خلال حلقات برنامج: “في رحاب القرآن الكريم” وزير الأوقاف: ضرورة التحري والتثبت والتدقيق في نقل الأخبار
ومراعاة خصوصيات الآخرين وحرماتهم من الأحكام والآداب والقيم الإيمانية العظيمة
في إطار غرس القيم الإيمانية الصحيحة وإظهار الصورة المشرقة للفكر الإسلامي الصحيح، وفي ضوء العناية بكتاب الله (عز وجل) وبيان مقاصده وأسراره ، أكد معالي أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف – خلال برنامج : ”في رحاب القرآن الكريم” بعنوان : ”في رحاب سورة النور ” يوم الأحد ١٧ رمضان ١٤٤١هـ ، الموافق ١٠/ ٥/ ٢٠٢٠ م والذي يذاع على القناة الفضائية المصرية ، وقناة النيل الثقافية ، وقناة نايل لايف – أن سورة النور تحدثت عن كثير من الأحكام والآداب والقيم الإيمانية ، موضحًا معاليه ما ينبغي علينا من التثبت والتحري والتحقق في تناول الأخبار من خلال وقفة هامة مع حادثة الإفك ، والتي تعرضت فيها أم المؤمنين السيدة عائشة (رضي الله عنها) لبهتانٍ عظيمٍ ، يمس الإنسان في أعز ما يملك ، وقد جعل ديننا الحنيف الحفاظ على الأعراض من المقاصد الكلية العامة للتشريع ، وقد تضمنها كتاب الكليات الست وهي: حفظ الدين ، والوطن ، والنفس ، والعقل ، والمال ، والعرض متضمنًا النسل والنسب ، يقول سبحانه :” إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ” سماه القرآن الكريم إفكًا ، بهتانًا مبينًا ، ” عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ” ، وينبهنا القرآن الكريم إلى التحري ، والتحقق ، والتثبت ، وعدم الخوض في الأعراض بالكلمة أو بالكتابة ، أو بأي وسيلة من الوسائل ، يقول سبحانه : ” إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ ” ، تتناقلون الكلام بألسنتكم ، وكان هذا هو الموجود على عهد سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، ويدخل فيه ما يتناقله الناس الآن خلال وسائل التواصل الاجتماعي المشبوهة والمجهولة ، “وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ” ، ما أصعب الافتراء على الناس بدون بينة ولا دليل وبدون حق!! ، قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ” ، ويقول هنا :” إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ ” ، ما لم تتحققوا منه ، وما لم تتثبتوا منه ، وتحسبون وتظنون أن هذا أمرٌ سهلٌ ، “وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ” ، “وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ” ، هذه أمنا أم المؤمنين السيدة عائشة (رضي الله عنها) ، “يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ” ، يعظكم ويعظ الناس جميعًا إلى يوم القيامة أن تخوضوا في عرض أحد ، أو أن تنالوا من أحد ، “وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ، إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ” ، وهذا ما يتطلب منا التحقق والتثبت وألا يخوض أحدٌ في عرض أحدٍ ، وألا يقع أحدٌ في غيبة أحدٍ ، ولا في نميمة أحد ، وذلك منهي عنه ، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) لأصحابه :” أتدرون ما الغيبة ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : ذكرك أخاك بما يكره ، قيل : أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ قال (صلى الله عليه وسلم ) :” إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته ، وإن لم يكن فيه فقد بهته” ، أي افتريت عليه وكذبت .
كما أبرز معاليه أن سورة النور قد تحدثت عن أدب من الآداب الإنسانية السامية ، وهو الاستئذان ، واحترام خصوصية الناس ، فمن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ، قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ، فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ” ، فالإسلام دين الأدب ، ودين الرقي ، ودين القيم الإنسانية الجميلة ، وكان سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إذا أتى أحدًا لا يأتي من قِبَل الباب ، حتى لا يقع بصره على أهل البيت ، ولكن من على يمينه أو شماله تأدبًا ، فإذا دخلت بيت أحد فاحفظ حرمته ، واحفظ سر البيت ، كما أن من الآداب أن لا تجلس وعينك أمام مدخل البيت ، أو غرفة الأسرة ، وأن تغض بصرك عن حرمات البيت ، وألا تجلس على تَكْرِمَةِ أحدٍ إلا بإذنه ، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) :”لا يؤمنَّ الرجل الرجل في أهله ولا سلطانه” ، حتى ولو كان أحفظ منه وأعلم ، فلا تكن إمامًا له في بيته ولا في مكان عمله ، لا أمام أهله ولا أمام مرءوسيه ، أنزلوا الناس منازلهم ، وأكرموهم حيث تكرمون ،” وَلا يَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلا بِإِذْنِهِ ” ، حتى لو كان رئيسًا وجاء ليفتش عليه فلا يليق أن يؤمه أمام مرءوسيه ، ولا يجلس على مكتبه إلا بإذنه ، ولا يستخدم أداة أحد إلا بإذنه ، فلا يستخدم حاسوب أحد إلا بإذنه ، ولا قلم أحد إلا بإذنه ، ولا حاجة أحد إلا بإذنه ، ولا مسبحة أحد إلا بإذنه ، ولا كتاب أحد إلا بإذنه ، هذا هو الأدب ، وتلك هي الآداب ، وهذا هو الإسلام ، وهذه هي الأخلاق، مبينًا معاليه أنه ينبغي تعليم أطفالنا هذه الآداب السامية ، يقول تعالى : “وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ” علموهم القيم ونشَّئوهم على الأخلاق ، ” كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ”.