خلال الندوة التي أقامتها وزارة الأوقاف بالتعاون مع صحيفة عقيدتي بمسجد مصطفى محمود بمديرية أوقاف الجيزة
علمـاء الأوقــاف يـؤكــدون :
اليد العليا خير من اليد السفلى
برعاية كريمة من معالي وزير الأوقاف أ.د/ محمد مختار جمعة أقامت وزارة الأوقاف بالتعاون مع صحيفة عقيدتي ندوة علمية كبرى بمسجد مصطفى محمود ـ بالمهندسين ـ بمديرية أوقاف الجيزة ، تحت عنوان : “ظاهرة التسول وخطرها على الفرد والمجتمع” ، عقب صلاة المغرب مساء أمس السبت 11 / 1 / 2020 م ، وذلك في إطار دور وزارة الأوقاف التنويري ، واستمرارًا لرسالتها الدعوية التي تهدف إلى تبصير الناس بأمور دينهم ، وغرس القيم الأخلاقية والمجتمعية الراقية التي أتى بها ديننا الحنيف ، حاضر فيها كل من : الشيخ / الدكتور محمد القاضي بالديوان العام ، والشيخ / أحمد أبوطالب رئيس قسم الإرشاد الديني بمديرية أوقاف الجيزة ، والشيخ/ محمد عبدالعال الدومي إمام المسجد ، وحضر الندوة جمع غفير من المصلين حرصًا منهم على تعلم أمور دينهم ، وأدار الندوة وقدم لها الأستاذ/ إبراهيم نصر مدير تحرير صحيفة عقيدتي.
وفي بداية كلمته أكد الشيخ/الدكتور محمد القاضي أن ظاهرة التسول من الظواهر السلبية على المجتمع , فلو نظرنا إلى الإسلام نجد أنه قد حارب التسول حربًا لا هوادة فيها ، وبالغ في النهي عن مسألة الناس ، وعندما أشار الحق سبحانه وتعالى لمن يستحقون الصدقات ، ذكر في أوصافهم العفاف وعدم سؤال الناس حتى يظن من يجهل حالهم أنهم أغنياء ، قال تعالى في شأنهم : ﴿ لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾ ، أي: إن الصدقة ليست لهؤلاء المتسولين القادرين على العمل ، ولكنها للفقراء الذين لا يستطيعون السعي في طلب الرزق ، ويحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف ؛ لأنهم لا يسألون الناس شيئًا ، ولكن تعرفهم أنهم فقراء بسمات الفقر التي تظهر عليهم ، كما حذر النبي (صلى الله عليه وسلم) من هذه الظاهرة فعن سيدنا عبدالله بن عمر (رضي الله عنهما) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): “ما يزالُ الرجلُ يَسألُ الناسَ، حتى يأتيَ يومَ القيامة ليس في وجهه مُزعةُ لَحْم” ، وقال أيضًا (صلى الله عليه وسلم) : “لأن يغدوَ أحدُكم فيحتطب على ظهرِه فيتصدَّق به، ويستغني به عن الناس خيرٌ له من أن يسألَ رجلاً أعطاه أو منعه ؛ ذلك بأنَّ اليدَ العُليَا خيرٌ من اليد السُّفْلَى ، وابدأ بِمَن تعول” ، وعندما دخل عليه من يطلب منه الصدقة أرشده (صلى الله عليه وسلم) بأسلوب النصح والتوجيه أن الصدقة لا تكون إلا للعاجز عن الكسب في أي مجال من مجالات العمل أيًا كان هذا العمل ، فعن سيدنا أنس بن مالك ، أن رجلاً مِن الأنصار أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم يطلُبُ الصدقةَ، فقال له النبي (صلى الله عليه وسلم): “أمَا في بيتِك شيء؟”، قال: بلى ، حِلْسٌ نلبَسُ بعضَه، ونبسُط بعضَه ، وقَعْبٌ نشرب فيه الماء ، فقال : “ائتِني بهما”، فأتاه بهما فأخذه بيده وقال: “مَن يشتري هذين؟”، قال رجل: أنا آخذُهما بدرهم، قال: “مَن يزيد على درهم؟”، قال رجل: أنا آخذُهما بدرهمين، فأعطاهما إياه، وأخذ الدرهمين وأعطاهما الأنصاري، وقال: “اشتَرِ بأحدهما طعامًا وانبِذْه إلى أهلِك، واشتَرِ بالآخَرِ قَدُومًا فأتِني به”، فشدَّ فيه الرسول عودًا بيده، ثم قال له : “اذهب فاحتطب وبِعْ ، ولا أَرَيَنَّكَ خمسةَ عشر يومًا”، فذهَب الرجل يحتطب ويبيع، فجاءه وقد أصاب عشَرة دراهم ، فاشترى ببعضها ثوبًا ، وببعضها طعامًا ، فقال رسولُ الله (صلى الله عليه وسلم) : “هذا خيرٌ لك من أن تجيء المسألةُ نكتةً في وجهِك يوم القيامة، إن المسألةَ لا تصلح إلا لثلاثة : لذي فقرٍ مدقعٍ، أو لذي غُرْمٍ مُفظِع ، أو لذي دمٍ موجع” .
وفي كلمته أشار الشيخ/ أحمد أبوطالب إلى ضرورة محاربة هذه الظاهرة المرضية في مجتمعنا الإسلامي ؛ حتى يحرص كل إنسان على العمل والكسب الحلال ، مبتعدًا عن البطالة والتعطل ، وتكفف الناس والحاجة إليهم ، حتى نحقق مقصود الشريعة الإسلامية التي حثت على العمل والاكتساب ، قال تعالى : “هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ” ، فعلى الإنسان أن يأخذ بالأسباب على قدر استطاعته للسعي على الرزق ، حتى لا يكون عالة على غيره , فيقع في ظاهرة التسول والتي تعد إحدى الظواهر الخطيرة التي لها عواقب سلبية على المتسول نفسه بصورة خاصة ، وعلى المجتمع بصفة عامة ، فيوجد لظاهرة التسول العديد من الآثار السلبية على المجتمع , ومن هذه الآثار : انتشار ظاهرة التشرد بين المتسولين وسائر السلوكيات غير الأخلاقية بين أفراد المجتمع والتي تتنافى مع تعاليم الإسلام وقيمه الراقية ، مما يشكل خطرًا على الفرد والمجتمع ، وهي من الأمور التي يكرهها الله عزوجل ، يقول (صلى الله عليه وسلم) : ” إنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا: قيلَ وَقالَ، وإضَاعَةَ المَالِ ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ” ، ويوجه الإسلام اتباعه بأن يكونوا من أصحاب اليد العليا ، أي التي تعطي وتنفق ، يقول (صلى الله عليه وسلم) : “الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى” .
وفي كلمته بين الشيخ/محمد عبد العال الدومي أن التسول وسيلة للحصول على الكثير من المال من غير عمل أوبذل للجهد في طلب الرزق ، لكنه في نفس الوقت يفقد المتسول احترامه بين الناس ، والتسول ليس مقتصرًا فقط على صورة أن يمد المتسول يده ، بل إن التسول له أشكال عديدة ، وربما يستخدم الأطفال للمساعدة في هذه الظاهرة البغيضة ، والتي من الصعب التخلي عنها بعد ذلك ، بدلًا من أن يزرع فيهم الخصال الحميدة والتعفف عن السؤال وعزة النفس ، مشيرًا إلى ضرورة التحري الدقيق لمن يخرج صدقاته وزكاة أمواله حتى تصل لمستحقيها ، فلا يستسهل في إخراج هذه الزكاة ، قال تعالى : “إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ” ، فهذا المال يعد مال الله كلفنا بإيصال هذا المال لمستحقيه على أكمل وجه .