خلال الندوة التي أقامتها وزارة الأوقاف بالتعاون مع صحيفة عقيدتي بمسجد ” أحمد طلعت” بمديرية أوقاف القاهرة
علماء الأوقاف يؤكدون : بالعلم والعمل تبنى الأمم والحضارات
برعاية كريمة من معالي وزير الأوقاف أ.د/ محمد مختار جمعة أقامت وزارة الأوقاف مساء السبت ٢٩/ ٢/ ٢٠٢٠م بالتعاون مع صحيفة عقيدتي ندوة علمية كبرى بمسجد ” أحمد طلعت ” ، إدارة أوقاف بولاق ، بمديرية أوقاف القاهرة ، تحت عنوان :” إتقان العمل سبيل تقدم الأمم ” ، واستمرارًا لرسالة وزارة الأوقاف الدعوية التي تهدف إلى تبصير الناس بأمور دينهم ، وغرس القيم الأخلاقية والمجتمعية الراقية التي أتى بها ديننا الحنيف ، حاضر فيها كل من : د/ السيد عاطف خليل بالديوان العام ، ود/ ربيع عبد الرازق أحمد مدير إدارة أوقاف بولاق ، والشيخ / عادل محمد إسماعيل إمام وخطيب المسجد ، وحضرها جمع غفير من المصلين ، وأدار الندوة وقدم لها الأستاذ/ مصطفى ياسين نائب رئيس تحرير صحيفة عقيدتي.
وفي كلمته أكد د/ السيد عاطف خليل أن إتقان العمل في الإسلام قيمة عليا ، يجب مراعاتها ، فهو يوصل العبد إلى محبة الله (عز وجل) ، يقول النبي ( صلى الله عليه وسلم):” إِنّ اللَّهَ تَعَالى يُحِبّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَهُ ” ، مشيرًا إلى أن أمانة إعمار الأرض تقتضي السعي والعمل ، يقول سبحانه:” هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا” ، ولقد أمر الله (عز وجل) المسلم بالسعي والعمل بعد الانتهاء من العبادة المفروضة ، قال تعالى : ” فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” ، موضحًا أن إتقان العمل يعد أحد السمات الإسلامية التي يتميز بها المسلم عن غيره ، لذلك يجب عليه أن يتقن كافة الأعمال ، سواء أكانت تعبدية، أم سلوكية ، أم حياتية ، ففي مجال العبادة : عن أبي هريرة (رضي الله عنه) :” أن رسولَ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) دخَلَ المسجدَ ، فدَخَلَ رجلٌ فصلَّى ، ثم جاءَ فسلَّمَ على رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وسلم )، فرَدَّ رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) السلامَ . قال: ارجِعْ فصَلِّ ؛ فإنك لم تُصَلِّ” .
وفي مجال العمل الحياتي فلقد مرَّ على النَّبيِّ (صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) رجلٌ فرأَى أصحابُ رسولِ اللهِ (صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) من جلَدِه ونشاطِه فقالوا يا رسولَ اللهِ ! لو كان هذا في سبيلِ اللهِ فقال رسولُ اللهِ (صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) “إن كان خرج يسعَى على ولدِه صِغارًا فهو في سبيلِ اللهِ وإن كان خرج يسعَى على أبوَيْن شيخَيْن كبيرَيْن فهو في سبيلِ اللهِ ، وإن كان خرج يسعَى على نفسِه يعفُّها فهو في سبيلِ اللهِ وإن كان خرج يسعَى رياءً ومُفاخَرةً فهو في سبيلِ الشَّيطانِ “.
وفي كلمته أكد د/ ربيع عبد الرازق أحمد أن الأمم والحضارات لا تبنى بالكلام ، ولا بالشعارات الرنانة ، إنما تبنى الأمم بالعلم والعطاء والعمل ، فعلى المسلم أن يكون وحدة إنتاجية ، وأن قيام الساعة لا ينبغي أن يحول بينه وبين العمل، يقول النبي (صلى الله عليه وسلم) :” إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغْرِسْهَا ” مبينًا أن الإسلام قد أعلى من قيمة العمل ، وكان النبي (صلى الله عليه وسلم) يضع الحلول لإيجاد فرص العمل والاستفادة من الطاقات، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ (رضي الله عنه) أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ أَتَى النَّبِيَّ (صلى الله عليه وسلم) يَسْأَلُهُ ، فَقَالَ لَهُ : مَا فِي بَيْتِك شَيْءٌ ؟ قَالَ : بَلَى ، حِلْسٌ يُلْبَسُ بَعْضُهُ ، وَيُبْسَطُ بَعْضُهُ، وَقَعْبٌ يُشْرَبُ فِيهِ الْمَاءُ ، قَالَ : آتِنِي بِهِمَا ، فَأَتَاهُ بِهِمَا فَأَخَذَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: ” مَنْ يَشْتَرِي هَذَيْنِ؟” فَقَالَ رَجُلٌ : أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمٍ ، قَالَ : “مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ” ؟ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمَيْنِ، فَأَعْطَاهُمَا إيَّاهُ ، وَأَخَذَ الدِّرْهَمَيْنِ، فَأَعْطَاهُمَا الْأَنْصَارِيَّ، وَقَالَ: “اشْتَرِ بِأَحَدِهِمَا طَعَامًا فَانْبِذْهُ إلَى أَهْلِك ، وَاشْتَرِ بِالْآخَرِ قَدُومًا ، فَأْتِنِي بِهِ” ، فَأَتَاهُ بِهِ ، فَشَدَّ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) عُودًا بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: “اذْهَبْ فَاحْتُطِبَ ، وَبِعْ ، وَلَا أَرَيَنَّكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا” ، فَذَهَبَ الرَّجُلُ يَحْتَطِبُ وَيَبِيعُ، فَجَاءَ، وَقَدْ أَصَابَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، فَاشْتَرِي بِبَعْضِهَا ثَوْبًا، وَبِبَعْضِهَا طَعَامًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) : “هَذَا خَيْرٌ لَك مِنْ أَنْ تَجِيءَ الْمَسْأَلَةَ نُكْتَةً فِي وَجْهِك يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَصْلُحُ إلَّا لِثَلَاثَةٍ، لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ، أَوْ لِذِي غُرْمٍ مُفْظِعٍ، أَوْ لِذِي دَمٍ مُوجِعٍ” .
وفي كلمته أكد الشيخ/ عادل محمد إسماعيل أن العمل هو روح الحياة ، وسر النجاح ، وأساس الفلاح ، وأن كل إنسان مطالب بالعمل لنفسه ليحيا حياة كريمة ، ويعيش عيشة راضية ، ولأهله ، وبني وطنه ، ليتم بينهم تبادل المنفعة ، والمشاركة العامة ، وعلى الإنسان أن يستشعر مراقبة الله (عز وجل)، وأن يؤدي عمله على أتم وجه ، فالعمل في الإسلام بكل أنواعه ، ومجالاته المباحة عبادة يؤجر عليها المسلم إنْ أدّاها بحقها وأخلص فيها بكل ما آتاه الله من قدرة وإمكان، فعَنْ أَنَسٍ (رضي الله عنه) قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : “مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ، أَوْ إِنْسَانٌ، أَوْ بَهِيمَةٌ، إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ” ، وأن إتقان العمل في الإسلام يعتبر من أهم أسباب فلاح الأمم ، مشيرًا إلى أن الله ( عز وجل) قد صنع الكون بما فيه بإتقان، وأنزل سيدنا آدم (عليه السلام) إلى الأرض واستخلفه فيها ليقوم بإعمارها وإصلاحها ، كما أوجب الله (عز وجل) على الإنسان الإحسان ، يقول تعالى : “وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ” ، وأن إتقان العمل يُطالب به الصغير والكبير ، حتى يكون المجتمع الإسلامي مجتمعاً متكاملاً في إتقانه، لا توجد فيه لبنة منحرفة أو مائلة عن موقعها.