أ.د/ محمد مختار جمعة
وزير الأوقاف
–
مصر التي نريدها هي مصر التي يشعر فيها كل مواطن بأمنه الاجتماعي ، والاقتصادي ، والنفسي ، مصر الرائدة في أمتها العربية ، وأمتها الإسلامية ، وفي محيطها الإقليمي ، هي مصر المؤثرة في صنع السياسات التي يحسب لها حسابها في المنتديات والمحافل الدولية ، هي مصر التي تمد يد العون لعمقها الإفريقي ، وتكون صمام أمان لعمقها العربي، هي التي تكون معقد الأمل لشبابها ، مصر الوسطية والاعتدال ، مصر السماحة ، مصر الحضارة ، مصر العدالة ، مصر الحرية المنضبطة وضوابط القانون بضوابط الإيمان بالله ( عزّ وجلّ ) ، وضوابط المصلحة العليا للوطن ، مصر العمل والإنتاج، مصر الإرادة السياسية الصلبة القوية المستقلة غير التابعة في قرارها السياسي لأي جهة ، سوى ما تمليه عليها مصلحة أبنائها ، ومصلحة أمنها القومي ، ومصلحة أمتها العربية ، وحتى نصل إلى هذه الآمال التي نسعى إليها ينبغي أن نقوم بخطوات عملية سريعة وغير نمطية ولا تقليدية على أرض الواقع ، من أهمها :
1- ثورة في العمل والإنتاج .
فالأمم التي لا تملك قوتها وغذاءها ودواءها وسلاحها لاتملك كلمتها ولا استقلال قرارها السياسي ، فأي إصلاح سياسي أو اجتماعي لابد له من قوة اقتصادية تسانده بقوة ، كما أن بناء الأمن القومي ، وأمن الوطن داخليًا وخارجيًا ، يحتاج إلى موارد اقتصادية في عالم لا يعرف العواطف ، وإنما تحكمه في الغالب الأعم المصالح والمكاسب ، ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا بمزيد من الجهد والعرق ، والعمل والإنتاج ، وعلينا أن نأخذ بأقصى الأسباب المتاحة ، وأن يبذل كل منا أقصى جهده لإتقان عمله وأدائه على الوجه الأكمل ، فإننا لفي حاجة ملحة إلى جهود كبيرة وعاجلة في ترسيخ ثقافة العمل وأهميته للفرد والمجتمع .
2- ثورة إدارية .
وحتى نصحح منظومة العمل فلابد من ضوابط حازمة تُعين الأفراد على إصلاح أوضاعهم وتصحيح مسارهم العملي ، ولن يكون ذلك إلا بأمور منها تفعيل مبدأ الثواب والعقاب ، وأن تكون الأجور والمكافآت والحوافز مرتبطة بالإنجاز والإنتاج وتحقيق الأرباح ، إضافة إلى تمكين الكفاءات الوطنية ، وتقديم الكفاءة على أي ولاءات أيّا كان نوع هذه الولاءات ، وهذا مبدأ شرعي ووطني ، يقول نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) : ” مَنِ اسْتَعْمَلَ عَامِلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ فِيهِمْ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْهُ وَأَعْلَمُ بِكِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ , فَقَدْ خَانَ اللهَ , وَرَسُولَهُ , وَجَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ” ، ويقول ( صلى الله عليه وسلم ) : “من ولّى من أمر المسلمين شيئا فولّى رجلا وهو يجد أصلح للمسلمين منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين ” .
3- ثورة في الأخلاق .
لا يمكن لأي حضارة أن تُبنَى بلا أخلاق ، وأي حضارة تقوم بعيدًا عن الأخلاق تحمل عوامل سقوطها قبل قيامها ، ومآلها إلى الزوال والاندثار ، فالأخلاق ليست رفاهية ، وإنما هي صمام أمان الأمم والمجتمعات ، فالصدق ، والأمانة ، والوفاء ، والتكافل ، واحترام الآخر ، وسائر الأخلاق لا غنى عنها لأي أمة أو مجتمع ، وهي من القيم التي أجمعت عليها سائر الشرائع السماوية ، فلم تنسخ في أي ملة من الملل أو دين من الأديان ، ولذا لخص نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) هدف رسالته فقال : ” إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاقِ ” ، فمع أهمية العبادات من صلاة وصيام وزكاة وحج لم يقل ( صلى الله عليه وسلم ) : بُعثت لأُعلّم الناس الصلاة أو الصيام أو الحج على أهمية ذلك في حياة المسلم ، إنما ركز ( صلى الله عليه وسلم ) على عنصر الأخلاق ، فقال ( صلى الله عليه وسلم ) : ” إِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاقًا ” ، ويقول الشاعر :
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
4- العدالة الكاملة .
فلا شك أن العدل ميزان الملك ، وأن الله ( عزّ وجلّ ) ينصر الأمة العادلة ولو كانت كافرة ، ولا ينصر الأمة الظالمة ولوكانت مؤمنة ، وكتب أحد الولاة إلى سيدنا عمر بن الخطاب أن اللصوص قد كثروا في المدينة ، فكتب إليها سيدنا عمر (رضي الله عنه) : أن حصّنها بالعدل، وعندما جاء رسول كسرى ملك فارس إلى سيدنا عمر ( رضي الله عنه ) ووجده نائمًا آمنًا تحت ظل شجرة ، قال قولته المشهورة : حكمت فعدلت فآمنت فنمت يا عمر .
ومن أهم ألوان العدل العدالة الاجتماعية الحقيقية التي تعني بالفقراء والمحتاجين والمهمّشين ، فتراعي الطبقات الأقل دخلا والأكثر احتياجًا ، وليس العدالة فقط في توفير الدعم المادي والعيني أو النقدي ، وإنما تكون العدالة في الحصول على فرص متكافئة في التعليم ، والتوظيف ، والصحة ، والعمل على توفير بنية أساسية قوية في المرافق العامة من الطرق والكباري والكهرباء والصرف الصحي مع عدالة التوزيع الجغرافي في هذه الخدمات ، وهو ما نُؤمّل أن نراه واقعًا ملموسًا على أرض الواقع .