“استحباب صلاة النافلة في البيت”
وبيان أن من علمنا أن نقول : "حي على الصلاة" هو من علمنا أن نقول : "صلوا في رحالكم" ومتى نقولها.
أفرد الإمام مسلم في صحيحه في كتاب المساجد بابًا لاستحباب صلاة النافلة في البيت ، تحت عنوان : “باب استحباب النافلة في بيته وجوازها في المسجد” .
وهنا عليك أن تتأمل في فقه العنوان الذي أضفى صفة الاستحباب على صلاة النافلة في البيت وصفة الجواز على صلاتها في المسجد ، وذلك لقول نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) الذي أخرجه الشيخان : الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما عن سيدنا زيد بن ثابت (رضي الله عنه) ” أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال : ” فَعَلَيْكُمْ بِالصَّلَاةِ فِي بُيُوتِكُمْ ؛ فَإِنَّ خَيْرَ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ ” ، والحديث في أعلى درجات الصحة .
وأخرج الترمذي في سننه عن سيدنا زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ – أيضا – ، عَنِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ : ” أَفْضَلُ صَلَاتِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ ” ، (سنن الترمذي : أَبْوَابُ الصَّلَاةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) باب: مَا جَاءَ فِي فَضْلِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ فِي الْبَيْتِ ).
وذكر أهل العلم أن لصلاة النافلة في البيوت فوائد منها : حصول البركة بالصلاة فيها ، وشهود الملائكة لها ، ونفرة الشيطان منها .
أما فيما يخص صلاة قيام رمضان ( التراويح ) ، فقد أخرج الإمام البخاري في صحيحه عن سيدنا زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ (رضي الله عنه) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) اتَّخَذَ حُجْرَةً ، قَالَ : حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ : مِنْ حَصِيرٍ فِي رَمَضَانَ فَصَلَّى فِيهَا لَيَالِيَ، فَصَلَّى بِصَلَاتِهِ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا عَلِمَ بِهِمْ جَعَلَ يَقْعُدُ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ : ” قَدْ عَرَفْتُ الَّذِي رَأَيْتُ مِنْ صَنِيعِكُمْ، فَصَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ ؛ فَإِنَّ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ ” ، (صحيح البخاري ، كِتَابُ الْأَذَانِ ، بَابُ صَلَاةِ الليل)
وإذا كان الرأي على جواز صلاة التراويح في البيت وصلاتها في المسجد ، مع ترجيح لهذا أو ذاك ، فإن ذلك كله مرتبط بالأحوال العادية الطبيعية ، لكن الأمر مختلف في أوقات النوازل والجوائح التي يُقدم فيها الحفاظ على النفس على ما سواه ، وإذا كان رأي أهل العلم قد أجمع على تعليق الجمع والجماعات في المساجد حفاظًا على النفس البشرية ، من باب أن الساجد قبل المساجد ، وأن الحفاظ على حياة الساجد من الهلاك أولى من عمارة المساجد ، فإن تعليق صلاة التراويح في المساجد أولى ، وإذا كان أهل العلم والاختصاص قد أكدوا أن إقامة الجمع والجماعات بالمخالفة لقرارات جهات الاختصاص إثم ومعصية ؛ فإن جمْع الناس للتراويح في المساجد أو الساحات أو البدرومات أو أسطح المنازل بالمخالفة لتوجيهات جهات الاختصاص ، بما قد يسهم في نقل العدوى بفيروس كورونا ويعرض حياتهم للخطر هو من باب أولى إثم ومعصية .
وعلينا أن نتذكر أن من علمنا أن نقول في الأذان : (حي على الصلاة) هو النبي ( صلى الله عليه وسلم ) الذي علمنا أن نقول في أذان النوازل ( صلوا في رحالكم ) .
أ.د / محمد مختار جمعة وزير الأوقاف