خلال الندوة التي أقامتها وزارة الأوقاف بالتعاون مع صحيفة عقيدتي بمسجد عمر بن عبدالعزيز بمحافظة القاهرة
علماء الأوقاف يؤكدون :
الحفاظ على البيئة واجب شرعي ووطني
برعاية كريمة من معالي وزير الأوقاف أ.د/ محمد مختار جمعة أقامت وزارة الأوقاف بالتعاون مع صحيفة عقيدتي ندوة علمية كبرى بمسجد عمر بن عبدالعزيز – بمدينة بدر – بإدارة الشروق – بمحافظة القاهرة ، مساء يوم الأربعاء 22 / 1 / 2020 م تحت عنوان : ” الحفاظ على البيئة مطلب شرعي وواجب وطني ” ، وذلك في إطار دور وزارة الأوقاف التنويري ، واستمرارًا لرسالتها الدعوية التي تهدف إلى تبصير الناس بأمور دينهم ، وغرس القيم الأخلاقية والمجتمعية الراقية التي أتى بها ديننا الحنيف ، حاضر فيها د/ أحمد عوض إمام مسجد عمرو بن العاص (رضي الله عنه) بالقاهرة ، ود/ أحمد دسوقي مكي إمام مسجد السيدة زينب (رضي الله عنها) بالقاهرة ، والشيخ/ إبراهيم رضوان إمام مسجد عمر بن عبد العزيز ، وحضر الندوة المهندس/ عمار مندور رئيس مجلس مدينة بدر ، والشيخ/ حسين راضي مدير إدارة الشروق وبدر ، ولفيف من القيادات التنفيذية بالمدينة، وجمع غفير من المصلين حرصًا منهم على تعلم أمور دينهم ، وأدار الندوة وقدم لها الأستاذ/ إبراهيم نصر مدير تحرير صحيفة عقيدتي.
وفي كلمته أكد د/ أحمد عوض أن البيئة التي نعيش فيها هي عنواننا ، وأن الإسلام قد اهتم اهتمامًا عظيمًا بالمحافظة على البيئة ، وأمر الإنسان بالمحافظة عليها ، وأخبرنا (سبحانه وتعالى) أنه أنزل من السماء ماءً طهورًا، قال تعالى: “وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا “، كما أخبرنا تبارك وتعالى أنه يحب التوابين ويحب المتطهرين ، قال سبحانه : ” إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ”، كما دعا الإسلام إلى الحفاظ على الطرق والاهتمام بنظافتها وبجمالها ، وبتنحية الأذى عنها ، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ (رضي الله عنه) قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) : ” الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ ….” ، وكلمة الأذى تشتمل على كل ما يضر ويؤذي مثل الشوك والحجر والنجاسة ، وغير ذلك من كل ما هو مؤذ ومستقر ، مبينا أن النظافة والطهارة لا تقتصر على الجوانب المادية فقط ، من طهارة البدن والثوب ، وغير ذلك من المظاهر المادية ، وإنما هي عامة تشمل المظاهر المعنوية أيضًا ، مثل : طهارة القلب واللسان من المعصية والرذيلة والحقد والحسد وسوء الأخلاق ، وذلك لأن طهارة الظاهر للدنيا ، وطهارة الباطن للآخرة ، قال تعالى: “وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ” ، و قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) : ” إِنَّ اللَّه لا يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمْ و لا إِلَى صُوَرِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ إِلَى صَدْرِهِ “.
وفي كلمته أكد د/ أحمد دسوقي مكي أنه ينبغي على الإنسان نحو البيئة عدم الفساد والإفساد فيها ، فالله تعالى خلق الكون على أحسن الأحوال وأكمل الأوضاع ، قال تعالى: “وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ” ، لكن يأتي الفساد من عمل الإنسان ، قال تعالى: “ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ” ، وقال تعالى: ” وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ” ، وقال سبحانه: ” وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ” ، مبيناً الملمح البلاغي في قوله تعالى (وَالنَّسْلَ)، حيث إن آثار التلوث البيئي تمتد للأجيال القادمة ولمدد طويلة ، فالإسلام يدعونا إلى التعامل مع عناصر البيئة ومكوناتها بحب وتعاون ، فيحث على المحافظة عليها وتنميتها ويحذر من إفسادها، موضحاأن الإسراف في استعمال الماء من الفساد في الأرض ؛ لأن نعمة الماء تعد أساس الحياة ومصدر كل شيء ، يقول الله تعالى: “وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ” لذا ينبغي التصدي لمحاولات الإسراف والتبذير للمياه أو تلويثها ، ولذا لما مر النبي (صلى الله عليه وسلم ) بسيدنا سعد وهو يتوضأ نهاه عن الإسرف في الماء ، فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ (رضي الله عنهما ) أَنَّ النَّبِيَّ (صلى الله عليه وسلم ) مر بسعد وهو يَتَوَضَّأُ فَقَالَ : مَا هَذَا السَّرَفُ يَا سَعْدُ ؟ قَالَ : أَفِي الْوُضُوءِ سَرَفٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهْرٍ جَارٍ”، وعن السيدة عائشة (رضي الله عنها) قالت : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : “ مَنْ قَطَعَ سِدْرَةً صَوَّبَ اللَّهُ رَأْسَهُ فِي النَّارِ ” ، وما ذلك إلا لأنه يحقق منفعة عامة لكل الناس.
وفي كلمته أكد الشيخ/ إبراهيم رضوان أن الغاية من خلق الإنسان عبادة الله ، وعمارة الأرض ، قال تعالى: “وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ” ، وقال تعالى: “هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها” ، فعمارة الأرض عبادة لله (عز وجل) ، ولا تأتي إلا من خلال الالتزام بمنهج الإسلام ، مبيناً أن الحفاظ على البيئة لا يقتصر على النظافة والطهارة فقط ، وإنما يتعدى إلى المحافظة على البيئة بجميع أنواعها وجوانبها ، سواء أكانت بيئة طبيعية أم اجتماعية ، أم سياسية ، أم تاريخية ، فالبيئة الطبيعية تمد الإنسان بمقومات الحياة ، كالغذاء والمسكن والدواء ، وأما البيئة الاجتماعية فمن خلالها ينظم الإنسان علاقته بأخيه الإنسان ، فلا يمكن أن تنهض أمة إلا بحسن المعاملة ، فالدين المعاملة ، وأما المحافظة على البيئة السياسية فمن خلال الالتزام بالقوانين والأنظمة ، والبيئة التاريخية تكمن في التعلم من الماضي ، فمن لا ماضي له لا حاضر ولا مستقبل.