا وبين أن نباشر أعمالنا ، مهما كانت عظيمة وشاقة ، فإن الله يعيننا عليها ويبارك لنا في قوتنا ، فليس الصوم موسمًا للقعود ولا لترك العمل ، بل هو موسم للجد والاجتهاد يتدرب فيه المؤمن على ألوان متعددة من العبادات ، فالصيام يعطي المؤمن قوة يستطيع أن يواجه بها الشدائد ، فالإنسان لا يواجه شدائد الحياة بقوته ، ولكن يواجهها بالصوم والقيام والدعاء فهي من سبل القوة والصلابة التي يواجه بها المؤمن الحياة بكل صعوباتها .
وفي كلمته أكد فضيلة الدكتور/ السيد مسعد مدير مديرية أوقاف الجيزة أن شهر رمضان شهر عظمت فيه انتصارات المسلمين، وأننا في هذه الليلة الطيبة المباركة نقف أمام حدث عظيم من أحداث شهر رمضان المعظم ، بل حدث فارق في حياة الأمة الإسلامية ألا وهو انتصار يوم بدر ، وهو يوم الفرقان – كما سماه القرآن الكريم – الذي تجلى فيه التطبيق العملي لصيام رمضان والقرب من رب العالمين ، مشيرًا إلى بعض عوامل النصر في يوم بدر ، ومنها : الثبات الذي يتحقق بقوة الإيمان ، حيث يقول سبحانه : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا}، وإذا تحقق الإيمان وثبت في قلب العبد استجاب لنداء ربه تعالى فأدى ما عليه مطمئنة نفسه ثابتا قلبه قال تعالى: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}، ومنها : ذكر الله تعالى ، حيث يقول سبحانه :{وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، مشيرًا إلى أن ذكر الله تعالى أسمى ما يكون في هذا الشهر الكريم ، فحينما تصفو الروح ، وينتصر الإنسان على شهواته وعلى نفسه فلا يكون هناك تعلق للقلب إلا بالله سبحانه وتعالى ، فيترك الحلال الطيب في نهار رمضان قربا من الحق سبحانه.
كما ذكر فضيلته أن طاعة الله تعالى ، وطاعة الرسول (صلى الله عليه وسلم) ، والبعد عن التنازع والاختلاف ، والإخلاص لله تعالى ، واللجوء إليه ، والاعتماد عليه سبحانه ، والإكثار من الدعاء ، والصبر ، من أهم عوامل النصر العظيم في يوم بدر ، حيث يقول ربنا سبحانه وتعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ }.
وفي ختام كلمته أكد فضيلته أن أهم وأعظم نصر هو انتصار الإنسان على نفسه وشيطانه ، وفي شهر رمضان يظهر هذا الانتصار من خلال امتناع الصائم عن الطعام والشراب والجماع وهي أمور حلال له ، فالانتصار على النفس والتغلب على المطامع والشهوات هو أعظم نصر يحققه الإنسان في هذا الشهر الكريم ، فعلينا أن نغتنم تلك الفرصة في هذا الشهر الفضيل وأن نتقرب إلى الله (عز وجل) بالصبر على طاعة الله ، والصبر عن المعصية ، والصبر على الابتلاءات التي قد تعرض للإنسان في حياته ، فالصبر أساس الانتصارات جميعها ، حيث يقول سبحانه : {وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} ومعية الله تعالى للصابرين معية نصر وتأييد ، وقد قال النبي (صلى الله عليه وسلم) : “واعلم أن النصر مع الصبر” .