خلال الندوة التي أقامتها وزارة الأوقاف بالتعاون مع صحيفة عقيدتي بمسجد المحروسة بمحافظة الجيزة
علماء الأوقاف يؤكدون :
الدفاع عن الوطن والحفاظ عليه
من صميم مقاصد الأديان
برعاية كريمة من معالي وزير الأوقاف أ.د/ محمد مختار جمعة أقامت وزارة الأوقاف بالتعاون مع صحيفة عقيدتي ندوة علمية كبرى بمسجد المحروسة بالمهندسين التابع لإدارة أوقاف شمال الجيزة بمحافظة الجيزة ، تحت عنوان : “الاصطفاف لبناء الوطن والمحافظة عليه من مقاصد الأديان” ، عقب صلاة المغرب مساء السبت 24 / 1 / 2020 م ، وذلك في إطار دور وزارة الأوقاف التنويري ، واستمرارًا لرسالتها الدعوية التي تهدف إلى تبصير الناس بأمور دينهم ، وغرس القيم الأخلاقية والمجتمعية الراقية التي أتى بها ديننا الحنيف ، حاضر فيها الدكتور/ أسامة فخري الجندي مدير عام التحرير والنشر بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية ، والدكتور/ على الله الجمال إمام وخطيب مسجد السيدة نفيسة (رضي الله عنها) ، والشيخ/ عبد الرحمن شعبان سلطان إمام مسجد المحروسة ، وحضر الندوة جمع غفير من المصلين حرصًا منهم على تعلم أمور دينهم ، وأدار الندوة وقدم لها الأستاذ/ جمال سالم نائب رئيس تحرير صحيفة عقيدتي.
وفي بداية كلمته بين الدكتور/ أسامة فخري أن الله ذكر في القرآن ثلاث بقاع بوصف واحد ، فذكر الجنة ووصفها بالأمن قال تعالى : “ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ” ، وذكر المسجد الحرام ووصفه بالأمن ، فقال سبحانه : “لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ” ، وذكر مصر ووصفها بالأمن ، فقال عز وجل : “وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ” ، والنبي (صلى الله عليه وسلم) أمرنا بإتقان العمل وأن يكون الإنسان أداة من أدوات تقدم البلاد ، فعن سيدنا أبي ذر الغفاري (رضي الله عنه) قال : سألت رسول الله (صلى الله عليه و سلم): ماذا ينجي العبد من النار؟ قال: (الإيمان بالله)، قلت: يا نبي الله مع الإيمان عمل؟ قال: (أن ترضخ -أي تعطي- مما خولك الله، وترضخ مما رزقك الله)، مبينا أن من حقوق الوطن على أبنائه الوقوف أمام دعاة الفتنة والفوضى والهدم ، والتحذير من استهدافه ومحاولات تفكيكه ، والوقوف بحسم في وجه من يضر بمرافقه أو يسهم في ذلك ، أو يتآمر مع غيره ضد مصالح الوطن ، وذلك بالتعاون والاتحاد ، قال تعالى: “وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ” ، ولقد علمنا الإسلام منهجاً واضحاً لوقاية الأمة من القلة التي تفسد ولا تصلح ، وتهدم ولا تبني ، وتخرب ولا تعمر ، قال تعالى :”وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ”، ومن ثم يجب الأخذ على أيدي المفسدين العابثين بالوطن، وتحذير الناس منهم .
وفي بداية كلمته أشار الدكتور/ على الله شحاتة الجمال إلى أن النبي (صلى الله عليه وسلم) أكد على مكانة الوطن وأهميته وشرف الانتماء إليه حين هاجر من مكة إلى المدينة ، فعن سيدنا أَبِي هُرَيْرَةَ (رضي الله عنه) قَالَ: وَقَفَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) عَلَى الْحَزْوَرَةِ فَقَالَ: (عَلِمْتُ أَنَّكِ خَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ ، وَأَحَبُّ الْأَرْضِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَوْلَا أَنَّ أَهْلَكِ أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا خَرَجْتُ) ، ولما شرع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في بناء الدولة الجديدة أراد (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أن يعلم أصحابه (رضوان الله تعالى عليهم) والدنيا كلها أن الأوطان لا يسعى لبنائها إلا من أحبها ، فكان من دعائه (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ما جاء عن أم المؤمنين عَائِشَةَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا) قَالَتْ : قَالَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): “اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَمَا حَبَّبْتَ إِلَيْنَا مَكَّةَ أَوْ أشَدَّ” ، وأشار (صلى الله عليه وسلم) بِيَدِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ ثم قال: “اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا – أي طرفيها – كَتَحْرِيمِ إِبْرَاهِيمَ مَكَّةَ ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا وَمُدِّنَا” ، مشيرًا إلى أن الانتماء والولاء للوطن هو الحب الحقيقي الذي يدفع إلى العمل الجاد من أجل رفعته ، والمحافظة على ثرواته ، فالوطن ليس حفنة تراب كما يدعي أعداء الوطن ولكن الوطن أرض وشعب ونظام يحكمه لذا يتحتم علينا الاصطفاف لبناء الوطن والمحافظة عليه ، وأننا في هذه الأيام في حاجة ملحة – أكثر من أي وقت مضى – إلى تعميق وترسيخ الانتماء الوطني ، والإحساس بقيمته وأهميته ، وإعلاء المصلحة الوطنية على أي مصالح أخرى .
وفي كلمته أكد الشيخ/ عبد الرحمن شعبان سلطان أن استهداف الوطن بإثارة الفوضى والهدم ليس من قيم الإسلام ولا مبادئه ، ولا تشريعاته ونظمه ، فكل من يخطط لإثارة الفوضى ، والتطرف والهدم والتخريب ، وتفكيك المجتمع بدعوى الإصلاح ، وما ينشأ عن هذه المخططات من سفك الدماء وترويع الآمنين لا صلة له بالإسلام ، فوحدة الأمة واصطفافها والتنسيق فيما بينها – في جميع المجالات – مطلب أساس لا غنى عنه لأي أمة تريد الفلاح والتقدم والرقي ، ومواجهة الشدائد والتحديات ، يقول سبحانه : “إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ” فالأمة التي يريدها الإسلام أمة واحدة متآلفة متعاونة ، ويقول تعالى: ” إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ”، ويقول سبحانه : “وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ” ، ويقول نبينا (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) داعيًا إلى الاتحاد ووحدة الصف ، ناهيًا عن التفرق والاختلاف: “إن اللهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا ، وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلَاثًا ، فَيَرْضَى لَكُمْ : أَنْ تَعْبُدُوهُ ، وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ، وَيَكْرَهُ لَكُمْ : قِيلَ وَقَالَ ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ ، وَإِضَاعَةِ الْمَالِ” ، ومن أجل ذلك يجب علينا الاصطفاف صفًّا واحدًا من أجل بناء مجتمع متماسك ، والحفاظ على الوطن والدفاع عنه من صميم مقاصد الأديان .