خلال الندوة التي أقامتها وزارة الأوقاف بالتعاون مع صحيفة عقيدتي بمسجد ” أنس بن مالك ” بمديرية أوقاف الجيزة
علمـاء الأوقــاف يـؤكــدون :
الأمة الإسلامية استمدت خيريتها من خيرية نبيها محمد (صلى الله عليه وسلم)
ومن أهم مقومات خيرية الأمة تحقيق التكافل والتراحم
والتعاليم الإسلامية قادرة على صقل عقل الأمة وتوجيه سلوكها
وتعاملها مع كل البشر في كل زمان ومكان
برعاية كريمة من معالي وزير الأوقاف أ.د/ محمد مختار جمعة أقامت وزارة الأوقاف بالتعاون مع صحيفة عقيدتي ندوة علمية كبرى بمسجد ” أنس بن مالك” بمديرية أوقاف الجيزة ، تحت عنوان : “ خيرية الأمة وخيرية نبيها (صلى الله عليه وسلم) “عقب صلاة المغرب أمس السبت 30 / 11/ 2019م ، ويأتي ذلك في إطار دور وزارة الأوقاف واستمرارًا لرسالتها الدعوية التي تهدف إلى تبصير الناس بأمور دينهم ، وغرس القيم الأخلاقية والمجتمعية الراقية التي أتى بها ديننا الحنيف ، وحاضر فيها كل من : الشيخ/ سمير فوزي سلامة بالديوان العام ، والشيخ/ محسن السيد محمد رئيس شئون القرآن بالمديرية ، والشيخ /عبد الله محمد عطا إمام المسجد ، وحضر الندوة جمع غفير من المصلين حرصًا منهم على تعلم أمور دينهم ، وأدار الندوة وقدم لها الأستاذ/ إبراهيم نصر مدير تحرير صحيفة عقيدتي .
وفي بداية كلمته بين الشيخ/ سمير فوزي سلامة أن الله خلقَ الخلقَ وفاضَلَ بينهم؛ فخلقَ آدم بيده ، وأسجدَ له الملائكةَ تكريمًا له ، ثم أهبطَه وزوجَه إلى الأرض ، وتفرَّقَت ذريتُه في الأمصار، وطالَت بهم الأزمان، وجعلَهم في الأرض أُممًا مُتفاضِلين؛ قال سبحانه: ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ ﴾ ،وخصَّ هذه الأمة َبالفضلِ والتكريم على سائر الأُمَم ، فجعلها خير أمة أخرجت للناس ، هكذا وصفها الله تعالى، وأخبر عنها في كتابه: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾ ، غير أن هذه الخيرية ليست نابعة عن مجاملة أو محاباة أو اختصاص بلا مسوغ وإنما علتها وسببها هو عين ما ذكره الله بعد ذلك معللًا هذه الخيرية ، فقال: ﴿تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ ، فمناط الخيرية في أمة الإسلام مرتبط تمامًا بقيامها بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المنبثق عن الإيمان بالله تعالى ورسوله، فمن حقَّق الشرط تحقَّق له المشروط، وقامت به الصفة؛ كما قال سيدنا عمر (رضي الله عنه) : “مَنْ سرَّه أن يكون من هذه الأُمَّة فليؤدِّ شرط الله فيها”، قال الله تعالى : ” كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ” قال الإمام ابن كثير : الصحيح أن هذه الآية عامة في جميع الأمة ، كل قرن بحسبه ، وخير قرونهم الذين بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم الذين يلونهم، كما قال سبحانه في الآية الأخرى : ” وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ” ، موضحًا أن من أهم مقومات خيرية الأمة تحقيق التكافل والتراحم ، فلا يمكن أن ندعي الخيرية ولا نتراحم ولا نتكافل وقت الشدائد ، وأننا بحاجة إلى التخلق بأخلاق الإسلام النبيلة ، وقيمه الراقية , والنبي ( صلى الله عليه وسلم ) قد بين أن خير الناس أنفعهم للناس .
وفي بداية كلمته أكد الشيخ/ عبد الله محمد عطا أن الأمة الإسلامية استمدت خيريتها من خيرية نبيها محمد (صلى الله عليه وسلم) ، فهو رسول الله للعالمين وخاتم الأنبياء والمرسلين وهو من قرن الله عز وجل ذكره بذكره في كل وقت وحين ، مشيرًا إلى أنها أفضل الأمم كما قال الَنبِيَّ ( صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : ” أَلا إِنَّكُمْ تُوفُونَ سَبْعِينَ أُمَّةً، أَنْتُمْ خَيْرُهَا، وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ” .
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (رضي الله عنهما) قَالَ : خَرَجَ عَلَيْنَا النبي (صلى الله عليه وسلم) يَوْمًا فَقَالَ عُرِضَتْ عَلَىَّ الأُمَمُ فَجَعَلَ يَمُرُّ النَّبِىُّ مَعَهُ الرَّجُلُ وَالنَّبِىُّ مَعَهُ الرَّجُلاَنِ ، وَالنَّبِىُّ مَعَهُ الرَّهْطُ ، وَالنَّبِىُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ ، وَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الأُفُقَ فَرَجَوْتُ أَنْ يَكُونَ أُمَّتِى ، فَقِيلَ هَذَا مُوسَى وَقَوْمُهُ. ثُمَّ قِيلَ لِى انْظُرْ. فَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الأُفُقَ فَقِيلَ لي انْظُرْ هَكَذَا وَهَكَذَا. فَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الأُفُقَ فَقِيلَ هَؤُلاَءِ أُمَّتُكَ ، وَمَعَ هَؤُلاَءِ سَبْعُونَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ فَتَفَرَّقَ النَّاسُ وَلَمْ يُبَيَّنْ لَهُمْ ، فَتَذَاكَرَ أَصْحَابُ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا أَمَّا نَحْنُ فَوُلِدْنَا في الشِّرْكِ ، وَلَكِنَّا آمَنَّا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَلَكِنْ هَؤُلاَءِ هُمْ أَبْنَاؤُنَا ، فَبَلَغَ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ هُمُ الَّذِينَ لاَ يَتَطَيَّرُونَ ، وَلاَ يَسْتَرْقُونَ ، وَلاَ يَكْتَوُونَ ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ فَقَالَ أَمِنْهُمْ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ نَعَمْ». فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ أَمِنْهُمْ أَنَا فَقَالَ سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ”.
وحتى تتحقق هذه الخيرية بمفهومها الشامل الذي يجعل الفرد يحب الخير لغيره كما يحبه لنفسه ، يجب أن تدرك الأمة المعنى الحقيقي للوسطية التي تحمل أبناء الأمة على التوازن والاعتدال في كل الأمور , من فهم مقاصد الدين , وتحقيق مصالح المجتمع ونفع الناس , والعمل من أجل إعمار الكون , ويتأتى ذلك بالموازنة بين متطلبات الروح , ومتطلبات الجسد , وفق منهج الإسلام المستقيم البعيد عن الإفراط والتفريط ، لذا حذر الإسلام من كل ألوان التشدد والغلو فقد قال النبي (صلى الله عليه وسلم) : “هلك المتنطعون ” وكررها ثلاثًا لبيان خطورة ذلك , وهذه الوسطية الصحيحة هي التي تؤهل الأمة لأن تكون جديرة للقيام بحق الشهادة على سائر الأمم كما أراد الله لها , في قوله تعالى “وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا” .
وفي بداية كلمته أكد الشيخ / محسن السيد محمد أن البعثة المحمدية كلها لم تأت إلا لتتمم مكارم الأخلاق كما أخبر بذلك النبي ( صلى الله عليه وسلم) بقوله : ” إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” ، ومن هذه الأخلاق خلق التسامح والتعايش السلمي اللذان دعا إليهما الإسلام وحث عليهما القرآن الكريم في آيات عدة وأكد عليهما النبي (صلى الله عليه وسلم) وأكثر آيات القرآن تتحدث عن الأخلاق والسلوكيات ، وصفات عباد الرحمن في القرآن الكريم تؤكد ذلك قال تعالى : ” وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا “، والأخلاق الحسنة تكون سببًا لنشر السلام والأمن والخير في المجتمع .
كما أشار إلى أن الحضارة الإسلامية ضربت أروع الأمثلة في التسامح والتعايش الإيجابي بين الأمم والشعوب من مختلف الحضارات والثقافات ، ولا تزال هذه التعاليم الإسلامية حية وقادرة على صقل عقل الأمة وتوجيه سلوكها وتعاملها مع كل البشر في كل زمان ومكان قال الله عز وجل: ” شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ” ، ورسَّخ الإسلام من أجل التسامح في قلوب المسلمين أنَّ الأنبياء أخوة ، لا تفاضلَ بينهم مِنْ حيث الرسالة، ومن حيث الإيمان بهم، فقال القرآن الكريم : “قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ و َيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ”، ورسَّخ الإسلام تحت راية التسامح أنْه لا إكراه في الدين ، فالعقيدة ينبغي أنْ يستقبلها القلب والعقل بشكلٍ واضح وجليٍّ ، قال تعالى : ” لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيّ ِفَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ “.