أ.د/ محمد مختار جمعة
وزير الأوقاف
–
لا يمكن لعاقل أو وطني أو فاهم لدينه فهمًا صحيحًا أن ينكر أن حصاد دعوة الجماعات الإسلامية والجمعيات الخيرية التي صارت في ركابها كان حصادًا مرًا ، فقد زرعوا أشواكًا ، فجَنَينا حنظلا وعلقمًا ..
لقد أكدنا في أحاديث متنوعة أن دور الجمعيات الخيرية ينبغي أن ينحصر في مهامها الإنسانية والاجتماعية والطبية ، وأنها إن كانت صادقة في رسالتها ، وفي خدمة مجتمعها ، ولا تهدف إلى مصالح خاصة : مذهبية ، أو حزبية ، أو خدمة ” أجندات ” خارجية ، و تعي أن مصلحة وطنها فوق أي اعتبار وكل اعتبار ، فلتترك الدعوة إلى علماء الأزهر المتخصصين ، وتُسلّم عن رضا وطيب نفس الأمر إلى الجهة المختصة بتنظيمه وهي وزارة الأوقاف التي تعمل بتنسيق كامل مع الأزهر الشريف في ظل القيادة الحكيمة لفضيلة الإمام الأكبر أ.د/ أحمد الطيب شيخ الأزهر .
أما الذي حدث في العقود والسنوات الأخيرة من جماعة الإخوان الإرهابية ، ومَن دار في ركابها من الجماعات الإرهابية المتشددة وبعض الجمعيات التي أعلنت عن هويتها وكشفت عن حقيقتها بمجرد وصول الإخوان إلى السلطة ، وتبنّى كثير منها أفكارًا مقحمة على ثقافتنا الإسلامية الصحيحة السمحة ، وعلى روحنا المصرية الأصيلة ، وعادتنا وقيمنا الراسخة ، وثقافتنا وبنائنا الحضاري الذي لا يعرف العنف ولا الإرهاب ، فنشأت موجات التشدد والتكفير ، والإرهاب والتفجير ، والطامة الكبرى أن يُرتكَب ذلك كله أو أكثره باسم الدين ، وكما قال فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر : والأدهى والأمرّ أن تُرتكَب موجات التفجير والقتل باسم الدين وتحت صيحات التكبير والتهليل ، والإسلام من ذلك كله براء .
ومن هنا نؤكد وسنظل نؤكد أن الإسلام بريء من هؤلاء وأمثالهم وتصرفاتهم ، وأننا أكثر من عانى ويعاني من أفعالهم الهوجاء التي تؤثر سلبًا على وحدة مجتمعاتنا وعلى اقتصادنا وبخاصة في مجال الاستثمار ، بل إنها تدمر عن عمد بعض جوانبه كالسياحة مثلا ، ونؤكد أن الإسلام دين سلام ، وأن الحضارة الإسلامية استوعبت حضارة الآخرين ، وأكدت على أهمية التعارف الإنساني والتواصل الحضاري بما لم تهتم به أي حضارة أخرى ، أو يدعو إليه أي دين آخر بنفس القدر من احترام الآخر وتقديره .
* * *
وحتى يتخلص المجتمع المصري من تلك الآثار السلبية ، كان لابد من إجراءات في مجال ضبط الخطاب الدعوي ، والحفاظ عليه من أن تخطتفه موجات التشدد من جديد ، أو أن تعود به إلى أيام سئمها المصريون جميعًا حين أخذ الخطاب الديني يشق الصف المصري بدلا من أن يعمل على جمعه ، وكان من أهم أسباب ذلك اقتحام غير المتخصصين لمجال الدعوة والفتوى ، وإقحام السياسة مجال الدعوة ، وتوظيف المجال الديني للمصالح الحزبية والسياسية والفئوية ، ومن هنا كان لنا بعض الإجراءات التي نريد أن تصل إلى واقع ملموس حتى نقضي على آثار هذا التشدد ، منها:
1- قصر الخطبة على المسجد الجامع ، وعلى المتخصصين من علماء الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف .
2- إسناد الأمر إلى أهله ، فلا شك أن السياسة الشرعية تقتضي إسناد كل أمر إلى أهله المتخصصين فيه ، سواء من القيام على شئون الجند ، أو شئون الشرطة ، أو شئون الأسواق ، أو شئون المساجد ، وسائر شئون الدولة ، وما كان لعامة الناس أو خاصتهم أن يفتئتوا على الحاكم أو الرئيس أو النظام القانوني للدولة بأن يحاول كل فريق منهم أن يقتطع لنفسه جزءًا من هذه الاختصاصات خارج نطاق الدولة ، أو إقامة سلطة موازية لسلطتها الرسمية ، فلا تكون هناك دولة قوية ولا نظام محكم ، وعليه فلا ينبغي أن تصنف المساجد ، هذه مساجد أنصار السنة ، وتلك مساجد الجمعية الشرعية ، وأخرى للدعوة السلفية ، وإنما هي جهة واحدة تشرف على جميع مساجد مصر ، وهي وزارة الأوقاف ، يقول الحق سبحانه : ” وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا” (الجن:18) ، ومن هنا كانت دعوتنا إلى إزالة جميع اللافتات التي ترتبط بالجماعات أو الجمعيات من على واجهات المساجد .
3- قصر الفتوى على أهلها المتخصصين ، فلا يسمح لغير المتخصصين بالفتوى ، وعليه ندعو إلى تفعيل لجنة الانضباط والقيم التي تقدمنا بمقترح إنشائها إلى فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر .
4- قصر صدور المجلات الدينية على الجهات المتخصصة بالأزهر الشريف ووزارة الأوقاف .
ونؤكد أننا لسنا ضد العمل الاجتماعي والإنساني للجمعيات الوطنية التي تعمل في النور تحت إشراف وزارة التضامن الاجتماعي والجهات المعنية بالدولة ، بل إن من واجبنا الدعوي والوطني في وزارة الأوقاف أن ندعم الدور الاجتماعي والإنساني والطبي والتنموي الذي تقوم به هذه الجمعيات لتقديم خدمة حقيقية للمجتمع والإسهام في تنميته ، لكننا في الوقت نفسه نؤكد أننا في وزارة الأوقاف لن نسمح لهذه الجمعيات أن تقتحم مجال الدعوة المُسنَد شرعًا وقانونًا إلى الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف ، وأننا سنقاوم بكل قوة وحسم أي محاولات لهذه الجمعيات وقياداتها لاقتحام المساجد دعويًا أو اختراقها فكريًا .