وزير الأوقاف في برنامج ” حديث الساعة ” : من صلى في بيته في الظرف الراهن لم يحرم ثواب المسجد بنيته
في إطار إلقاء الضوء على تحديات واقعنا المعاصر ، والعمل على خلق حالة من الوعي الرشيد المستنير تحدث معالي أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف في الحلقة الثالثة من برنامج ” حديث الساعة ” على القناة الأولى بالتليفزيون المصري والفضائية المصرية ، وعدد من القنوات المتخصصة اليوم الجمعة 24 / 4 / 2020م , أجاب فيها على عدد من الأسئلة المطروحة على الساحة الفكرية حول ” الصيام والقيام وصلاة التراويح وعمرة رمضان وموائد رمضان” ، وقد أكد معاليه أن القرآن الكريم قد علمنا أن نسأل أهل الذكر والاختصاص فقال تعالى : ” فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ” , وقد أكدت وزيرة الصحة ومنظمة الصحة العالمية على أنه لا أثر على الإطلاق لكورونا على صيام الأصحاء ، ولا أثر للصيام على انتشار فيروس كورونا , وإنما الأعذار للمرضى سواء من المصابين بكورونا أم من غيرهم ، مؤكدًا على ضرورة تعزيز المؤسسات الوطنية ، ففي مجال الصحة يجب أن نعتد برأي أهل الاختصاص وكذلك في سائر المجالات .
كما أكد معاليه أن حياة الساجد قبل عمارة المساجد , إذ ليس من الدين ولا من الحكمة ولا من العقل ولا من المنطق أن نحافظ على حياة الناس في شهر شعبان ولا نحافظ عليها في شهر رمضان فرب شعبان هو رب رمضان وهو رب شوال , مشيرًا إلى أن جميع الإجراءات التي تتخذها وزارة الأوقاف المصرية في تعليق الجمع والجماعات والتراويح بالمساجد تنطلق من منطلقات شرعية بحتة ، هدفها تقديم ما يجب تقديمه وهو الحفاظ على النفس ، والانتقال من المتعذر إلى بديله المتيسر وهو الصلاة في المنزل ، مؤكدًا أن من كان معتادًا على الصلاة في المسجد ومن كان يصلي التراويح في المسجد وحبسه العذر وهو صادق النية كتب له مثل أجر وثواب ما كان يعمل قبل أن يحبسه العذر ، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” إذَا مَرِضَ العَبدُ أو سَافَرَ كَتَبَ اللهُ تَعالى لهُ مِنَ الأَجْرِ مِثلَ مَا كانَ يَعمَلُ صَحِيحًا مُقِيمًا”.
و أكد على رأي فضيلة المفتي بأن الصلاة والجماعات لا تنعقد خلف التلفاز ولا خلف المذياع ، كما أكد معاليه أن العبرة هي بإخلاص النية لله (عز وجل) وبطيب المطعم والكسب وحسن المعاملة مع الخلق وبمدى انعكاس العبادة على أخلاق الإنسان وتصرفاته , فعندما قال أحد الصحابة لسيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : ادع الله أن أكون مستجاب الدعوة قال له (صلى الله عليه وسلم) : ” أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة” , موضحًا أن الصدق والأمانة وأكل الحلال وإطعام الجائع وكساء العاري تكون شاهدة لمن أخلص لله تعالى , ومن لم يخلص لله تعالى فإنها تصبح شاهدة عليه لا له , يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : «مَنْ لَمْ تَنْهَهُ صَلَاتُهُ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ فَلَا صَلَاة لَهُ» , ويقول (صلى الله عليه وسلم): “رُبَّ صائمٍ ليس له مِن صِيامِه إلَّا الجوعُ” , ولذا قالوا: أخلص لله يكفك القليل من العمل ، فإن العبادات ما لم تترجم إلى واقع في معاملاتنا من الصدق والأمانة وأكل الحلال وعدم الغش ، وتتحول إلى إنسانيات في: إطعام الجائع وكساء العاري وإلى الرحمة والتكافل لم تؤت ثمارها المرجوة كاملة ، فصحة المعاملة مع الخلق دليل على صحة المعاملة مع الخالق (عز وجل) ، والتقوى محلها القلب يقول تعالى : “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” .
كما أشار معاليه إلى أن مراتب الصيام ليست على درجة واحدة :
المرتبة الأولى : صوم العوام وهو الإمساك عن الطعام والشراب وشهوة الفرج من أذان الفجر إلى أذان المغرب ، ومن أدى ذلك فقد أدى الفريضة التي عليه.
المرتبة الثانية : فهي مرتبة الخواص وهي إمساك الجوارح عن المعاصي : إمساك العين عن النظر إلى ما حرم الله ، وإمساك الأذن عن سماع ما يغضب الله ، وإمساك اللسان عن الغيبة والنميمة ، وهكذا في سائر الجوارح , ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : “من لم يدَعْ قولَ الزُّورِ والعملَ بِهِ ، فليسَ للَّهِ حاجةٌ بأن يدَعَ طعامَهُ وشرابَهُ” ، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : “رُبَّ صائمٍ حظُّهُ مِن صيامِهِ الجوعُ والعطَشُ، وربَّ قائمٍ حظُّهُ من قيامِهِ السَّهرُ”.
المرتبة الثالثة : فهي صوم خواص الخواص ، وهي التي تقوم على كف الجوارح والقلب والاجتهاد في الطاعة ، كما عبر عنها الإمام أبو حامد الغزالي في إحيائه حين قال : هي كف القلب عن الهمم الدنية والشواغل الدنيوية والإقبال على الله (عز وجل) بالكلية ، فهي تقوم على إخلاص النية وحسن القصد والاجتهاد في الطاعة.
كما أكد معاليه على عظم ثواب إخراج الزكاة في هذا الشهر لما لها من الفضائل فسد حاجات الفقراء وعلاج المرضى أولى الأولويات في الزكاة والصدقات في الظروف الراهنة ، فواجب الوقت الآن هو إطعامُ الجائع ، ومداواةُ المريض ، وحمْلُ الكلِّ ، وإكسابُ المعدوم .
كما بين معاليه أن ديننا دين مكارم الأخلاق ، ورسالة نبينا مبنية على حسن الخلق ، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاقِ ” (مسند البزار) ، وفي رواية : “إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ حُسْنَ الأَخْلاَقِ” (موطأ مالك) ، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : ” الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ، وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ “(صحيح مسلم) ، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : “إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا” (سنن الترمذي) ، ولما سئل (صلى الله عليه وسلم): ما أكثر ما يدخل الجنة ؟ قال (صلى الله عليه وسلم): ” أَكْثَر مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ تَقْوَى الله وَحُسْنُ الْخُلُقِ” (مسند أحمد) .
وشهر رمضان خاصة هو شهر مكارم الأخلاق يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) :” الصيامُ جُنة ، وإذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّه ُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ : إنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ” (رواه مسلم) ، ومعنى (جُنة) أي وقاية يقي صاحبه من الزلل في الدنيا ومن عذاب الله يوم القيامة ، فإذا لم يكن وقاية لصاحبه في الدنيا من الوقوع في المعاصي ، فصاحبه على خطر أن يقع في دائرة قول نبينا (صلى الله عليه وسلم): “رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الْجُوعُ ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا السَّهَرُ”(رواه النسائي).
وبعض العامة قد يُستفزُّ في رمضان ، فيقول آخر دعه فإنه صائم وأخلاقه ضائقه ، وكأن الصوم ُيضيِّق الأخلاق لا يوسعها مع أن الأمر على العكس من ذلك ، حيث يؤكد الحديث الشريف على ضبط الصائم لسلوكه وألفاظه ، فإن سابه أحد أو شاتمه فليقل إني صائم .
وقد وردت كلمة “سابَّه ” وكلمة “قاتله” بصيغة المفاعلة للتأكيد على رباطة جأش الصائم ، ومهما حاول أحد أن يستفزه بالمساببة أو المشاتمة استمسك بما يمليه عليه صيامه فقال “إني صائم ، إني صائم” فالعبادات تهذب السلوك والأخلاق ، وتقومها وتنهي صاحبها عن الفحشاء ، والمنكر .
ونؤكد أن حسن الأخلاق وحسن التعامل مع الخلق دليل على صحة العلاقة وصدق النية مع الخالق (عز وجل) ، أما سوء الأدب مع الخلق فهو أيضًا سوء أدب مع الخالق ، لأن الخالق هو من أمرنا بمكارم الأخلاق .
ورمضان هو شهر الصبر ، وشهر الحكمة ، وشهر الصدق ، وشهر العفو ، وشهر الصفح، وشهر الكرم ، وشهر الأدب ، وشهر القرآن الذي هو مناط مكارم الأخلاق ، وقد سُئلت السيدة عائشة (رضي الله عنها) عن أخلاقه (صلى الله عليه وسلم) فقالت : “كان خلقه القرآن” .
ولما عاد نبينا (صلى الله عليه وسلم) إلى السيدة خديجة (رضي الله عنها) عند بدء نزول الوحي عليه يقول “زملوني زملوني” قالت : كلَّا! والله ما يخزيك الله أبدًا؛ إنك لتصل الرحم، وتصدُقُ الحديثَ، وتَحمِل الكَلَّ، وتَكسِبُ المعدومَ، وتَقري الضيف، وتعين على نوائب الحق ”
هذه هي أخلاق ديننا وأخلاق نبينا (صلى الله عليه وسلم) : إكرام الضيف ، وصلة الرحم ، وإعانة المحتاج ، وإغاثة الملهوف ، وسائر مكارم الأخلاق .
وإذا كانت هذه هي أخلاق الإسلام بصفة عامة ، فإن الاستمساك بها في هذا الشهر العظيم أولى ، فقد كان نبينا (صلى الله عليه وسلم) أجود الناس ، غير أنه كان أجود ما يكون في رمضان ، لما في هذا الشهر العظيم من الخير والبركات ومضاعفة الحسنات .