خلال حلقات برنامج: “في رحاب القرآن الكريم”
وزير الأوقاف:أكل الحرام يتنافى مع سلوك الصائم وحقيقة الصوموالقرآن الكريم اهتم بالحقوق والالتزامات المالية اهتمامًا بالغًاوالويل لمن يطفف على الناس عند أخذ حقه أو يبخسهم عند استيفاء حقوقهم
في إطار غرس القيم الإيمانية الصحيحة وإظهار الصورة المشرقة للفكر الإسلامي الصحيح، وفي ضوء العناية بكتاب الله (عز وجل) وبيان مقاصده وأسراره ، أكد معالي أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف – خلال برنامج : ”في رحاب القرآن الكريم” بعنوان : ” الوفاء بالحقوق في القرآن الكريم ” يوم الأربعاء ١٣ رمضان ١٤٤١هـ ، الموافق ٦/ ٥/ ٢٠٢٠ م والذي يذاع على القناة الفضائية المصرية ، وقناة النيل الثقافية ، وقناة نايل لايف – أن القرآن الكريم قد ذكر أمر العبادات التي بين العبد وربه مجملة ، وفصَّل كثيرًا من الحقوق والالتزامات المالية ، ومن ذلك : ما فصَّله القرآن الكريم في سورة النساء من أحكام المواريث ، والتي ختمها سبحانه وتعالى بقوله : ” تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ” ، والحد : فاصل بين الحق والباطل ، بين الحلال والحرام ، ” وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ، وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ” ، بأن يحرّف ، أو يبدّل ، أو يغيّر ، أو يتدخّل في تقسيم الله تعالى ، ” يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ ” ، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” إِنَّ اللهَ قَدْ قَسَمَ لِكُلِّ وَارِثٍ نَصِيبَهُ مِنَ الْمِيرَاثِ “، ولم يقل (صلى الله عليه وسلم) : قسمت أنا ، وإنما نسب القسمة إلى الله تعالى ، فإن الله لم يترك أمر الميراث لأحد من خلقه ، فإن الله تعالى قسم لكل وارث حقه ، فمن منع وارثًا حقه منعه الله تعالى جنته يوم القيامة ، والذي يتدخّل ويغيّر ويبدّل فيعطي هذا ويمنع هذا وبخاصة من يحرمون المرأة من حقها في الميراث ، ومن يخصصون أموالهم لأبنائهم من البنين دون البنات ، ويقولون : لا نعطي الميراث لأحد من الغرباء ، أو من أزواج البنات ، أو هكذا جرت عاداتهم الخاطئة المخالفة لشرع الله (عز وجل) ، فنقول لهم : من يتدخل فيكتب لهذا ، أو يعطي هذا ويحرم هذا ، أو يسجل لهذا ويمنع هذا ، كأنه يقول (والعياذ بالله تعالى): تقسيم الله تعالى لا يعجبني ، أو يقول: أنا أقسم تقسيمًا أحسن من قسمة الله تعالى ؛ لأنه إذا كان يرضى بتقسيم الله تعالى فلماذا يتدخل فيما قسمه الله (عز وجل)؟.
ويروي الناس أن أحدًا منع ابنته من الميراث ، واختص بالمال والعقار أبناءه من البنين ، فظلت البنت صامتة حتى جاءت لحظة شديدة حاسمة ، وهي لحظة غسل أبيها ، فقالت: أروني أنظر إليه حتى أودعه ثم وقفت على رءوس الأشهاد من الحاضرين، وقالت : اللهم إنك تعلم أنه قد حرمني بعض نعيمك في الدنيا ، اللهم إني أسألك أن تحرمه من نعيم الآخرة ، قابلت عقوقًا بعقوق ، وجحودًا بجحود ، فمن ينتظر لنفسه مثل هذا الموقف ، حتى وإن لم تقله المرأة بلسانها فإن حالها ومقامها يقول ذلك، “وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ “.
كما بين معاليه أن من الحقوق التي أكد القرآن الكريم عليها ، حقوق الناس في الكيل والميزان، وقد خصص سبحانه سورة كاملة للتحذير من تطفيف الكيل والميزان ، يقول تعالى :” وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ ” ، هلاك شديد ، وقال بعض المفسرين : “ويل” واد في جهنم تستغيث سائر الوديان من شدة حره ،” الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ “، إذا اشتروا أخذوا حقهم كاملًا غير منقوص ، “وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ “، وإذا باعوا لغيرهم لم يعطوا الحق كاملًا ، ” أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ ، لِيَوْمٍ عَظِيمٍ ، يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ “، ألا يعلم هؤلاء أنه سيأتي اليوم الذي يقال لهم فيه :” وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ “، سيسألون عن كل شيء ، وذكر بعض الصالحين أن رجلًا حضرته الوفاة وبجانبه من يلقنه الشهادة فحبس لسانه عن النطق بها ، فيحدثه في أمر الدنيا فيتحدث ، ويحدثه عن أبنائه فيتحدث ، يعاوده للنطق بالشهادتين فلا ينطق، فهمس له : حينما أحدثك في أمور الدنيا تتحدث ، وعندما ألقنك الشهادتين فلا تنطق ، فقال : إن لسان الميزان منعني عن النطق بهما ، فتطفيف الكيل والميزان حبس لسانه عن النطق بالشهادتين ، قال بعض أهل العلم : ويل لمن يبيع جنة عرضها السماوات والأرض بحبة أو حبتين ،أو بشيء يسير ، أو عظيم من متاع الدنيا ، وربما يظن بعض الناس أن هذه الحبة أو الزيادة قد تنمي ماله ، فنقول : لا وألف لا ، يقول القائل:
جمع الحرام على الحلال ليكثره
دخل الحرام على الحلال فبعثره
فما أخطأك لم يكن ليصيبك ، وما أصابك لم يكن ليخطئك ، رفعت الأقلام وجفت الصحف ، ولن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها ، ولكنكم تستعجلون ، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” إنَّ رجالًا يَتخوَّضونَ في مالِ اللَّهِ ورسولِهِ بغَيرِ حقٍّ لَهُمُ النَّارُ يومَ القيامةِ “، ويقول (صلى الله عليه وسلم) :” كُلُّ لَحْمٍ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ “، يقول أهل العلم : مَن أكل الحرام أو أدخله على أولاده فقد عرض نفسه لسخط الله تعالى ، فإن دعا لم يستجب له ، قال سيدنا سعد بن أبي وقاص (رضي الله عنه) لنبينا (صلى الله عليه وسلم): يا رسول الله ادع الله لي أن أكون مستجاب الدعوة ، فقال (صلى الله عليه وسلم ): ” أطِبْ مطعمك تكنْ مستجاب الدعوةِ”، ولم يقل له: أكثِر من العبادات أو الطاعات تكن مستجاب الدعوة ، حتى لو خرج حاجًا أو معتمرًا ملبيًّا فلا يستجيب الله تعالى له ، فقد ذكر (صلى الله عليه وسلم ) : ” الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إلَى السَّمَاءِ : يَا رَبِّ! يَا رَبِّ! وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ ، وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لَهُ؟ ” ، فالحرام سم قاتل ، وسم زعاف ، مدمر لصاحبه في الدنيا والآخرة.