في ملتقى الفكر الإسلامي
أ.د/ محمد سالم أبو عاصي عميد كلية الدراسات العليا الأسبق:الوطنية الحقيقية إيمان وسلوك وعطاءالمواطنة الحقيقية تعني حسن الولاء والانتماء للوطنالوطنية إحساس بنبض الوطن وبالتحديات التي تواجهه د/ خالد صلاح الدين مدير عام الإرشاد الديني:حب الوطن والحفاظ عليه فطرة إنسانية أكدها الشرع الحنيفوالوطني الحق لا يكذب وطنه ولا يخون أهلهالشخصية الوطنية تقدم المصلحة العامة للوطن على المصلحة الشخصيةالشخصية الإيجابية تبنى وتعمر وتجمع ولا تفرق
برعاية كريمة من معالي أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف ، وفي إطار التعاون والتنسيق بين وزارة الأوقاف المصرية والهيئة الوطنية للإعلام ؛ لنشر الفكر الإسلامي الصحيح ، ومواجهة الفكر المتطرف ، وتصحيح المفاهيم الخاطئة ، أقيمت مساء يوم الأحد 26/ 4 / 2020م الحلقة الثالثة لملتقى الفكر الإسلامي الذي ينظمه المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ، وجاءت بعنوان: ” سمات الشخصية الوطنية في ضوء الشرع الحنيف ” ، وحاضر فيها كل من : فضيلة أ.د/ محمد سالم أبو عاصي – عميد كلية الدراسات العليا الأسبق ، والدكتور/ خالد صلاح الدين مدير عام الإرشاد الديني بالوزارة ، وقدم للملتقى الإعلامي أ/ خالد منصور المذيع بقناة النيل الثقافية .
وفي بداية كلمته أكد فضيلة أ.د/ محمد سالم أبو عاصي – عميد كلية الدراسات العليا الأسبق أن حب الوطن فطرة إنسانية ، وعادة سوية، وقيمة شرعية، ويمكن القول بأن حب الأوطان من الإيمان ، وأن الوطنية الحقيقية إيمان وسلوك وعطاء ، مشيرًا إلى أن الشخصية الوطنية في الإسلام لها منطلقات ، فهي تفعل ما تفعل بناء على إيمان بالله (عز وجل) ، فالفطرة السوية التي أودعها الله (عز وجل) في الإنسان أودع فيها الحب ، وأودع فيها الرحمة ، وأودع فيها الشفقة ، وأودع فيها الحنان ، وكان من ضمن الحب الذي وضعه الله (عز وجل) في بني الإنسان على مر العصور وعبر كل الأزمنة أن الإنسان يحن إلى وطنه ، وأن الإنسان يحب الوطن الذي نشأ فيه ، وترعرع فيه ، وعاش على أرضه ، وشرب من مائه ، وأكل من خيراته ، وقد قال المصطفى (صلى الله عليه وسلم) وهو مهاجر من مكة إلى المدينة :” اللَّهُمَّ حَبِّبْ إلَينا المدينَةَ كحُبّنا مَكةَ أَو أَشَدَّ ” ؛ لأنه منتقل من المكان الذي نشأ فيه وفطرته تحب هذا المكان ، وفطرته تحن إلى هذا المكان ، فعندما يخرج الإنسان من بلده مهاجرًا إلى أي بلد آخر للعمل ، يشعر بالحزن ، ويشعر بأن الألم يعتصره ، لماذا ؟ لأنه فطر على حب أهله وبلده وجيرانه وأصدقائه والتراب الذي عاش عليه ، وكما قال (صلى الله عليه وسلم) وهو خارج من مكة : ” إنِّي لَأَخْرُجُ مِنْكِ وَإِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكِ أَحَبُّ بِلَادِ اللَّهِ إِلَيْهِ , وَأَكْرَمُهُ عَلَى اللَّهِ , وَلَوْلَا أَنَّ أَهْلَكِ أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا خَرَجْتُ مِنْكِ” .
كما أكد فضيلته أن هذا الحب الذي أودعه الله فطرة في الإنسان لبلده يتطلب أعمالًا كثيرة ، منها: أنه يدافع عن بلده ، وعن أرضه، يدافع عنها بروحه ، يدافع عنها بماله ، فلو أن العدو تسلط على بلدنا ، أو أراد أن يدخل بلدنا ، وأن يسلب الخيرات ، وأن يعتدي على الأعراض ، فإن الإنسان يفدي بلده بروحه وبنفسه ، فالدفاع عن الوطن هو السمة الأولى للشخصية الوطنية ، فالشخصية الوطنية هي التي تدرأ الفتن في البلاد ، ولا يمكن أن تسمح أن يتحول الناس في البلد الواحد إلى طوائف متناحرة ، إلى طوائف متعادية ، ونحن نعلم أن الله (عز وجل) ذكر من جرائم فرعون ” وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا ” ، أي : جعل أهلها فرقًا متنوعة متقاتلة ، كل يريد مصلحته الخاصة فقط، والقاعد الشرعية تقول: المصلحة العامة (أي مصلحة الوطن) مقدمة على المصلحة الخاصة .
كما أشار فضيلته إلى أن الوطنية إحساس بنبض الوطن وبالتحديات التي تواجهه, والتألم لآلامه , والفرح بتحقيق آماله , والاستعداد الدائم للتضحية من أجله ، مبينا أن الشخصية الوطنية تدافع عن بلدها ووطنها من مقتضيات الحب ، وإلا صار الحب كلامًا ، كيف تحب بلدك وأنت لا تساهم في رفعتها ؟ وأنت لا تساهم في إنتاجها ؟ وأنت لا تساهم في بناء حضارتها ؟ لذا كان الحب الصادق يترتب عليه عملية البناء في هذا البلد ، لا بد أن يتحول إلى عمل فعلي في المجتمع ، نحن نعيش في بلد واحد ، لا بد فيما بيننا من تعاون ، لا بد فيما بيننا من مناصرة ، لا بد فيما بيننا من أن يلبي كل منا حاجة أخيه ، بغض النظر عن دينه ، وعن جنسه ، وعن لونه ، وعن عرقه ، وعن قبيلته ، وعن عائلته ، نحن أمة واحدة ، فكل له أن يعتقد ، لكن العيش المشترك حدده الله (عز وجل) في القرآن الكريم ، وقال لنا في دستور جامع : ” لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ” . وكلمة البر فوق العدل ، يعني القرآن الكريم أمر بالقسط ، أمر بالعدل ، وبالعدل قامت السماوات والأرض ، ” أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ * وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ” ، قامت الأمور على العدل ، أن تعدل مع نفسك، وأن تعدل مع أسرتك، وأن تعدل مع جيرانك، وأن تعدل مع أصدقائك ، وأن تعدل مع زملائك في العمل ، وأن تعدل مع الناس جميعًا ، هذه هي الشخصية الوطنية التي تتعامل منطلقة من هذا الدستور ” لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ” ، فالمواطنة الحقيقية تعني حسن الولاء والانتماء للوطن ، والحرص على أمن الدولة الوطنية ، واستقرارها ، وتقدمها ، ونهضتها ، ورقيها , كما تعني الالتزام الكامل بالحقوق والواجبات المتكافئة بين أبناء الوطن جميعًا , دون أي تفرقة على أساس الدين أو اللون أو العرق أو الجنس أو اللغة .
وفي ختام كلمته أكد فضيلته أن الانتماء ترجمة حقيقية لحب الوطن، فلا اعتداء على محبوب ولا إساءة له بأي مكروه، بل يجب معاملة الوطن كما تعامل من تحب، وكما تحب أن يعاملك من يحبك .
وفي كلمته أكد الدكتور / خالد صلاح الدين مدير عام الإرشاد الديني بالوزارة أن حب الوطن والحفاظ عليه فطرة إنسانية أكدها الشرع الحنيف, فهذا نبينا (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لما هاجر إلى المدينة واتخذها وطنًا له ولأصحابه الكرام لم ينس (صلى الله عليه وسلم) لا وطنه الذي نشأ فيه ولا وطنه الذي استقر فيه , حيث قال (صلى الله عليه وسلم): (اللهمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا المَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ ، اللهمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا وَفِي مُدِّنَا، وَصَحِّحْهَا لَنَا ، وَانْقُلْ حُمَّاهَا إِلَى الجُحْفَةِ) فمن أبرز سمات الشخصية الوطنية أنها صادقة أمينة محبة للوطن وتحب الخير للناس جميعا ، وذلك لأنها شخصية مؤمنة وقد قال النبي (صلى الله عليه وسلم ) : ” لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ ” .
كما أكد أن الوطني الحق لا يكذب وطنه ، ولا يخون أهله ، فهو محب لوطنه محافظ عليه ، فحب الوطن فطرة إنسانية، جبل الناس عليها منذ الأزل ، ولقد ربط القرآن الكريم بين حبّ الأوطان وحبّ النفس ، قال (تعالى) : }وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ{ ، ولما هاجر (صلى الله عليه وسلم) إلى المدينة واتخذها وطنًا له ولأصحابه الكرام لم ينس (صلى الله عليه وسلم) لا وطنه الذي نشأ فيه ولا وطنه الذي استقر فيه, وكان (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ ، فَنَظَرَ إِلَى جُدُرَاتِ المَدِينَةِ ، أَوْضَعَ رَاحِلَتَهُ وَإِنْ كَانَ عَلَى دَابَّةٍ حَرَّكَهَا مِنْ حُبِّهَا, وقال عبد الملك بن قُرَيْبٍ الأصمعي: إذا أردت أن تعرف وفاء الرجل ووفاء عهده ، فانظر إلى حنينه إلى أوطانه ، وتشوُّقه إلى أهله ، وبكائه على ما مضى من زمانه .
كما أشار إلى أن الشخصية الوطنية هي التي تقدم المصلحة العامة للوطن على المصلحة الشخصية ، فالشريعة الإسلامية جاءت لتحقيق مصالح العباد ، والسُّمُوّ بالنفس البشرية ، والارتقاء بها إلى أعلى الدرجات ، لذا فإن ديننا الإسلامي الحنيف دعا إلى الإيثار وسخاء النفس ، وهو خلق كريم ، وسلوك قويم، وقيمة إنسانية راقية ، وصفة يتميَّزُ بها الصفوة من عباد الله ، وقد أثنى القرآن الكريم على الأنصار ، ووصفهم بهذا الخلق النبيل ، فقال سبحانه : {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}. فقد ضرب الأنصار أروع المثل في تقديم المصلحة العامة بما قدموا من إيثار ، وأسهموا في بناء الدولة .
وفي ختام كلمته أكد أن الشخصية الوطنية شخصية إيجابية تبنى وتعمر ، وتجمع ولا تفرق ، يقول تعالى: {هُوَ أَنشَأَكُمْ مِّنَ الأرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا}، فالوطني يسعى ويأخذ بالأسباب ، ولا يركن إلى الخمول والكسل ، يقول سبحانه وتعالى :{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}، ويقول (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ – عَلَيْهِ السَّلَام – كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ) ، فالشخصية الوطنية تتفانى في العمل والجد من أجل أن تحيا حياة كريمة وتكون سببا في نفع وطنها ومجتمعها ، لا تتحايل، ولا تغش ، بل تسعى للوحدة ، والتآلف ، من منطلق الأخوة التي تجمع بين أبناء المجتمع وتسوي بينهم في الحقوق والواجبات ، يقول تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}.