في ملتقى الفكر الإسلامي
أ.د/ جمال فاروق عميد كلية الدعوة السابق :
الشريعة الإسلامية هي شريعة الرحمة والتيسير في كل جوانبها
شريعة الإسلام تناسب الناس جميعا على اختلاف أحوالهم وظروفهم
الشيخ / إسلام النواوي :
الجوانب الإنسانية في التشريع الإسلامي تحمل معنى اليسر والتيسير
والدين الإسلامي وما به من تكليفات وتشريعات لم تنزل لشقاء البشرية
برعاية كريمة من معالي أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف ، وفي إطار التعاون والتنسيق بين وزارة الأوقاف المصرية والهيئة الوطنية للإعلام ؛ لنشر الفكر الإسلامي الصحيح ، ومواجهة الفكر المتطرف ، وتصحيح المفاهيم الخاطئة ، أقيمت مساء يوم الخميس 30/ 4 / 2020م الحلقة السابعة لملتقى الفكر الإسلامي الذي ينظمه المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ، وجاءت بعنوان: ” الجوانب الإنسانية وفقه التيسير في الشريعة الإسلامية “، وحاضر فيها كل من: فضيلة أ.د/ جمال فاروق عميد كلية الدعوة السابق ، والشيخ/ إسلام النواوي عضو الإدارة العامة للفتوى وبحوث الدعوة بوزارة الأوقاف ، وقدم للملتقى الإعلامي أ/ خالد منصور- المذيع بقناة النيل الثقافية .
وفي بداية كلمته أكد فضيلة أ.د/ جمال فاروق عميد كلية الدعوة السابق أن الحق سبحانه وتعالى أرسل نبينا العظيم (صلى الله عليه وسلم) رحمة للعالمين ، فقال تعالى : “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ” ، وجعل عنوان رسالته الرحمة ، فقال سبحانه: ” فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ” ، وهذا هو العنوان العام للدين الإسلامي الحنيف ، فالشريعة الإسلامية هي شريعة الرحمة والتيسير في كل جوانبها ، لا تخرج عن هذا الإطار بحال من الأحوال ، بل إن الشريعة الإسلامية تغير الحكم من شيء ثقيل فيه مشقة عند العذر لذوي الأعذار أو عند المرض أو عند الحالات الطارئة ، يتغير الحكم من حالة فيها مشقة لا يطيقها الإنسان إلى أمر آخر فيه تخفيف وتيسير ، وصدق المولى تبارك وتعالى إذ يقول في كتابه العزيز واصفًا هذا الدين الخاتم : ” وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ” ، أي : من مشقة أو من عنت .
كما أكد فضيلته أن الإسلام راعى الجانب الإنساني في التشريع ، حيث شرعت جوانب التيسير من أجل التخفيف على الإنسان ، ومن أجل مداومته على الطاعة والتكاليف الشرعية بحب ، فالجوانب الإنسانية في التشريع الإسلامي تحمل معنى اليسر والتيسير للأمة بأسرها ، مشيرًا إلى أن الله تعالى قد تعامل مع بني الإنسان أنهم أصحاب طاقات وقدرات محدودة ، فلم يكلف الإنسان فوق طاقته ، قال تعالى : ” لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا” ، وقال سبحانه : ” لا يكلف الله نفسًا إلا ما آتاها ” ، فهذا من أجل التخفيف ، ومن أجل مراعاة حال الإنسان ؛ لكي يستطيع أن يواظب وأن يداوم وأن يكون مستمرًا على التكاليف ؛ لأنه لو أصابه العنت ، أو أصابه الحرج ، لترك التكاليف جملة واحدة ، فالإنسان له طاقة ، وله قدرة ، وله استطاعة ، فلم يكلفه الإسلام الحنيف شيئًا فوق استطاعته أو فوق مقدرته ، بل إنه يخفف عنه في جوانب كثيرة من العبادة ، فعندما فرض الله تعالى علينا الصيام ، قال : ” فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ” فشُرع للمريض وللمسافر أن يفطر في شهر رمضان تخفيفا وتيسيرًا ، فهذه رخصة ، والنبي (صلى الله عليه وسلم) يقول : ” إِنَّ اللهَ يُحِبُّ أنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ ، كَمَا يُحِبُّ أنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ ” فالإنسان الذي يتعذر عليه القيام للصلاة صلى جالسا ، قال النبي (صلى الله عليه وسلم) : ” مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يُصَلِّيَ قَائِمًا فَلْيُصَلِّ قَائِمًا ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَجَالِسًا، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَمُضَّجِعًا يُومِئُ إِيمَاءً” ، فمن أجل أن يداوم الإنسان على العبادة وأن يكون ملتزمًا بالتكاليف ، جاءت الشريعة بأحوال مختلفة تناسب الناس جميعا على اختلاف أحوالهم وظروفهم .
كما أشار فضيلته إلى التيسير والتخفيف في جانب المعاملات ، ومن مظاهر ذلك ما كان بشأن الزكاة ، فلم يفرضها علينا الإسلام في جميع الأحوال ، ولا في جميع الأصناف، بل جعل من الأصناف ما تخرج منه الزكاة ، ومنها ما لا تخرج منه الزكاة ، وربط الزكاة بأمرين فيهما تيسير وتخفيف على الناس ، فليس كل من ملك مالًا يُخرج الزكاة ، بل لا بد أن يبلغ هذا المال نصاب الزكاة ، والشرط الثاني : أن يحول عليه الحول .
وفي ختام كلمته أكد فضيلته أننا لو استعرضنا جميع التكاليف الشرعية لا نجد فيها معنى المشقة ولا معنى الحرج ، فالشريعة كلها تخفيف وتيسير ، يترتب على ذلك فوائد كثيرة وبدائع عجيبة ، وصدق الله العظيم حيث يقول :” يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ” .
وفي كلمته أكد الشيخ/ إسلام النواوي عضو الإدارة العامة للفتوى وبحوث الدعوة بوزارة الأوقاف أن الجوانب الإنسانية في التشريع الإسلامي تحمل معنى اليسر والتيسير ، وأن التيسير سمة من سمات الإسلام ، فنبينا (صلى الله عليه وسلم) يقول : “إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا ، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وشيء مِنَ الدُّلْجَةِ ..) ، مشيرًا إلى بعض النماذج التي تبرز جانب التيسير في التشريع الإسلامي ، ومنها : الطهارة التي هي شرط للصلاة ، حيث رخص الإسلام لمن يتعذر عليه استعمال الماء أن يتيمم ، قال تعالى: ” وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا ” ، ومنها الصلاة ، حيث رخص للمريض أن يصلي قاعدا أو مضطجعا أو على جنب أو مستلقيا على ظهره ، وفي السفر تصبح الرباعية ركعتين ، مستشهدا بقول ابن عباس (رضي الله عنهما) : ” فرض الله الصلاة على لسان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين ..” .
وفي ختام كلمته أكد أن الدين الإسلامي وما به من تكليفات وتشريعات لم تنزل لشقاء البشرية ، فالنبي (صلى الله عليه وسلم) نهى عن أي شكل من أشكال التشدد والإثقال على النفس حتى ولو من باب التدين ، فعن سيدنا أنس بن مالك (رضي الله عنه )أنه قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي (صلى الله عليه وسلم ) يسألون عن عبادة النبي (صلى الله عليه وسلم ) ، فلما أُخبِروا كأنهم تقالُّوها [أي: عدُّوها قليلة]، فقالوا: أين نحن من النبي (صلى الله عليه وسلم )؟ قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدًا [أي: دائما دون انقطاع]، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر [أي: أواصل الصيام يومًا بعد يوم]، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا ، فجاء رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: “أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني” ، ولو تتبعنا مظاهر التيسير في الإسلام لوجدنا له صورا عديدة ونماذج كثيرة .