صدر حديثًا كتاب ” بناة وهدامون” لمعالي أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف
هذا الكتاب يبين أن العلم النافع يشمل كل ما ينفع الناس في شئون دينهم ودنياهم ، ويفرق بين العلم الكسبي والعلم الكشفي ، كما يفرق بين العلم المطلق والعلم النسبي ، ويؤكد أن رسالة العلماء الحقيقيين هي البناء والتعمير ، وبيان صحيح الدين ، والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة .
ويهدف إلى كشف علماء الفتنة من أبناء الجماعات الضالة الذين يحرفون الكلم عن مواضعه ويشترون به ثمنا قليلا ، ويفضح أساليبهم في بث الأكاذيب والشائعات ، وإثارة الفتن ، وهدم الأوطان ، واستباحة الدماء ، وتدمير الحضارات ، وحرق الأخضر واليابس ، مما يجعل من دحض هذه الأفكار المدمرة واجب الوقت دينيا ووطنيا وإنسانيا.
ويؤكد أن الباني الحقيقي لا يمكن أن يكـون هدامًـا ، لأنه صاحب نفس ملأى بالخير والإنسانية والقيم النبيلة ، فمن يبني لا يحسن أن يهدم ، وتلك رسالة العلماء المصلحين ، أما جماعات الفتنة والضلال فلا تعرف سوى الهدم والتدمير ، لأنها لا تقوم ولا تحيا ولا تعيش إلا على أنقاض الدول ، بل على الخيانة والهدم .
ويتناول :
1. | الفصل الأول: العلماء ” دعاة البناء “. |
2. | العلم النافع . |
3. | العلم المطلق والعلم النسبي . |
4. | العلم الكسبي والعلم الكشفي . |
5. | رسالة العلماء . |
6. | تواضع العلماء . |
7. | وجوه العلماء ليست كالحة . |
8. | الخطاب العلمي والخطاب العاطفي . |
9. | العلماء والحكاءون . |
10. | بين العلم والثقافة . |
11. | الفقه والفهم . |
12. | القراءة المقاصدية . |
13. | حديث معاذ عمدة الاجتهاد . |
14. | الفتوى بين الإتاحة والمنع . |
15. | علماء الأمة وعلماء الفتنة . |
16. | خطورة الكلمة . |
17. | من علماء الأمة (علماء صنعوا التاريخ). |
18. | الفصل الثاني:
الهدامون ” جماعات الضلال “. |
19. | المؤدلجون (علماء الفتنة) . |
20. | ألف وجه ووجه لجماعة الإخوان الإرهابية. |
21. | الإخوان وانفصام الشخصية. |
22. | دولة الجماعة الاقتصادية. |
23. | الخلايا النائمة للإخوان والخطاب المزدوج. |
24. | عيون الإخوان وجواسيسهم . |
25. | هدم الرموز وزعزعة الثوابت . |
26. | السقوط الأخلاقي للإخوان . |
27. | مخاطر إيواء الإخوان . |
28. | نحن نراكم . |
29. | مفهوم الصحوة بين الحقيقة والتزييف . |
30. | خطورة الكيانات الموازية . |
31. | ماذا خسر العالم الإسلامي بظهــور الجمــاعات المتطـرفة . |
وجاء في مقدمته :
شتان بين النقيضين : البناء والهدم ، وإذا كان ديننا دين البناء وعمارة الكون، فإن كل من يأخذك إلى هذا الطريق ، طريق البناء ، طريق العمل ، طريق الإنتاج ، طريق الإتقان ، طريق الحفاظ على المنشآت العامة والخاصة إنما يأخذك إلى طريق الإسلام ، إلى طريق الوطنية ، إلى طريق الحضارة والرقي ، إلى خير المجتمع وخير الإنسانية ، ومن يحاول أن يجرك إلى طريق آخر عكس هذا الاتجاه ، إنما يأخذك إلى طريق الهلاك في الدنيا والآخرة ، يقول الحق سبحانه : ” فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ الله فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ * أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ” ، ويقول سبحانه : “وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ الله عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَالله لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ الله أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ “.
وإن الباني الحقيقي لا يمكن أن يكـون هدامًـا ، لأنه صاحب نفس ملأى بالخير والعمار والحضارة والرقي ، أما الهدامون أصحاب النفوس المريضة الذين قصرت بهم همهم عن أن يجاروا أهل الجد والكفاح والتعب والعرق والعمل والإنتاج ، فلم يجدوا جبرًا لنقيصتهم وسترًا لعورتهم وشفاء لإحساسهم بالنقص سوى حسد الأماجد وانتقاص الأفاضل على حد قول القاضي علي بن عبد العزيز الجرجاني في مقدمة كتابه الوساطة بين المتنبي وخصومه “وأهل النقص رجلان : رجل أتاه التقصير من قبله ، وقعد به عن الكمال اختياره ، فهو يساهم الفضلاء بطبعه ، ويحنو على الفضل بقدر سهمه ، وآخر رأى النقص ممتزجًا بخلقته ، ومؤثّلا في تركيب فطرته فاستشعر اليأس من زواله ، وقصرت به الهمة عن انتقاله ، فلجأ إلى حسد الأفاضل ، واستغاث بانتقاص الأماثل ، يرى أن أبلغ الأمور في جبر نقيصته، وستر ما كشفه العجز عن عورته ، اجتذابُهم إلى مشاركته ، ووسمُهم بمثل سِمَتِه “.
هؤلاء الهدامون خطر داهم على المجتمع ، وعلى أمنه الاجتماعي والاقتصادي ، يقول الشاعر :
لو كل بانٍ خلفه هـادم كفى
فكيف ببانٍ خلفه ألف هادم
ويقول الآخر :
متى يبلغ البنيـان يوما تمامـه
إذا كنت تبنيه وغيرك يهـــدم
وأخطر من هؤلاء من يقومون بهدم أوطانهم عمالة أو خيانة ، على حد قول الشاعر العراقي ” محمد مهدي الجواهري ” :
ولقـد رأى المسـتعمرون فـرائســـا
منا وألفـــــوا كلب صيد سائبــــا
فتعهــدوه فـراح طـوع بنانهــــــم
يبـــرون أنيــابــا لـــه ومخالبــــا
مستأجـرين يخـربـون بيوتهـــــــم
ويكافــؤون على الخــراب رواتبــا
إن ديننا دين البناء ينبذ كل ألوان ومعاني الهدم والتخريب ، ويدعو إلى البناء وعمارة الكون ، وكل ما فيه صالح الإنسانية ، يقول سبحانه : ” وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ الله قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ ” ، ويقول سبحانه : “فَاذْكُرُواْ آلاء الله وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ ” ، مما يتطلب منا جميعًا العمل على نشر ثقافة البناء ، وترسيخ الإيمان به ، وأن ما كان للإنسان فلن يخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه ، وأن الناس جميعًا لو سابقوا إنسانا فلن يأخذوا شيئا كتبه الله له ولن يصلوا إليه، ولو دفعوه إلى الأمام جميعًا ، فلن يُوصِّلوه إلا إلى شيء كتبه الله له ، يقول سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : ” وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ إِلَّا قَدْ كَتَبَهُ الله لَكَ ، وَإِنِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ عَلَيْكَ ، رُفِعَتِ الْأَقْلَامُ ، وَجَفَّتِ الصُّحُفُ “، فما أحوجنا إلى تطهير قلوبنا من الحقد والحسد والعمل على تعطيل الآخرين أو تعويق مسيرتهم أو محاولات إفشالهم ، فليس كل ذلك ولا شيء منه من الإيمان أو كريم الأخلاق أو القيم الإنسانية النبيلة ، إنما على العكس من ذلك كله ، فهو حقد يأكل صاحبه على حد قول أبي تمــام:
اصـبر على مضض الحســــود
فـــإن صبـــــرك قــــــاتله
فالنــــــار تأكــــل نفسهــا
إن لــــم تجـــد مــا تــأكــله
فلنصدق النية والعمل لله (عز وجل)، ثم لوطننا ومجتمعنا ، وأبنائنا وأحفادنا وأنفسنا، ذلك أن الواجب الشرعي والوطني يتطلبان منَّا جميعًا وحدة الصف وتضافر الجهود لخدمة ديننا ووطننا وقضايانا العادلة ، وألا يعوق أحدٌ منَّا مسيرة الآخر ، بل يشد بعضنا أزر بعض ، فالعمل العمل ، لأنه صمام الأمان ، وحذارِ حذارِ من الهدم والتخريب ، فهما سبيل الدمار والهلاك في الدنيا والآخرة ، وعلينا أن نأخذ وبشدة على أيدي الهدامين ، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا ” فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ الله ، أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا ، أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ؟ قَالَ : ” تَحْجُزُهُ ، أَوْ تَمْنَعُهُ ، مِنَ الظُّلْمِ فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ ” ، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : ” إنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الظَّالِمَ فَلَمْ يأخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أوشَكَ أنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابٍ مِنْهُ “.
وإذا كان الله (عز وجل) قد رفع شأن العلم والعلماء فقال سبحانه : “يَرْفَعِ الله الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ” ، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : “.. وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ .. ” فإن من المسلمات أن هؤلاء العلماء الذين رفع الله قدرهم في الدنيا والآخرة ، هم أرباب العلم النافع الذي ينفع البشرية في أمور دينها أو أمور دنياها ، وليس علماء الفتنة الذين يحرفون الكلم عن مواضعه ويشترون به ثمنا قليلا ، حيث يقول الحق سبحانه : “مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ الله بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا” ، ويقول سبحانه: “فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ الله يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ” ، ويقول سبحانه: ” يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آَمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آَخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ الله فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ الله شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ الله أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ” .
ولا يزال علماء الفتنة من أبناء الجماعات الضالة يحرفون الكلم عن مواضعه ، يجتزئون النصوص تارة ، ويلوون أعناقها أخرى ، يجمد بعضهم عند ظواهر النصوص دون فهم لمقاصدها ، ويحمِّلها بعضهم ما لا تحتمل من التفسير والتأويل ، ويخرج بها بعضهم عن سياقها جملة وتفصيلا.
وهنا يأتي دور علماء الأمة ومصابيح الهداية والرشاد ، لبيان صحيح الدين ، وكشف زيغ وزيف المبطلين والمتاجرين بالدين ، ومن يشترون بآيات الله ثمنا قليلا ، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : “يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ ، يَنْفُـونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَـالِينَ ، وَانْتِحَـالَ الْمُبْطِلِينَ ، وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ “.
والذي لا شك فيه أن المعركة الفكرية أو معركة الوعي لا تقل خطورة أو ضراوة عن سائر الأسلحة الفتاكة والمدمرة ؛ لأن الهزيمة المعنوية للشعوب من داخلها أقل كلفة للأعداء، وأشد خطرًا على الأمة ، تمزق أوصالها ، وتفرق جمعها – من بث الشائعات والأكاذيب والافتراءات تارة، وإثارة الفتن بين أبنائها أخرى ، والتحريض على العنف واستباحة الدماء والأعراض والأموال ثالثة – مما يجعل من مواجهة تلك الأفكار الضالة والجماعات العميلة والمنحرفة واجب الوقت دينيًّا ووطنيًّا وإنسانيًّا ، حتى نجلِّي عن صفحة ديننا النقية ما ران عليها من تراكم غبار وأفكار تلك الجماعات الضالة ، وننقذ أوطاننا وأمتنا والبشرية من خطر الإرهابيين والمتاجرين بالدين .
ويدور الكتاب حول محورين أساسين :
الأول : العلماء ” دعاة البناء “، والثاني : الهدامون ” جماعات الضلال “.
آملا أن ألقي بذلك الضوء على واحدة من أهم القضايا العصرية في البناء الفكري ، من خلال بيان دور العلماء في بناء الوعي وعمارة الكون وصناعة الحضارة ، ودور دعاة الهدم في إثارة الفتن ، وهدم الأوطان ، وغرس الإحن والعداوات ، وتدمير الحضارات ، وسفك دماء الأبرياء ، وبثّ الفرقة والشتات بين بني البشـر .