خلال برنامج ندوة للرأي من مسجد السيدة زينب (رضي الله عنها)
علماء الأوقاف يؤكدون :
النفع العام مسئولية مشتركة بين جميع أبناء المجتمع
المصلحة العامة مادية كانت أو معنوية
مقدمة على المصلحة الخاصة
والأعم نفعا مقدم على ما دونه في عموم نفعه
برعاية كريمة من معالي وزير الأوقاف أ.د/ محمد مختار جمعة , وفي إطار التعاون والتنسيق المستمر بين وزارة الأوقاف المصرية والهيئة الوطنية للإعلام في ملف تجديد الخطاب الديني ، ومن خلال الندوات المشتركة بين الوزارة وقطاع القنوات المتخصصة بالتليفزيون ، وفي إطار الدور التثقيفي والتنويري الذي تقوم به وزارة الأوقاف لتجديد الخطاب الديني , ونشر الفكر الوسطي المستنير , نظمت وزارة الأوقاف الثلاثاء 26/ 11 / 2019 م عقب صلاة العشاء من مسجد السيدة زينب ( رضي الله عنها ) بمحافظة القاهرة ندوة للرأي بعنوان : ” مفهوم النفع العام” حاضر فيها كل من : الدكتور / محمد عزت معاون رئيس القطاع الديني بالديوان العام ، والشيخ/ محمود الأبيدي إمام وخطيب بأوقاف القاهرة , والشيخ/ محمد جمال إمام وخطيب مسجد السيدة زينب (رضي الله عنها) , بحضور جمع غفير من رواد المسجد ، وأدار الندوة وقدم لها الإعلامي أ / عمر حرب .
وفي بداية كلمته أكد د/ محمد عزت أن النفع العام مسئولية مشتركة بين جميع أبناء المجتمع ، وأن النفع العام يتمثل في كل ما يعود على أبناء المجتمع من مصلحة عامة , كالمرافق والمنشآت وسائر الخدمات , وشدد الإسلام في الدفاع عن كل ما ينفع الناس ، وتوعد المفسدين بأشد أنواع العقاب , فقال تعالى: ” إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ” , كما حث على استخدام هذه الأمور بالطريقة المثلى , فمثلًا نعمة الماء : والتي تعد من أعظم الأمور التي يتمثل فيها النفع العام , حثنا الخالق (عز وجل ) على الحفاظ على البيئة المائية , وحمايتها من التلوث , قال تعالى: “أَفَرَأَيْتُمُ الْـمَآءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْـمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْـمُنْزِلُونَ لَوْ نَشَآءُ جَعَلْنهُ أُجَاجًا فَلَوْلا تَشْكُرُونَ” فلا بد من الحفاظ على نعمة الماء وعدم الإسراف فيها ، لأنه يحقق مصلحة عامة يعود نفعها على الفرد والمجتمع ، ولا شك أن المصلحة العامة مادية كانت أو معنوية مقدمة على المصلحة الخاصة .
وفي ختام كلمته أشار إلى أن الشأن العام من قبيل المصلحة العامة , وهما أمران ملازمان للوطنية الصادقة والتدين الصحيح ، أما من حيث الوطنية الصادقة فإن مراعاة الشأن العام وحمايته ومراعاة المصلحة الوطنية والحفاظ عليها من أولويات وعلامات وسمات الانتماء الوطني الصادق ، وأما من حيث الفهم الصحيح للدين فإن الحديث في الشأن العام لا يكون إلا من المتخصصين ، لأن الإسلام أكد على احترام أهل العلم والاختصاص ، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى : ” فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ” , وأهل الذكر هم أهل العلم والاختصاص في كل علم من العلوم بحسب المسئول عنه .
وفي كلمته أكد الشيخ/ محمود الأبيدي أن من صور النفع العام التي حث عليها الإسلام ورغب فيها مراعاة حال الناس وواقعهم ، وترتيب الأولويات تلبية لحاجات المجتمع الضرورية والملحة ، فإن كانت حاجة المجتمع إلى بناء المستشفيات وتجهيزها لعلاج الفقراء ورعايتهم فالأولوية لذلك ، وإن كانت حاجة المجتمع لبناء المدارس والمعاهد وصيانتها وتجهيزها فالأولوية لذلك ، وإن كانت الحاجة ماسة لتيسير زواج المعسرين، وسدِّ الدَّين عن المدينين ، وتفريج كروب الغارمين فالأولوية لذلك , فأسعد الناس من أسعد الناس , وخير الناس من يجلب الخير للناس , قال (صلى الله عليه وسلم) : ” المؤمن يألف ويؤلف ، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف ، وخير النَّاس أنفعهم للنَّاس” , فأهل العلم والفقه على أن المتعدي النفع مقدم على قاصر النفع ، والأعم نفعا مقدم على ما دونه في عموم نفعه ، وهو ما يقتضيه ويتطلبه الفهم الصحيح والدقيق لفقه الأولويات , فنحن في حاجة إلى فهم ديننا فهما صحيحا ، وإدراكنا لواقعنا إدراكا واعيا يجعلنا نقدر حجم المخاطر التي تحيط بنا ، ويحملنا على تقديم المصلحة العامة على المصلحة الشخصية بكل إخلاص وتجرد وعدم أنانية ، امتثالًا لتعاليم ديننا الحنيف ، ورغبة في تقدم وطننا ورفعته والنهوض والرقي به إلى المكانة التي تليق به وبأبنائه .
وفي ختام كلمته أشار إلى أن المتدبر لكتاب الله (عز وجل) يدرك أن الحفاظ على المصلحة العامة وتحقيق النفع العام هو منهج الرسل والأنبياء جميعًا ، فما أرسل الله (عز وجل) نبيًّا ولا رسولًا إلا لإبلاغ قومه وإسعادهم وتحقيق الخير لهم دون انتظار لمقابل أو منفعة دنيوية ، قال تعالى على لسان نبيه نوح (عليه السلام) : “وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ”، وقال سبحانه على لسان نبيه هود (عليه السلام) : “يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ” ، وهذا خليل الرحمن إبراهيم (عليه السلام) يتضرع إلى ربه (عز وجل) بدعاء يبين مدى حرصه على نفع الناس ودوام الخير لهم قائلًا :”رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ”، فمن المعلوم أن المقصود من البلد هنا أهلها ، كما دعا لهم بالرزق الذي يغنيهم عن غيرهم ، لأن البلد إذا كان آمنا ، ومطالب الناس الحياتية متوفرة فيه ، ساعد ذلك أهله على طاعة الله بنفوس مستقرة، وقلوب مطمئنة ، تسعى لتحقيق مراد الله (عز وجل) من الخلق بعمارة الأرض وإصلاحها.
وفي كلمته أكد الشيخ/محمد جمال أن الإسلام أعلى من شأن المصلحة العامة ، وقدمها على المصلحة الخاصة ، تخليصا للنفس البشرية من شرور الأنانية المقيتة , فالمتأمل في أول سور القرآن الكريم ترتيبًا وهي فاتحة الكتاب يجد أنها توجه للدعاء بالجمع “إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ” , دعوة للتخلص من الفردية والأنانية لنكون أمة واحدة , وهو المقصد من النفع العام , والذي يكون سببًا في الفوز بجنة الرضوان , فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (رضي الله عنه) عَنْ النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ : ” لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ كَانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ ” , حثًا منه (صلى الله عليه وسلم) وتفعيلًا لروح التكافل والتعاون وأسس العيش المشترك بين أبناء المجتمع ، لأن هذا التكافل والتعاون يحمي مصالح المجتمع العامة ويضمن الحفاظ على استقراره وسلامته وأمنه وأمانه العام والمجتمعي ، ولا يتأتى ذلك إلا بروح المسئولية الجماعية تجاه الوطن ومصالحه .