كلمة معالي وزير الأوقاف بمؤتمر ” تجديد الفكر الإسلامي ”
وفيها يؤكد :
لا حمل على المعتقد ولا إكراه على المعتقد ولا قتل على المعتقد
من أفتى الناس بمجرد المنقول في الكتب على اختلاف عرفهم
وعوائدهم وأزمانهم فقد ضل وأضل
لن يحترم الناس ديننا ما لم نتفوق في أمور دنيانا
فإن تفوقنا في أمور دنيانا احترم الناس ديننا ودنيانا
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم أنبيائه ورسله سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) وعلى آله وصحبه وعلى رسل الله أجمعين.
بداية أتوجه بكل الشكر والتقدير لسيادة الرئيس/ عبد الفتاح السيسي (رئيس الجمهورية) على رعايته الكريمة لهذا المؤتمر واهتمامه بمخرجاته، كما نتوجه بكل الشكر والتحية والتقدير لمولانا فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور/ أحمد الطيب شيخ الأزهر على جهوده في خدمة الإسلام والمسلمين وعلى متابعته الدقيقة لكل أعمال هذا المؤتمر مما أدى إلى خروجه في هذه الصورة التي نحن عليها الآن، ونرحب بحضراتكم جميعًا، وألخص كلمتي في نقاط وفق الوقت المتاح.
أما من جانب العقيدة فننظر إليها من زاويتين ، الزاوية الأولى : حرية المعتقد وقيام المنهج الإسلامي على الإيمان بالتنوع والاختلاف، وأن الاختلاف سنة من سنن الله الكونية، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ}، هذا التنوع يجعلنا نؤمن بأنه لا حمل على المعتقد ولا إكراه على المعتقد ولا قتل على المعتقد، وإذا كان المنهج الإسلامي لا يحمل الناس كرهًا ولا عنتا على أصل الدين فمن باب أولى ألا نحمل الناس عنتا على فروعه، وبمفهوم المخالفة إذا كنا نتيح للآخرين حرية المعتقد في أصله فمن باب أولى أن يتاح لهم حرية إقامة الشعائر، وفي حوار مع بعض المثقفين سألوا : هل القضية هي حرية المعتقد أو حرية إقامة الشعائر؟ فقلنا : إذا سمح الإسلام بحرية الأصل فمن باب أولى أن يُسمح لأصحاب الديانات المختلفة بإقامة شعائرهم.
والثانية : أنه إذا صحت العقيدة بمعنى أن النية كانت خالصة لله (عز وجل) صح ما بعدها من العمل، أما إذا فسدت العقيدة – كما تقوم بعض الجماعات الإرهابية أو المتطرفة باتخاذ الدين غطاءً لأفكارها المتطرفة – فسد ما بعدها، وقد سئل الحسن البصري: أمؤمن أنت؟ فقال: إن كنت تسألني عن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فأنا مؤمن، وإن كنت تسألني عن قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} فلا أدري أنا منهم أو لا؟
فإذا ما انتقلنا إلى جانب الشريعة فهناك ثوابت لا تُمس في جوانب العبادات، وقد جاء من أفعال النبي (صلى الله عليه وسلم) حين قال: (صلوا كما رأيتموني أصلي) أو (خذوا عني مناسككم) فهذا من الثوابت التي لا يمكن المساس بها، على أن إنزال الثابت منزلة المتغير هدم للثوابت، وكما ذكر زملاؤنا أيضًا والأستاذ الدكتور/ أحمد عمر هاشم أن النص القرآني وما صح عن سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ثابت مسلَّم مقدس لا مساس به ، والكلام في فهم النص أو فيما كتبه العلماء حول النص، فجانب المتغيرات وهو متسع في كثير من المعاملات وفي بناء نظام الدولة وأنظمة الحكم وما شابه ذلك، وهذا ابن القيم (رحمه الله)يقول: وَمَنْ أَفْتَى النَّاسَ بِمُجَرَّدِ الْمَنْقُولِ فِي الْكُتُبِ عَلَى اخْتِلَافِ عُرْفِهِمْ وَعَوَائِدِهِمْ وَأَزْمِنَتِهِمْ وَأَمْكِنَتِهِمْ وَأَحْوَالِهِمْ وَقَرَائِنِ أَحْوَالِهِمْ فَقَدْ ضَلَّ وَأَضَلَّ.
وهؤلاء الفقهاء على الجملة قالوا : نحن اجتهدنا لعصرنا وزماننا وظروفنا فإذا ما جاء زمانكم فانظروا إن وجدتم الأحداث والوقائع والمناط كما هي فهو لنا ولكم، أما إذا تغيرت الظروف أو الأحوال فإجماع أهل العلم على أن الفتوى قد تتغير بتغير الزمان أو المكان أو الحال، وأن ما كان راجحًا في عصر ما أو زمان ما أو بيئة ما أو حالة ما قد يصبح مرجوحًا إذا تغير الزمان أو المكان أو الحال أو البيئة أو الصفة.
أما النقطة الأخيرة : وهي قضية الأخلاق فإذا كانت المقدمات صحيحة أسلمت إلى نتائج صحيحة ، فما الذي أدى إلى تراجع القيم الأخلاقية في كثير من المجتمعات ، ونرى أن ذلك يرجع إلى أن الجماعات الإرهابية والمتطرفة عنيت بالتدين السياسي والتدين الشكلي على حساب الجوهر وأصبح الولاء التنظيمي وقضايا الولاء والبراء مقدما عندهم على كل القيم والأخلاق حتى إنه أصبح في أدبياتهم أن الغاية الكبرى تبرر الوسيلة أية وسيلة كانت ، فشيوخ هذه الجماعات ومنظروها يمكن أن يتقبلوا الكذب أو الافتراء من بعض عناصرهم ما داموا على الولاء التنظيمي.
وذلك إضافة إلى ما أشار إليه فضيلة الإمام الأكبر – أيضًا – من هجوم بعض الحانقين على الدين ومحاولات التشويه التي يتعرض لها .
ومن هنا نؤكد أننا نواجه التسيب بنفس القوة التي نواجه بها التشدد ونؤكد أننا إذا أردنا أن نقتلع التشدد من جذوره لابد أن نواجه التسيب والانحراف الأخلاقي والقيمي بكل قوة وبنفس الحسم ،
وختامًا نؤكد على أمرين :
الأول : لن يحترم الناس ديننا ما لم نتفوق في أمور دنيانا ، فإن تفوقنا في أمور دنيانا احترم الناس ديننا ودنيانا ، الصحوة ليست في الشكل الذي حاولت بعض الجماعات أن تفرضه عنوة وكرهًا على المجتمعات في حين أننا نؤكد أن الإسلام لا يحمل الناس كرهًا لا على الأصول ولا على الفروع ، ونؤكد أن كل الآيات التي جاءت في شأن العلم والعلماء هي في مطلق العلم النافع ، فعندما قال النبي (صلى الله عليه وسلم) : (من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا ) ، لم يقل من سلك طريقًا يلتمس فيه فقهًا أو تفسيرًا أو حديثًا وإنما أراد مطلق العلم .
وعندما يقول الحق سبحانه : “فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ ” لم يقل اسألوا أهل الفقه ولا أهل التفسير وإنما قال سبحانه “أهل الذكر” أي أهل الاختصاص ، فنسأل أهل الطب في الطب ، وأهل الصيدلة في الصيدلة وأهل الهندسة في الهندسة .
وعليه نؤكد أن ثواب تعلم الطب لا يقل عن ثواب تعلم الفقه وأن ثواب تعلم الهندسة لا يقل عن ثواب تعلم الحديث أو التفسير ، أما أيهما أفضل فحيث تكون حاجة الأمة وحاجة المجتمع تكون الأفضلية .
فلو ساد الجهل الديني وكانت الأمة في حاجة إلى علماء وفقهاء كانت الأولوية للعلم الشرعي ، أما إذا كان في الأمة من العلماء والفقهاء والمفسرين والمؤرخين ما يكفيها وكانت في حاجة إلى أطباء فالأولوية لتعلم الطب سواء أكان فرضًا عينيًّا أم كفائيًّا ، لأن هذه النظرة التي حصرت العلم فقط في العلوم الشرعية دون العلوم التطبيقية ربما كان وراءها قصد تخلف الأمة عن ركب الحضارة ، فالصحوة الحقيقية ، صحوة الأمم ليس بهذا الشكل الذي تحاول الجماعات أن تفرضه تدينًا شكليًا مفرغًا من الجوهر والمضمون .
الصحوة الحقيقية يوم أن نملك كلمتنا ، وننتج دواءنا ، وغذاءنا ، وسلاحنا ، ونكون أمة في ركب التقدم بين الأمم هذا هو المفهوم الحقيقي للصحوة .
الصحوة الحقيقية أن نجد الصدق والأمانة والوفاء وأن نجد صحيح الأخلاق ، وأن نحقق المقصود الأسمى لقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : (بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) .
إنما الأمـــــــــم الأخلاق ما بقيت
فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا
وإذا أصيب القـــوم في أخلاقهم
فأقـــم عليهــــم مأتــــــــمًا وعويلاً
نتمنى إن شاء الله تعالى لحضراتكم وللمؤتمر كل التوفيق ، ونؤكد أنه خطوة في قضية التجديد، فالتجديد عملية ديناميكية بدأت وتستمر ، وطالما أن هناك مستجدات عصرية وقضايا حديثة فسيظل قطار التجديد سائرًا وبقوة بإذن الله تعالى .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .