علماء القافلة الدعوية الحادية والعشرين المشتركة بين الأزهر والأوقاف يؤكدون :
الإسلام دين العلم والمعرفة وفن صناعة الحياة
علماء الأمة الحقيقيون هم من سلكوا بالناس مسلك الوسطية
والاعتدال والتسامح والرحمة
برعاية كريمة من فضيلة الإمام الأكبر أ.د/ أحمد الطيب شيخ الأزهر ، ومعالي أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف ، انطلقت اليوم الجمعة 13 / 12 / 2019م القافلة الدعوية الحادية والعشرون المشتركة بين علماء الأزهر ووزارة الأوقاف إلى محافظة القاهرة إدارة أوقاف القاهرة الجديدة ، لأداء خطبة الجمعة تحت عنوان : ” أمة اقرأ..أمة أتقن بين علماء الأمة وعلماء الفتنة “، وذلك في إطار التعاون المشترك والمثمر بين الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف من أجل تصحيح المفاهيم الخاطئة ، ونشر الفكر الوسطي المستنير ، وبيان يسر وسماحة الإسلام ، ونشر مكارم الأخلاق والقيم الإنسانية ، وترسيخ أسس التعايش السلمي بين الناس جميعًا.
فمن على منبر مسجد الشهيد المسلماني بالتجمع الأول أكد أ.د/ علي محمد علي مهدي الأستاذ بجامعة الأزهر أن الإسلام رغب في طلب العلم ، وحث على الجد والاجتهاد في تحصيله ، ويدل على ذلك أن أول ما نزل من القرآن الكريم هو قول الله سبحانه وتعالى : ” اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ” ؛ فأول أمرٍ سماوي نزل به الوحي هو الأمر بالقراءة التي هي أول أبواب العلم ، ثم أتت بعد ذلك الإشارة إلى القلم الذي هو وسيلة تدوين العلم ونقله ، وفي هذا تنبيه للناس كافة على بيان فضل العلم ، والترغيب في طلبه ، والحث عليه ، وإشارة صريحة إلى أن الإسلام دين العلم والمعرفة ، وأن هذه الأمة هي أمة العلم وصناعة الحضارة , كما سُميت سورة كاملة في القرآن الكريم باسم “القلم”واستهلها سبحانه وتعالى بقوله تعالى : ” ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ” ؛ تأكيدًا على أهمية أدوات العلم ووسائله ، ويكفي بالعلم شرفًا أن الله (عز وجل) لم يأمر نبيه (صلى الله عليه وسلم )بالازدياد من شيء في الدنيا إلا من العلم ، حيث يقول سبحانه : “وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا” ، بل إن النبي (صلى الله عليه وسلم) جعل الخروج لطلب العلم خروجًا في سبيل الله(عز وجل) ، وبين أن الجد في طلبه سبب من أسباب دخول الجنة ، فقَالَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : ” مَنْ خَرَجَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ فَهُوَ فِي سَبِيل الله حَتَّى يَرْجِعْ”، ويقول(صلى الله عليه وسلم) : ” مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ ” ، فالعلم أحد أعمدة بناء الدول ، به تنهض الأمم وتتقدّم ، وبه ينال الإنسان مكانته ، ويعلو قدره .
ومن على منبر مسجد هبة شحاتة بالتجمع الأول أكد الشيخ /كارم محسن عبد الرحمن عضو مجمع البحوث الإسلامية أن القرآن الكريم أعلى من شأن العلماء ، فقال تعالى : “يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ” ، كما شهد الله تعالى للعلماء بأنهم أهل خشيته ، فقال سبحانه : ” إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ” ، ولعظم قدرهم وعلو منزلتهم شرَّفهم الله (عز وجل) بالشهادة على أعظم مشهود ، فقال تعالى : ” شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ “، وقد أكد النبي (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) على ذلك ، فبين أن أهل العلم هم ورثة الأنبياء في إرشاد الناس ، وهدايتهم ، والأخذ بناصيتهم إلى طريق الحق والنور ، والإصلاح والبناء ، فقال (صلى الله عليه وسلم) : ” إنَّ العلماءَ ورثةُ الأنبياء ، وَإنَّ الأنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا وَإنَّمَا وَرَّثُوا العِلْمَ ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بحَظٍّ وَافِرٍ” ، ويقول ( صلى الله عليه وسلم) : “وَإِنَّ فَضْـلَ الْعَـالِـمِ عَلَى الْعَـابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ”.
ومن على منبر مسجد صالح الجلالي بالتجمع الأول أشار الشيخ/عاشور مبروك عبد المنعم عضو مجمع البحوث الإسلامية إلى أن أهل العلم الذين كرمهم الله (عز وجل) وأعلى من شأنهم ، والذين أثنى عليهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) هم علماء الأمة المخلصون الذين أدركوا عظم الأمانة التي يحملونها ؛ أمانة العلم ، وأمانة الدعوة ، وأمانة البيان ، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) :” نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِيَ فَحَفِظَهَا فَأَدَّاهَا كَمَا سَمِعَهَا …) ، فعلماء الأمة المخلصون هم من فطنوا لطبيعة المهمة التي اصطفاهم الله عز وجل من أجلها ، وأنها ليست مهمة تكسب بالعلم ، أو بالدين ، فالرسالة التي يقومون بأدائها أرقى ، وأسمى ، وأعظم من ذلك ، يقول الحق سبحانه على لسان سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم ) : ” قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ” ، ويقول سبحانه على لسانه (صلى الله عليه وسلم) :” قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا” ، ويقول سبحانه على لسان أنبيائه : نوح وهود وصالح ولوط وشعيب (عليهم السلام:”وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ” ، بصيغة واحدة تؤكد وحدة الهدف ، والمنهج ، وصدق النية مع الله (عز وجل) ، وتمام الإخلاص له وحده.
ومن على منبر مسجد طيبة بالتجمع الخامس وضح د/ رمضان عبد السميع خضر بالديوان العام أن علماء الأمة الحقيقيين هم من بذلوا وقتهم ، وجهدهم ، وقدموا علمهم خدمة لدينهم ، ووطنهم ، فسلكوا بالناس مسلك الوسطية والاعتدال ، والتسامح والرحمة ، فأثمرت دعوتهم أجيالا نافعة ، تبني ولا تهدم ، تعمر ولا تخرب ، تُعلي من القيم الإنسانية ، وترفع من كرامة الإنسان ، وتتعايش مع الناس جميعا في سلم وسلام ، وأمن وأمان ، وهذا هو العلم النافع الذي يكون ذخرا لصاحبه بعد وفاته ، حيث يقول نبينا(صلى الله عليه وسلم) :” إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ ، إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ”، وكان(صلى الله عليه وسلم) يستعيذ بالله من العلم الذي لا ينفع ولا يبني ولا يعمر ولا يهذب الأخلاق والسلوك، فكان(صلى الله عليه وسلم) يقول :”سَلُوا اللَّهَ عِلْمًا نَافِعًا ، وَتَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَع”، وكان من دعائه (صلى الله عليه وسلم):” اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لاَ يَنْفَعُ ، وَمِنْ قَلْبٍ لاَ يَخْشَعُ ، وَمِنْ نَفْسٍ لاَ تَشْبَعُ ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لاَ يُسْتَجَابُ لَهَا) ، كما أن علماء الأمة الحقيقيين هم من فقهوا رسالة العلم ، وعرفوا ثقل أمانته ، فأدركوا خطورة الفتوى ، وكانوا يتحرجون منها ، لعلمهم بعظم أمرها ، وهذا ما كان عليه أهل العلم من الصحابة والتابعين ، فها هو سيدنا أبو بكر الصديق(رضي الله عنه) يقول :” أَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي ؟ وَأَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي؟ إِذَا قُلْتُ فِي كِتَابِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ” ، وقد سُئل الإمام مالك(رحمه الله) يومًا في أربعين مسألة ، فأجاب عن أربع منها ، وقال في ست وثلاثين منها :” لا أدري”، دون خجل ، أو تردد ؛ لأنَّ لا أدري هي وقاية العالم وجُنته التي لو أغفلها هلك .
ومن على منبر مسجد آل شكر بالتجمع الأول أكد د/ أحمد حامد حسن بالديوان العام أن علماء الأمة المخلصين هم أصحاب الهدْي الصالح، والسَّمت الصالح، والاقتصاد والاعتدال ، الذين يحملون راية الوسطية في كل زمان ينفون عن دين الله تحريف الغالين وتأويل الجاهلين وانتحال المبطلين , أما علماء الفتنة الذين اتخذوا دين الله مطيَّة لتحقيق أهدافهم ، وبلوغ أغراضهم، فأولئك الذين تجرءوا على دين الله (عز وجل)، وأطلقوا قذائف الفتاوى التي تضر ولا تنفع ، وتفرق ولا تجمع ، وتهدم ولا تبني ، وتفتح على الأمة باب التكفير ، الذي حذر الإسلام من الولوج فيه ، يقول(صلى الله عليه وسلم):” أَيُّمَا امْرِئٍ قَالَ لأَخِيهِ يَا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا ، إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ، وَإِلاَّ رَجَعَتْ عَلَيْهِ) ، فلقد اتخذ علماء الفتنة من التشدد والعنت والتضييق على الناس منهجًا لهم ؛ وهو منهج بعيد كل البعد عن سماحة الإسلام ووسطيته ، فقد رفع الإسلام عن الناس كل حرج ، وأزال عنهم كل مشقة ، حيث يقول الحق سبحانه:” وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ” ، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” بَشِّرُوا ، وَلَا تُنَفِّرُوا ، وَيَسِّرُوا ، وَلَا تُعَسِّرُوا”، فالتشدد في الفتاوى يخالف الوسطية السمحة التي تميز بها الدين الإسلامي الحنيف ، قال تعال :” “وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ”، والوسطية تعني : العدل ، والاعتدال ، والبعد عن الغلو الذي هو سبب في هلاك الأمم ، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم):” يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ” ، وقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ(رحمه الله):” إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَنَا الرُّخْصَةُ فِي فِقْهٍ ، فَأَمَّا التَّشَدُّدُ فُكُلُّ أَحَدٍ يُحْسِنَهُ”.
ومن على منبر مسجد زاوية الرسول بالتجمع الأول بين د/السيد عاطف عبد النبي بالديوان العام أن الجرأة على الفتوى من غير المؤهلين لها علميًّا ضلال وإضلال، فما أكثر ما تسببت الفتوى بغير علم في الإضرار بحياة الأشخاص، فعن جابر بن عبد الله(رضي الله عنهما) ، قال : خرجنا في سفر فأصاب رجلًا منا حجر فشجّه في رأسه، ثم احتلم ، فسأل أصحابه : هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ فقالوا : ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء ، فاغتسل فمات ، فلما قدمنا على النبي(صلى الله عليه وسلم) أُخبر بذلك ، فقال (صلى الله عليه وسلم) : ” قَتَلُوهُ ، قَتَلَهُمُ اللَّهُ ، أَلَا سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا ؛ فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ ، إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيَعْصِرَ ، أَوْ يَعْصِبَ عَلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً ، ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَيْهَا ، وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِه”، فما أحوجنا إلى أن يلزم كل منا تخصصه ، وأن يجتهد فيما يحسنه ، خشية لله تعالى، واحترامًا للعلم ، وتقديرًا لخطورة الكلمة ، فكم من كلمةٍ أطلقها صاحبها – بغير علم – كانت سببا في خراب ، ودمار ، وفساد ، فالسكوت خير من كلام يضر ولا ينفع ، ولو سكت من لا يعلم لسقط الخلاف ، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” … وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ).