خلال برنامج ندوة للرأي من مسجد “مولانا الإمام الحسين ” (رضي الله عنه)
الشيخ / يسري عزام :
الحفاظ على الحياة من مقاصد الشريعة
الشيخ / مصطفى عبد السلام :
الحياة نعمة ينبغي أن نغتنمها في طاعة الله (عز وجل)
في إطار الدور التوعوي الذي تقوم به وزارة الأوقاف ، والمشاركات التثقيفية والتنويرية لقضايا الدين والمجتمع التي تسهم في بناء الإنسان ، وفي إطار التعاون والتنسيق المستمر بين وزارة الأوقاف والهيئة الوطنية للإعلام في ملف تجديد الخطاب الديني ، ومن خلال الندوات المشتركة بين الوزارة وقطاع القنوات المتخصصة بالتليفزيون المصري ، عقدت وزارة الأوقاف مساء أمس الثلاثاء 3 / 12 /2019م بمسجد ” مولانا الإمام الحسين” (رضي الله عنه) بالقاهرة ندوة للرأي تحت عنوان : ” نعمة الحياة وضرورة المحافظة عليها ” ، حاضر فيها الشيخ / يـسـري عـزام إمام مسجد صلاح الدين ، والشيخ / مصطفى عبد السلام إمام مسجد مولانا الحسين (رضي الله عنه) ، بحضور جمع غفير من رواد المسجد ، وأدار الندوة الإعلامي أ/ عمر حرب الذي ثمن جهود معالي وزير الأوقاف في نشر روح الحوار والفكر التنويري بين فئات المجتمع في معالجة القضايا المهمة وبخاصة فيما يتعلق بالأسرة والمجتمع .
وفي بداية كلمته أكد الشيخ / يسري عزام أن نعم الله على عباده كثيرة لا تعد ولا تحصى قال تعالى :” وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا” ، ومن أعظم النعم نعمة الحياة تلك النعمة العظيمة التي منحها الله للإنسان واستأمنه عليها وعَظَّم حرمتها وجعل أمرها بيده سبحانه، بل جعل حفظ الحياة والنفس مقصدًا من مقاصد الشريعة .
وأشار فضيلته إلى أن الحياة الطيبة لا تكون إلا بالإيمان والعمل الصالح قال تعالى :” مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ” ، فالعمل الصالح سبيل السعادة في الدنيا والآخرة لقول النبي (صلى الله عليه وسلم) : “مَنْ كَانَ هَمُّهُ الْآخِرَةَ، جَمَعَ اللهُ شَمْلَهُ، وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ الدُّنْيَا، فَرَّقَ اللهُ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا كُتِبَ لَهُ” .
وفي سياق متصل أوضح أن اليأس والضيق والقنوط في الدنيا سبب من أسباب الانتحار وقتل النفس ، والإسلام قد نهى عنهما فقال سبحانه : ” قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ” ، فإذا ضاقت بك الدنيا يومًا فتذكر حبيبك المصطفى ( صلى الله عليه وسلم ) الذي كان ميسرًا ولم يكن أبدًا معسرًا ، كان (صلى الله عليه وسلم ) يحب الحياة ولم ييأس منها مع أنه كان يمر عليه الهلال تلو الهلال تلو الهلال ولا يوقد في بيته نار ومع هذا فالرضى والقناعة تملآن قلبه.
وفي ختام كلمته بين أن الإعراض عن الله ( عز وجل) ، وعن سنة نبيه (صلى الله عليه وسلم) سبب للانتحار وقتل النفس ، وأن الرضا بقضاء الله وقدره ، وتقوى الله سبب لتفريج الكروب قال تعالى :” وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا”.
وفي بداية كلمته أكد الشيخ / مصطفى عبد السلام أن الحياة نعمة من أجل النعم التي أنعم الله بها على عباده ، وقد اعتنى الإسلام بها ، مشيرًا إلى أن الحفاظ على الحياة مقصدًا من مقاصد الشريعة الإسلامية ، وللحفاظ عليها حرم الإسلام بعض الأمور ( كأكل الميتة ـ وشرب الخمر ـ ولحم الخنزير) ونظرًا للحاجة إليها وقت الضرورة تصبح من الأمور المباحة وتقدر بقدرها قال تعالى : ” حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ” ، وقد فرض الله ( عز وجل) علينا فرائض كثيرة رخص لنا فيها حفاظًا على حياتنا قال تعالى” فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ” والسيرة النبوية حافلة بالأدلة على حرص الإسلام على حياة الإنسان ، فما ترك (صلى الله عليه وسلم) شيئًا يرشدنا للمحافظة على حياتنا وصحتنا إلا وحثنا عليه.
موضحا أن الإسلام كما أمر بالمحافظة على حياة الإنسان ، كذلك أمر بالمحافظة على حياة الحيوان:” فعَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ : دَخَلْتُ مَعَ أَنَسٍ عَلَى الْحَكَمِ بْنِ أَيُّوبَ ، فَرَأَى غِلْمَانًا أَوْ فِتْيَانًا نَصَبُوا دَجَاجَةً يَرْمُونَهَا ، فَقَالَ أَنَسٌ : ( نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُصْبَرَ الْبَهَائِمُ ) ، قال النووي رحمه الله في شرح مسلم : ” قَالَ الْعُلَمَاء : صَبْر الْبَهَائِم : أَنْ تُحْبَس وَهِيَ حَيَّة لِتُقْتَل بِالرَّمْيِ وَنَحْوه , وَهُوَ مَعْنَى قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا تَتَّخِذُوا شَيْئًا فِيهِ الرُّوح غَرَضًا ) , أَيْ : لَا تَتَّخِذُوا الْحَيَوَان الْحَيّ غَرَضًا [ هدفاً ] تَرْمُونَ إِلَيْهِ , وَهَذَا النَّهْي لِلتَّحْرِيمِ , وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما فِي رِوَايَة اِبْن عُمَر: ( لَعَنْ اللَّه مَنْ فَعَلَ هَذَا) وَلِأَنَّهُ تَعْذِيب لِلْحَيَوَانِ وَإِتْلَاف لِنَفْسِهِ , وَتَضْيِيع لِمَالِيَّتِهِ , وَتَفْوِيت لِذَكَاتِهِ إِنْ كَانَ مُذَكًّى , وَلِمَنْفَعَتِهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُذَكًّى ” ، وذكرت لنا السنة المطهرة أن امرأة دخلت النار في هرة لأنها لم تحافظ على حياتها ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : “عُذِّبَتْ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ, فَدَخَلَتْ النَّارَ، لَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وسَقَتْهَا , إِذْ هي حَبَسَتْهَا، وَلَا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ”.
وفي ختام كلمته حث فضيلته الحضور الكريم على استغلال الحياة في طاعة الله (عز وجل) ، وطاعة رسوله (صلى الله عليه وسلم) ، ومهما ألم بالمؤمن في الدنيا من هم وضيق وكرب فهو في ميزان حسناته إن رضي به وصبر عليه ، قال ( صلى الله عليه وسلم) : “عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ ” .