خلال الندوة التي أقامتها وزارة الأوقاف بالتعاون مع صحيفة عقيدتي بمسجد الرحمن بمحافظة القاهرة علمـاء الأوقــاف يـؤكــدون :
التواضع من شيم العلماء المخلصين
ومن تواضع لله رفعه
برعاية كريمة من معالي وزير الأوقاف أ.د/ محمد مختار جمعة أقامت وزارة الأوقاف بالتعاون مع صحيفة عقيدتي ندوة علمية كبرى بمسجد الرحمن بإدارة شرق مدينة نصر بمحافظة القاهرة ، أمس السبت ٢١ / ١٢ / ٢٠١٩ م عقب صلاة المغرب ، تحت عنوان : ” تواضع العلماء “، ويأتي ذلك في إطار دور وزارة الأوقاف التنويري ، واستمرارًا لرسالتها الدعوية التي تهدف إلى تبصير الناس بأمور دينهم ، وغرس القيم الأخلاقية والمجتمعية الراقية التي أتى بها ديننا الحنيف ، حاضر فيها د / محمد أحمد حامد بالديوان العام ، والشيخ /محمد محمد ندا شحاتة مدير إدارة شرق مدينة نصر ، ود/عادل عبدالله عبدالشكور إمام المسجد ، وبحضور جمع غفير من المصلين حرصًا منهم على تعلم أمور دينهم ، وأدار الندوة وقدم لها الأستاذ/ إبراهيم نصر رئيس تحرير صحيفة عقيدتي.
وفي كلمته بين د / محمد أحمد حامد أن الإسلام أمر بالتواضع وحث عليه ، قال تعالى حكاية عن وصايا سيدنا لقمان (عليه السلام) لابنه : ” وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا “، ويقول سبحانه : “وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَاخَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا” ، و يقول نبينا (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) : ” ما تَوَاضَعَ أَحَدٌ للَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ “، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : ” إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إلى أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ ، وَلَا يَبْغِ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ” ، وأحق الناس بالتواضع وأهله العلماء الذين منحهم الله تعالى العلم ، ورفع قدرهم به ، يقول سيدنا معاذ بن جبل (رضي الله عنه) : ” تَعَلَّمُواالْعِلْمَ؛ فَإِنَّ تَعَلُّمَهُ لِلَّهِ تَعَالَى خَشْيَةٌ ، وَطَلَبَهُ عِبَادَةٌ ، وَمُذَاكَرَتَهُ تَسْبِيحٌ ، وَالْبَحْثَ عَنْهُ جِهَادٌ ،وَتَعْلِيمَهُ لِمَنْ لَا يَعْلَمُ صَدَقَةٌ ، وَبَذْلَهُ لِأَهْلِهِ قُرْبَةٌ ” ، ويقول سيدنا عمر (رضي الله عنه ) : ” تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ ، وَتَعَلَّمُوا لِلْعِلْمِ السَّكِينَةَ وَالْحِلْمَ ، وَتَوَاضَعُوا لِمَنْ تُعَلِّمُونَ، وَلْيَتَوَاضَعْ لَكُمْ مَنْ تُعَلِّمُونَهُ ، وَلَا تَكُونُوا مِنْ جَبَابِرَةِ الْعُلَمَاءِ فَلَايَقُومُ عِلْمُكُمْ بِجَهْلِكُمْ “، كما ذكر نماذج عديدة لتواضع العلماء وخفض جناحهم للناس ، ولين كلامهم ، منها : ما كان من الإمام الشافعي (رضي الله عنه ) حين اختلف معه تلميذه يونس بن عبد الأعلى ، وقام يونس غاضبًا ،فلما أقبل الليل جاءه الإمام الشافعي (رضي الله عنه ) وقال يا يونس تجمعنا مئات المسائل ، وتفرقنا مسألة! يا يونس لا تحاول الانتصار في كل الاختلافات ، أحيانًا كسب القلوب أولى من كسب المواقف ، يا يونس لا تهدم الجسور التي بنيتها وعبرتها ، فربما تحتاجها للعودة يومًا ما ، اكره الخطأ دائمًا ولكن لا تكره المُخطئ ، وابغض بكل قلبك المعصية لكن سامح وارحم العاصي ، يا يونس انتقد القول لكن احترم القائل ، فإن مهمتنا هي أن نقضي على المرض لا على المرضى .
وفي كلمته أكد الشيخ /محمد محمد ندا شحاتة أن صفة التواضع من أجل الصفات قدرًا ، وأعلاها شأنًا ، ومن تواضع لله رفعه ، قال تعالى عن سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) : “وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ” ، وقال سبحانه : “وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى” ، فما كان التواضع في شيء إلا رفعه ، وما وجد الكبر في شيء إلا خفضه ، وهذا ما كان عليه أهل العلم من الصحابة والتابعين ، يقول سيدنا أبو بكر الصديق (رضي الله عنه ) : ” أَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي ؟ وَأَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي؟ إِذَا قُلْتُ فِي كِتَابِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ” .
مبينًا أن تواضع العلماء يعني أن يقف العالم عند حدود علمه ، وألا يتدخل في غير اختصاصه ، وأن يقف عند قوله تعالى: “وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا” ، وقال (صلى الله عليه وسلم ) : “مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ” .
وفي كلمته أوضح د/عادل عبدالله عبدالشكور أن التواضع قيمة وصفة من المحامد القويمة التي أكد عليها القرآن الكريم وأكدت عليها السنة النبوية المطهرة ؛ ولأنها قيمة فلا يرسخ للقيم إلا أصحاب القمم ، وعلى رأسهم العلماء ، ولذلك كانت بداية الأوامر الإلهية في أمر تبليغ الدعوة لرسوله (صلى الله عليه وسلم ):”وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ، وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ” ، فأمر التواضع منوط بعلاقة التأثير والتأثر فلا يخص ذوات العلماء وإنما لما يتركونه من أثر في نفوس المتلقين عنهم ، وتبليغهم مراد الله للناس ، فإن المتكبر لا يمكن أن تصل دعوة الله (عز وجل) للناس من خلاله ، موضحا أن هارون الرشيد (رحمه الله) قال لأحد المؤدبين لأولاده : ليكن أول إصلاحهم إصلاح لنفسك ، فإن أعينهم معقودة بك ، إن أحسنت أحسنوا ، وإن أسأت أساءوا ، ومن ثم فإن أمر التواضع عند العلماء راجع لتأثيرهم وزرع القيم الحسنة ، والأخلاق القويمة في نفوس المتلقين عنهم، وإن الله تعالى في ذكره لصفوة خلقه والمبلغين عنه وصفهم بأجمل الصفات وأكملها ، فقال تعالى مناديًا لسيدنا يحيى (عليه السلام ) “يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا” ، وقال سبحانه عن الخضر معلم سيدنا موسى (عليه السلام ):”فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا” ، وقال (عز وجل) في حق حبيبه المصطفى (صلى الله عليه وسلم ) : “وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا” ، وكلها توحي بالتواضع وخفض الجناح ، فإعادة منظومة الأخلاق والمثل يقتضي غرس القيم الحميدة ، والأخلاق الحسنة.