خلال برنامج ندوة للرأي من مسجد السيدة نفيسة (رضي الله عنها) بمحافظة القاهرة
أ.د/ محمد سالم أبوعاصي :
جميع الشرائع السماوية كفلت الحرية في العقيدة
د/ هيثم الحاج علي :
حماية دور العبادة واجب على الجميع
د/ خالد صلاح :
من مقاصد العمران الإسلامي حماية دور العبادة
في إطار الدور التوعوي الذي تقوم به وزارة الأوقاف ، والمشاركات التثقيفية والتنويرية لقضايا الدين والمجتمع التي تسهم في بناء الإنسان ، وفي إطار التعاون والتنسيق المستمر بين وزارة الأوقاف والهيئة الوطنية للإعلام في ملف تجديد الخطاب الديني ، ومن خلال الندوات المشتركة بين الوزارة وقطاع القنوات المتخصصة بالتليفزيون المصري ، عقدت وزارة الأوقاف مساء أمس الثلاثاء31 / 12 / 2019م بمسجد السيدة نفيسة (رضي الله تعالى عنها) بمحافظة القاهرة ندوة للرأي تحت عنوان : “حماية دور العبادة ” ، حاضر فيها : الأستاذ الدكتور / محمد سالم أبو عاصي العميد الأسبق لكلية الدراسات العليا ، والدكتور / هيثم الحاج علي رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب , والدكتور/ خالد صلاح مدير عام الإرشاد الديني بوزارة الأوقاف , وأدار الندوة الإعلامي أ/عمر حرب.
وفي بداية كلمته أكد الأستاذ الدكتور / محمد سالم أبو عاصي أن من مقاصد الشريعة الإسلامية المحافظة على الدين ، فجميع الشرائع السماوية بينها قاسم مشترك فتدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له , وكفلت الحرية في العقيدة , فلا إجبار ولا إكراه لأحد في دخول دين بعينه , فالله أغنى عن ذلك لأن الإيمان محله القلب فلا يطلع عليه إلا الله (عز وجل) , فمن أكره على الإيمان وآمن فلا يعتبر إيمانه , وهذا ما وجه الله عز وجل به نبيه (صلى الله عليه وسلم) في قوله تعالى : ” إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ” , بل بعدما بين سبحانه وتعالى طريق الحق والصواب قال : ” وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ” , وعدم الإكراه في العقيدة مبدأ أقره الله تعالى فقال : ” لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ” , وقال أيضًا :” وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ” , و لفظ “من” هنا صيغة عموم , أي : لو شاء الله لآمن كل الناس , لكن إرادة الله شاءت أن يكون الناس مختلفين في لغاتهم وألوانهم وطبائعهم بل وعقائدهم , وطالما أنه لا إكراه فلا بد أن يكون هناك اختلاف فيما بيننا , وأمام هذا الاختلاف يكون المسلم مطالبًا بالبر والعدل مع غير المسلم بصريح الآية القرآنية ” لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ” قال المفسرون : البر فوق العدل , وينبغي أن يتحقق في الناس بصرف النظر عن دينهم وعن معتقداتهم , فإذا كان قد منحه الله تعالى حرية الاعتقاد فالمسلم مكلف شرعًا أن يتركه وحريته بممارسة شعائره , بل ويحمي المكان الذي يمارس شعائره فيه , كما أمرنا الله تعالى على سبيل الوجوب في قرآنه بعدم سب الذين يدعون من دون الله , قال تعالى : ” وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ ” , وهو من باب سد الذرائع حتى لا يكون ذلك ذريعة لسب الله (عز وجل) , وعندما فتح سيدنا عمرو بن العاص (رضي الله عنه) فتح مصر لم يهدم الكنائس التي كانت موجودة فيها ولو هدمها منذ فتحها ما وجدنا كنيسة إلى يومنا هذا , بل على العكس من ذلك استرد لهم الكنائس والأموال التي نهبت منهم.
وفي بداية كلمته أكد الدكتور / هيثم الحاج على أن الإسلام هو دين السماحة ولم ينتشر بين الناس إلا بسماحته , فها هو عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) حينما فتح بيت المقدس ، وقّع وثيقة بينه وبين سكان البلدة , وكان مما جاء في هذه الوثيقة “بسم الله الرحمن الرحيم : هذا هو الضمان الذى مُنح لسكان “إيليا” من قِبَل خادم الله عمر، فهو يُؤَمنُهم على أشخاصهم، وبضائعهم، وكنائسهم، وصلبانهم وعلى عبادتهم بصفة عامة.. ولن تُصادر كنائسهم أو تُدمر… ولن تُفرض عليهم أي قيود في موضوع الدين، ولن يتعرض أحد منهم للمضايقة…” , فلقد أباح الإسلام لغير المسلمين ممارسة شعائر دينهم ، فلا تهدم لهم بيعة أو كنيسة ولا يكسر لهم صليب ولا يعتدى على أي دين قائم في هذه الأرض , والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده , وقال النبي (صلى الله عليه وسلم) : ” أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالْمُؤْمِنِ؟ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ، وَالْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ ، وَالْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِي طَاعَةِ اللهِ ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ الْخَطَايَا وَالذَّنُوبَ ” , وفي هذا كان الإسلام واضحًا وصريحًا في فرض الأمن والسلام للمسلمين وغيرهم ، كما صالح الرسول (صلى الله عليه وسلم) وفد نجران وأقامهم في شطر مسجده يؤدّون شعائر دينهم ، وكتب لهم عهدًا جاء فيه : (ولنجران وحاشيتهم جوار الله وذمة محمد النبي رسول الله على أنفسهم وملتهم وأرضهم وأموالهم وغائبهم وشاهدهم وبيعهم) , وحماية دور العبادة لم تقتصر على دين واحد ولكن الحماية لكل الأديان , ووزارة الأوقاف أصدرت كتابًا بعنوان: “حماية دور العبادة” , والذي يعد واحدًا من الكتب التي أصدرتها الوزارة والتي من خلاله تُصَدِّر الوجه السمح للإسلام .
وفي كلمته أشار الدكتور/ خالد صلاح إلى أن حماية أهل الأديان السماوية ودور عبادتهم من مقاصد العمران الإسلامي ، حيث قال تعالى : ” وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا” , وأن الناس في اختلافهم الديني والعرقي لهم مجال كبير لاكتمال العمران في الدنيا والعالمان الجليلان الإمام والمحدث والفقيه الليث بن سعد , والإمام قاضي مصر عبد الله بن لهيعة أكدّا أن كنائس مصر لم تبن إلا في الإسلام ، وأن والي مصر في زمن هارون الرشيد موسى بن عيسى أمر بإعادة بناء الكنائس التي هدمها مَنْ كان قبله وجعل ذلك من عمارة البلاد , والدين الإسلامي يفيض تسامحًا ورقيًّا مع مخالفيه ومع أهل الكتاب بالخصوص ، فسمح لهم بممارسة طقوس أديانهم في دور عبادتهم ، وضمن لهم من أجل ذلك سلامة دور العبادة وحَرَّم الاعتداء عليها بأي شكال من الأشكال , ومن ثَمَّ التعدي على الكنائس والمسيحيين من أهل مصر وغيرها من البلاد يعد نقدًا لعهد المواطنة، وهو الأمر الذي نهت عنه النصوص، بل أمرت بخلافه , قال الله تعالى : ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ”, فلقد بلغت سماحة الإسلام في معاملة أهل الشرائع المخالفة في العقيدة والعبادة إلى حد تركهم وما يعبدون , بناء على القاعدة العامة في حقوق الذمة ، وأن لهم ما لنا ، وعليهم ما علينا ، فمن هذا يتضح جليًّا أن الاعتداء على دور العبادة أمر يتنافى مع تعاليم الإسلام وقواعده الثابتة التي يوصي أبناءه بها , ولا بد من حماية دور العبادة مبنى ومعنى ، ولقد حرص الإسلام على حماية دور العبادة في أحرج اللحظات , وأدل شاهد على ذلك وصية النبي (صلى الله عليه وسلم) لأصحابه وقت الحرب ألا يهدموا صومعًة أو بناء، وعلى هذا سار المسلمون سلفًا وخلفًا عبر تاريخهم المشرف وحضارتهم النقية وأخلاقهم النبيلة السمحة .