خلال برنامج ندوة للرأي بمسجد السيدة نفيسة (رضي الله عنها) بمحافظة القاهرة
علماء الأوقاف يؤكدون :
الفتوى تتغير بتغير الحال والزمان والمكان
والفتوى بغير علم ضلال وإضلال
برعاية كريمة من معالي وزير الأوقاف أ.د/ محمد مختار جمعة , وفي إطار الدور التثقيفي والتنويري الذي تقوم به وزارة الأوقاف لتجديد الخطاب الديني , ونشر الفكر الوسطي المستنير , وبالتعاون مع الهيئة الوطنية للإعلام , وقطاع القنوات المتخصصة بالتليفزيون المصري , نظمت وزارة الأوقاف الثلاثاء 17 / 12 / 2019م بمسجد السيدة نفيسة (رضي الله عنها) بمحافظة القاهرة ، ندوة للرأي بعنوان : “خطورة الفتوى بدون علم” ، حاضر فيها الشيخ/ إبراهيم محمد رضا إمام وخطيب بمديرية أوقاف الجيزة , والشيخ/ رمضان خاطر إمام وخطيب بمديرية أوقاف القاهرة ، والشيخ / محمد مصطفى عبد الفضيل إمام وخطيب بمديرية أوقاف القاهرة , بحضور جمع غفير من رواد المسجد ، وأدار الندوة وقدم لها الإعلامي أ/ عمر حرب .
وفي كلمته أكد الشيخ/ إبراهيم محمد رضا أن القرآن الكريم نظم أمر الدين والدنيا معًا ، فكان أول من دعا إلى احترام التخصص ، قال تعالى :” فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ” ، وأول من دعا إلى التفقه في مجال التخصص قال سبحانه : ” ومَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ” ، مشيرًا إلى أن الفتوى بدون علم ضلال وإضلال ، فالدول التي تعاني من ويلات الإرهاب سببها الفتوى بغير علم ، فالطبيب حين يخطئ يقتل نفسًا، أما الفتيا بدون علم فإنها تهدم أمة بأثرها ، فعن سيدنا جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما) قال : “خرجنا في سَفَر فأصاب رجُلا مِنَّا حَجَرٌ فَشَجَّهُ في رأسه، ثم احتلم فسأل أصحابه فقال: هل تجدون لي رُخْصَة في التَّيمم؟ فقالوا: ما نَجِد لك رُخْصَة وأنت تَقْدِرُ على الماء فاغْتَسَل فمات، فلمَّا قَدِمْنَا على النبي (صلى الله عليه وسلم) أخبر بذلك فقال: “قَتَلُوه قَتَلَهُم الله ألا سَألُوا إذ لم يعلموا فإنَّما شِفَاء العِيِّ السؤال، إنما كان يَكفيه أن يَتيمَّم ويَعْصِر-أو يَعْصِب- على جُرحِه خِرقَة، ثم يمسح عليها، ويَغسل سائر جسده” ، فيجب على من يفتي أن يحذر مغبة الفتوى بغير علم ، وأن يتقي الله ، وأن لا يفتي إلا عن علم ، فالقول في دين الله مسئولية وأمانة ، قال تعالى :” إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا”.
وفي كلمته أكد الشيخ / رمضان خاطر أن الجرأة على الفتوى بغير علم لها أسباب عديدة منها : الجهل بالنصوص أو الغفلة عنها ، وعدم فهم الواقع على حقيقته ، وضرب لذلك نماذج عدة منها : تحريم ومنع إخراج قيمة زكاة الفطر نقداً، واستنادهم في ذلك إلى حديث سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (كنا نخرج زكاةَ الفطرِ صاعاً من طعامٍ، أو صاعاً من شعيرٍ، أو صاعاً من تمرٍ، أو صاعاً من أَقِطٍ، أو صاعاً من زبيبٍ)، ولم ينظروا إلى الفقه المقاصدي والمصلحة العامة التي يرشد إليها حديث النبي (صلى الله عليه وسلم) وإنما توقفوا عند حدود النص فحرموا مباحًا، ولو فقهوا لأجازوا إخراج القيمة نقداً ، وكذلك مسألة إسبال الثياب لقول النبي ( صلى الله عليه وسلم) :”من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة، فقال أبو بكر: يا رسول الله، إن إزاري يسترخي إلا أن أتعاهده، فقال له رسول الله ﷺ : إنك لست ممن يفعله خيلاء ، وقال ( صلى الله عليه وسلم) :” مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ لَا يُرِيدُ بِذَلِكَ إِلَّا الْمَخِيلَةَ : فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ” ، فالحكم هنا مرتبط بعلة إذا وجدت فهي حرام ، وإذا انتفت العلة وهي المخيلة سقط الحكم ، فجهل هؤلاء في فهم النصوص والغاية منها يوقعهم في الفتوى بغير علم ، ولو فقهوا لعلموا أن الفتوى تتغير بتغير الحال والزمان والمكان ، وهذا ما أكد عليه الإمام القرافي في كتابه (الفروق) وهو أن القانون الواجب على أهل الفقه والفتوى مراعاته على طول الأيام، هو: ملاحظة تغير الأعراف والعادات بتغير الزمان والبلدان.
وفي كلمته أكد الشيخ/ محمد مصطفى عبد الفضيل أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان إذا سئل عن شيء لا يعلمه قال لا أدري ، فعن سيدنا جبير بن مطعم (رضي الله عنه) : أن رجلا أتى النبي (صلى الله عليه و سلم) فقال: أي البلاد شر؟ فقال: لا أدري فلما أتى جبريل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال :أي البلاد شر؟ قال: لا أدري حتى أسأل ربي فانطلق جبريل (عليه السلام) فمكث ما شاء الله فقال: يا محمد إنك سألتني أي البلاد شر؟ فقلت: لا أردي وإني سألت ربي فقلت: أي البلاد شر؟ قال: أسواقها، واقتدى الصحابة الكرام بالنبي ( صلى الله عليه وسلم) فعن ابن مسعود ( رضي الله عنه) قال : ” أيُّها النَّاسُ مَن علِم شيئًا فلْيقُلْ به ومَن لَمْ يعلَمْ شيئًا فلْيقُلِ : اللهُ أعلَمُ فإنَّ مِن العلمِ أنْ يقولَ الرَّجُلُ لِمَا لا يعلَمُ : لا أعلَمُ فإنَّ اللهَ جلَّ وعلا قال لنبيِّه (صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) : “قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ”، وعلى هذا سار التابعون ، فعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: “أدركت عشرين ومائة من الأنصار من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يُسْأَلُ أحدهم عن المسألة فيردها هذا إلى هذا، وهذا إلى هذا، حتى ترجع إلى الأول” ، وعن الشعبي والحسن وأبي حَصِين من التابعين قالوا : “إن أحدكم ليفتي في المسألة ولو وردت على عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) لجمع لها أهل بدر”، مشيرًا إلى أن الأدلة قد تضافرت في الكتاب والسنة على حرمة أن يقول الإنسان فيما لا يعلم ، قال تعالى:” وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ” ، وقال تعالى :” قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ” ، لأن الفتيا بدون علم سبب في إضلال كثير من الناس ، لقول النبي ( صلى الله عليه وسلم):” إنَّ اللَّهَ لا يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، ولَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بقَبْضِ العُلَمَاءِ، حتَّى إذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فأفْتَوْا بغيرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وأَضَلُّوا” ، ولخطر الإفتاء وعظيم مكانته سئل الشعبي رحمه الله عن مسألة فقال: لا أدري: فقيل له: ألا تستحي مِن قول “لا أدري” وأنت فقيه العراق؟ فقال: لكن الملائكة لم تستح حين قالوا: “سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا” .