خلال برنامج ندوة للرأي من مسجد السيدة نفيسة (رضي الله عنها) بمحافظة القاهرة
علماء الأوقاف يؤكدون : السنة النبوية هي المصدر الثاني للتشريع بعد القرآن الكريم
في إطار الدور التوعوي الذي تقوم به وزارة الأوقاف ، والمشاركات التثقيفية والتنويرية لقضايا الدين والمجتمع التي تسهم في بناء الإنسان ، وفي إطار التعاون والتنسيق المستمر بين وزارة الأوقاف والهيئة الوطنية للإعلام في ملف تجديد الخطاب الديني ، ومن خلال الندوات المشتركة بين الوزارة وقطاع القنوات المتخصصة بالتليفزيون المصري ، عقدت وزارة الأوقاف مساء الثلاثاء 11 / 2 / 2020م بمسجد السيدة نفيسة (رضي الله عنها) بالقاهرة ندوة للرأي تحت عنوان : ” السنة النبوية المشرفة، ومكانتها في التشريع ” ، حاضر فيها الشيخ/ محمد عبد العال الدومي إمام وخطيب مسجد مصطفى محمود ، ود/ عبد الفتاح عبد القادر جمعة مدير مركز الأوقاف للبحوث والدراسات الدينية ، د/ مـحـمـد طـه رمـضـان إمام وخطيب مسجد السيدة نفيسة ، وبحضور جمع غفير من رواد المسجد ، وأدار الندوة الإعلامي أ/ عمر حرب .
وفي كلمته أكد الشيخ / محمد الدومي أن صحابة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كانوا يحرصون على استيعاب كل ما يقوله (صلى الله عليه وسلم) ويطبقون كل ما يأمر به، ورغبة من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في حصر الجهود والطاقات على حفظ القرآن الكريم واستيعابه وجمعه ، ولما اتسعت رقعة الدولة الإسلامية في عهد الخلافة الأموية ، وكثرت الفرق والمذاهب ، كل ذلك حمل الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز (رضي الله عنه) إلى الأمر بتدوين السنة النبوية ،فكتب إلى أمراء الأقاليم، أن يكلفوا علماء الشريعة وأئمة الدين في بلدانهم بجمع السنة النبوية من أهل العلم المشهود لهم بالثقة ، وتدوينها، فتصدى أئمة العلم لتدوين سنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في دواوين مخصوصة ، وقد مر التدوين بمراحل جمعت فيها السنة ، بدأت بجمع كل ما نقل عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في تفسير القرآن وبيان شرائع الإسلام من العقائد والعبادات والمعاملات والغزوات والأقضية، ومن شدة حرصهم على تنقية السنة النبوية من أقوال التابعين حرصوا على الإسناد وقال قائلهم: (الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء) ، وقالوا: إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم . ثم بدأت مرحلة ثانية بوضع الكتب الخاصة في كل علم من علوم الدين، ووضعت كتب السنة مستقلة عن كتب الفقه والغزوات والتفسير، وبدأ التدوين التخصصي للعلوم ، ثم كان لكل إمام من أئمة الحديث منهج في كتابة حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فمنهم من اشترط الصحة في الحديث الذي يدوِّنه، ووضع شروطاً للحديث الذي يحكم عليه بالصحة، وشروطًا للحديث الذي يحكم عليه بالضعف ، كالإمام البخاري والإمام مسلم .
وفي كلمته أكد د/ عبد الفتاح جمعة أن للسنة النبوية مكانة عظيمة في التشريع الإسلامي ، فهي الأصل الثاني بعد القرآن الكريم ، والتطبيق العملي لما جاء فيه ، وهي الكاشفة لغوامضه ، المجلية لمعانيه ، الشارحة لألفاظه ومبانيه ، وإذا كان القرآن قد وضع القواعد والأسس العامة للتشريع والأحكام ، فإن السنة قد عنيت بتفصيل هذه القواعد ، وبيان تلك الأسس ، ولذا فإنه لا يمكن للدين أن يكتمل ولا للشريعة أن تتم إلا بأخذ السنة جنباً إلى جنب مع القرآن .
وفي سياق متصل أشار إلى أن الآيات والأحاديث المتواترة جاءت آمرة بطاعة الرسول (صلى الله عليه وسلم)، والاحتجاج بسنته والعمل بها ، إضافة إلى ما ورد من إجماع الأمة وأقوال الأئمة في إثبات حجيتها ووجوب الأخذ بها ، يقول سبحانه:” وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ” ، ويقول الإمام ابن حزم (رحمه الله) : ” في أي قرآن وجد أن الظهر أربع ركعات ، وأن المغرب ثلاث ركعات ، وأن الركوع على صفة كذا ، والسجود على صفة كذا ، وصفة القراءة فيها والسلام ، وبيان ما يجتنب في الصوم ، وبيان كيفية زكاة الذهب والفضة ، والغنم والإبل والبقر ، ومقدار الأعداد المأخوذ منها الزكاة ، ومقدار الزكاة المأخوذة ، وبيان أعمال الحج من وقت الوقوف بعرفة ، وصفة الصلاة بها وبمزدلفة ، ورمي الجمار ، وصفة الإحرام وما يجتنب فيه ، وقطع يد السارق ، وصفة الرضاع المحرم ، وما يحرم من المآكل ، وصفة الذبائح والضحايا ، وأحكام الحدود ، وصفة وقوع الطلاق ، وأحكام البيوع ، و…… فلا بد من الرجوع إلى الحديث ضرورة ” ، فالسنة النبوية توضح كل ما أغلق عن الفهم والذهن في شرع رب العالمين ، وأن الطعن في السنة والنقصان من قدرها هدم للدين ، فالدين محفوظ من الله بمصادره وعلمائه يقول سبحانه : ” إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ “.
وفي كلمته أكد د/ محمد طه رمضان أن السنة النبوية هي المصدر الثاني للتشريع بعد القرآن الكريم ، وهي من الأدلة والمصادر المتفق عليها بين العلماء والفقهاء ، يقول النبي(صلى الله عليه وسلم) : ” تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدًا كتاب الله وسنتي” ، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: “خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ فَحُجُّوا فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ قُلْتُ: نَعَمْ، لَوَجَبَتْ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ ثُمَّ قَالَ: ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ، فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ، فَدَعُوه”.
وفي سياق متصل أشار إلى أن السنة النبوية مع القرآن الكريم إما أن تكون مقرِّرةً ومؤكِّدة حكمًا جاء في القرآن؛ كالأمر بإقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت ، وإما أن تكون مبيِّنة ومفصِّلة لحكم جاء في القرآن مجمَلًا؛ كإقامة الصلاة، فقد ورد في القرآن مجملًا من غير تفصيل؛ كما في قوله تعالى : “وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَاتَّقُوهُ” ، فبيَّنت السنة عدد الصلوات، وعدد الركعات في كل صلاة، وما يُقرأ في كل ركعة، وكيفية التشهد، وأحكام السهو وغير ذلك مما لم نَعرفه إلا عن طريق رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم)، الذي قال: “صَلُّوا كما رأيتموني أُصلِّي” ، وإما أن تكون السنة مقيِّدةً لحكم جاء في القرآن مطلقًا.