وزير الأوقاف خلال خطبة الجمعة من مسجد ” التلفزيون” بماسبيرو : الشهادة في سبيل الوطن عز وشرف وتاج فخار وإكرام الشهداء وأسرهم ضرب من الوفاء لهم وللوطن والأخذ بالأسباب واجب شرعي ووطني
والشدائد لا تقابل بالجذع إنما بالتضرع واللجوء إلى الله والتراحم فيما بيننا وألف تحية لعمال الخدمات ورجال الجيش والشرطة ويجب أن نفرق بين فقه الأحوال الطبيعية وفقه النوازل ونصوب عاداتنا الخاطئة وفقه النوازل دليل على سعة الشريعة ومرونتها ولا يجوز تأخر البيان فيه عن وقت الحاجة
ألقى معالي وزير الأوقاف أ.د/ محمد مختار جمعة اليوم الجمعة 13 / 3 / ٢٠٢٠م خطبة الجمعة بمسجد ” التلفزيون ” بماسبيرو , تحت عنوان : ” مكانة الشهداء ووجوب الأخذ بالأسباب “ .
وفي بداية خطبته أكد معالي وزير الأوقاف أ.د/ محمد مختار جمعة أنه مهما كانت الشدائد لا يمكن أن ننسى شهداءنا أبناء الوطن الأوفياء الذين ضحوا بأنفسهم في سبيل وطنهم ، ويقول الشاعر :
يومَ الشَهيد : تحيةٌ وسلامُ بك والنضالِ تؤرَّخُ الأعوام
مشيرًا إلى تكريم رب العزة سبحانه وتعالى للشهداء , حيث يقول ( عز وجل ) :” وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ ” ، ويقول سبحانه: ” وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ”، ويقول نبينا ( صلى الله عليه وسلم) : ” ليس شيءٌ أحبَّ إلى اللهِ من قطرتَيْن وأثرَيْن : قطرةُ دموعٍ من خشيةِ اللهِ ، وقطرةُ دمٍ تُهراقُ في سبيلِ اللهِ ، وأمَّا الأثران فأثرٌ في سبيلِ اللهِ ، وأثرٌ في فريضةٍ من فرائضِ اللهِ (عزَّ وجلَّ)” ، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : ” والَّذي نفسي بيدِه لا يُكْلَمُ أحدٌ في سبيلِ اللهِ ـ واللهُ أعلَمُ بمَن يُكْلَمُ في سبيلِه ـ إلَّا جاء يومَ القيامةِ وجُرحُه يثغبُ دمًا اللَّونُ لونُ دمٍ والرِّيحُ ريحُ مِسكٍ” ، وبين معاليه أن من إكرام الشهداء أن نكرم أبائهم و أمهاتهم وأسرهم.
ومن ناحية أخرى أكد معاليه أن الشدائد تظهر معادن الرجال ، موجهًا التحية إلى كل من يعمل لحماية هذا الوطن في ظل تلك الظروف الجوية من رجال الجيش والشرطة والمطافئ والمياه والصرف الصحي والكهرباء أو الإسعاف أو المخابز وغيرهم ، قائلًا: لستم وحدكم فكل رجال الدولة جميعهم على قلب رجل واحد إلى جانبكم على مدار الساعة ، كما أكد معاليه أن الدولة حريصة على أبنائها , وأن الأخذ بتوصيات الجهات المختصة في وزارة الصحة يتسق مع تعاليم الإسلام التي تدعو إلى النظافة ، حيث يقول الحق سبحانه: ” إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ”، ويقول نبينا ( صلى الله عليه وسلم): “الطَّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ” ويقول الحق سبحانه وتعالى: “يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ”، ويقول ( صلى الله عليه وسلم ) : “طَهِّرُوا أَفْنِيَتَكُمْ ” ، موضحًا أن الطهارة نصف الإيمان، كما أكد معاليه أن الأولى في هذه الأيام عدم الإكثار من المصافحة أخذًا بأسباب الوقاية و الاحتياط ، وإن كان ولا بُدّ فيتعين مراعاة متطلبات السلامة التي تؤكد عليها الجهات الطبية من المداومة على تنظيف اليدين ، أما المعانقة فقد قال الإمام مالك بكراهتها أصلًا ، ونسب الطحاوي ذلك أيضا إلى الإمامين أبي حنيفة ومحمد ، وتكره عند الشافعية إلا لقادم من سفر ، وقال الحنابلة وأبو يوسف بإباحتها ، على أن القول بإباحة المعانقة عند من أباحها مقيد بما لم يكن هناك داء يخشى نقله من خلالها أو بسببها ، وقد تقرر في قواعد الشرع الحنيف أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح , ولك في أوقات السعة أن تأخذ بأي الآراء شئت من غير أن ينكر من أخذ برأي على من أخذ برأي آخر , فلا إنكار في مسائل الخلاف , إنما ينكر على من خرج على المتفق عليه عند أهل العلم المعتبرين في ضوء مراعاة ظروف الزمان والمكان والأحوال , وللنوازل أحكامها المعتبرة شرعًا , وفي قواعد الشريعة التي جاءت برفع الحرج وإزالة الضرر سعة على الجميع وكل ذلك من سماحة الدين التي جعلته رحمة للعالمين , مشيرًا إلى أن الأولى في الظروف التي نحن فيها هو الأخذ برأي من قال بعدم المعانقة , لأن الحفاظ على الروح مقدم على أي شئ آخر.
كما بين معاليه أن أي إنسان مصاب بأي داء يتعمد نقله للآخرين فنقله إلى إنسان فمات فهو قاتل عمدًا، فإن كان مهملًا أو غير مبال فنقله إلى شخص فمات فهو آثم وقاتل خطأ , ونبينا ( صلى الله عليه وسلم ) يقول : ” لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ”, وأشار معاليه إلى أن البعض يربط الأحداث الجارية بالأحاديث التي تتحدث عن قرب قيام الساعة , وربنا (عز وجل) يقول : ” يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ” , ولما سئل سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) متى الساعة ؟ أجاب (صلى الله عليه وسلم) بقوله : ” مَا الْمَسْئولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ بِهَا مِنَ السَّائِلِ” , وبهذا حسم نبينا (صلى الله عليه وسلم) قضية الإفتاء أو الفتوى أو الفتيا في هذا الأمر , فإذا كان رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم) يقول : ” مَا الْمَسْئولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ بِهَا مِنَ السَّائِلِ” , فمن ذا الذي يتجرأ على الله (عز وجل) بالخوض في أمر توقفَ سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن الحديث فيه؟ , والذي ينبغي أن نشغل به هو ماذا أعد كل منا للقاء ربه؟.
وفي ختام خطبته أكد معاليه أن الشدائد لا تقابل بالجذع ولا بالسخط , وإنما تقابل بالرضا بقضاء الله وقدره , والصبر والتسليم والتضرع إلى الله , والتكافل بأن يأخذ القوي بيد الضعيف والغني بيد الفقير , يقول تعالى :” فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ ما كانوا يعملون” , كما تحتاج منا جميعًا إلى روح التراحم والتكافل والتعاون وأن يأخذ قوينا بيد ضعيفنا , وغنينا بيد فقيرنا , ونُغيث بعضنا بعضا.