خلال برنامج ” حديث الساعة ” معالي وزير الأوقاف يؤكد:
أبواب الرحمة والرجاء والأمل واسعةوينبغي أن ننطلق من منطلقات الرحمة والتيسيرمن تعمد نقل العدوى فهو قاتل عمدًاحياة الساجد قبل عمارة المساجد
في إطار إلقاء الضوء على أهم أحداث الساعة برؤية دينية وسطية عصرية تراعي المستجدات وتحافظ على الثوابت بلا إفراط ولا تفريط ، ألقى معالى وزير الأوقاف أ.د/ محمد مختار جمعة كلمة على القناة الأولى والفضائية المصرية وعدد من القنوات المتخصصة اليوم الجمعة 10 /4 /2020م تحت عنوان : ” فقه النوازل ” ، وقد أكد معاليه على أن أبواب الرحمة والرجاء والأمل واسعة ، يقول تعالى : ” قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ” ، فهذا خطاب من الله تعالى لعباده المسرفين على أنفسهم فكيف بخطابه لعباده المؤمنين المخلصين ، يقول تعالى في حديثه القدسي : ” يَا ابْنَ آَدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوتَنِيْ وَرَجَوتَنِيْ غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ مِنْكَ وَلا أُبَالِيْ ” ، ويقول أيضًا : ” أَذنَب عبْدٌ ذَنْبًا فقالَ : اللَّهُمَّ اغفِرْ لِي ذَنْبِي ، فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعالى : أَذْنَبَ عبدِي ذَنْبًا ، فَعَلِم أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنبِ ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ ، فَقَالَ : أَيْ ربِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي ، فَقَالَ تبارك وتعالى : أَذْنَبَ عبدِي ذَنْبًا ، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغفِرُ الذَّنبَ ، وَيَأخُذُ بِالذَّنْبِ ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ ، فَقَالَ : أَي رَبِّ اغفِرْ لِي ذَنبي ، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالى : أَذْنَبَ عَبدِي ذَنبًا ، فعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنبِ ، قد غَفَرْتُ لِعَبْدِي فَلْيَفْعَلْ مَا شَاءَ ” ، ويقول سبحانه : ” وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ” ، مبينًا معاليه أنه ينبغي أن ننطلق من منطلقات الرحمة والتيسير بعيدًا عن كل أنواع العنت والمشقة ، يقول تعالى : ” يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ ” ويقول سبحانه : ” وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ” ، كما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) خَرَجَ عَامَ الْفَتْحِ إِلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ – وهو موضع بين مكة والمدينة – فَقِيلَ لَهُ : إِنَّ النَّاسَ قَدْ شَقَّ عَلَيْهِمْ الصِّيَامُ ، وَإِنَّمَا يَنْظُرُونَ فِيمَا فَعَلْتَ ، فَدَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ بَعْدَ الْعَصْرِ ، فَرَفَعَهُ حَتَّى نَظَرَ النَّاسُ إِلَيْهِ ، ثُمَّ شَرِبَ ، فَقِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ : إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ صَامَ ، فَقَالَ : أُولَئِكَ الْعُصَاةُ ، أُولَئِكَ الْعُصَاةُ ” ، وكان هذا تعليمًا لصحابته الكرام وتيسيرًا على أمته ، فدفع الهلاك أولى من دفع المشقة .
كما أكد معاليه أن الله ( عز وجل ) أعظم وأكرم وألطف من أن يطرد عباده من بيوته ومن رحمته ، فأبواب الرحمة واسعة ومفتوحة ونحن وقَّافون على حدوده ، فديننا الذي أمر بعمارة المساجد هو الذي أمر بالحفاظ على النفس البشرية ، فقد حرم الميتة ومع هذا أجاز للإنسان إن خشي على نفسه الهلاك أن يأكل من الميتة المحرمة ما يحافظ به على أصل الحياة ، فحياة الساجد قبل عمارة المساجد ، وعندما نظر سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى الكعبة فقال: “ما أعظمك وأعظم حُرْمَتك ، ولَلْمؤمن أعظم حُرْمَة عند الله منكِ” ، فمتى كان الذهاب إلى المساجد آمنًا ، ولم يكن هناك خطر محقق على الحياة من الذهاب إليها فعلينا بعمارة المساجد ، فإذا كان هناك خطر محقق أو خشية هلاك محققة أو متوقعة أو متيقنة ، كان الحفاظ على النفس أولى من الذهاب إلى المساجد أو العمرة أو الحج ، وحينما يؤكد خبراء الصحة والأطباء ومنظمة الصحة العالمية أن التجمع من أشد الأسباب لنقل العدوى بما يشكل خطرًا على حياة الإنسان ، مع ما نشاهده ونلمسه من تزايد أعداد الوفيات عالميًا ، فكل هذا يجعل حياة الساجد مقدمة على عمارة المساجد ، وننطلق في الحالتين من مصلحة شرعية معتبرة ، ووجب أن نحفظ على الناس حياتهم ، وينبغي تعليق الجمع والجماعات ، وهو ما يعرف بفقه الأولويات.
كما وجه معاليه كل الموسرين إلى أن واجب الوقت الآن هو إطعام الجائع ، وكساء العاري ، وإيواء المشرد وهذا أولى ألف مرة من حج النافلة ، يقول تعالى : ” أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً ” ، أي من حافظ على بقائها حية بأي عمل من الأعمال ، من إطعام الجائع ، وإكساء العاري ، ومداواة المريض ، ومساعدة المحتاج ، وفك كرب المكروبين ، ومن وفر شربة الماء النقية ، فكل هذا داخل في قوله تعالى :” وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً ” ، وأن من تعمد نقل العدوى فهو قاتل عمدًا ، أما إذا نقلها إهمالًا فهو قاتل خطأ ، كما يجب على المصاب أن يبادر بالاتصال بالجهات الصحية المختصة ، ولولي الأمر أن يقيد المباح للمصلحة ، وقد أجمعت جميع المؤسسات الدينية على أن طاعة ولي الأمر واجبة سواء أكان الأمر بالعزل ، أم بالحجر الكلي ، أم بالحجر الذاتي .
كما بين معاليه أن إغلاق المساجد وتسيير وسائل النقل والموصلات كل منهما ينطلق من اعتبار المصلحة في كل منهما، فقد أجمعت كل المؤسسات الدينية أن غلق المساجد ومنع الجمع والجماعات والعمرة والحج هو لمصلحة شرعية معتبرة من باب قوله تعالى : ” وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً ” وأما وسائل المواصلات فلا بد منها إذ كيف ينتقل الطبيب والصيدلي، وكيف ينتقل الخباز ، وغيرهم ممن خروجهم واجب فهذا أيضًا مصلحة معتبرة شرعًا ، وهي مصلحة دينية ووطنية ، وأهل العلم والاختصاص على أن المصلحة المعتبرة شرعًا حيثما تكون فثم شرع الله تعالى ، فمصالح الأوطان من صميم مقاصد ديننا الحنيف .
كما أكد معاليه أن فتح المساجد ( كما قلنا بكل وضوح ) مرتبط بأمرين :
الأول : عدم ظهور حالات إيجابية جديدة .
والثاني : إذن أهل الاختصاص وهم أهل الطب .
كما أننا نحتاج إلى الدعاء والدواء ، وقد أكد بيان هيئة كبار العلماء على عدم جواز خروج الناس مجتمعين للدعاء في الوقت الراهن ، لأن التجمع يزيد من انتشار الفيروس، مبينًا معاليه أن طرق الخير كثيرة ، فالتسبيح عبادة ، والتكبير عبادة ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عبادة ، ومساعدة الآخرين عبادة ، وواجب الوقت الآن أن نحافظ على الصلوات ما استطعنا ، وأن يأخذ القوي بيد الضعيف ، والغني بيد الفقير ، فالشقي من وعظ بنفسه ، والسعيد من وعظ بغيره ، مختتمًا معاليه بوجوب المحافظة على النظافة كما أتى بها الشرع الحنيف من خلال غسل اليد في الوضوء ، وعند الاستيقاظ من النوم ، وكذلك قبل الأكل وبعده ، محذرًا معاليه من الفتوى بغير علم ، فمن أفتى بدون علم حتى ولو أصاب فعليه وزر لجرأته على الفتوى ، وإن أخطأ فعليه وزران ؛ وزر الجرأة ووزر الخطأ ، داعيًا معاليه الله تعالى أن يعجل برفع البلاء عن العباد والبلاد .