علماء القافلة الدعوية السابعة عشرة المشتركة بين الأزهر والأوقاف يؤكدون :
التابعون فهموا الدين فهمًا صحيحًا
وصدقوا في محبتهم لسيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
وتعلموا من صحابة الرسول (صلى الله عليه وسلم)
فقه التيسير وطبقوه في حياتهم
برعاية كريمة من فضيلة الإمام الأكبر أ.د/ أحمد الطيب شيخ الأزهر ، ومعالي أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف ، انطلقت اليوم الجمعة 15 / 11 / 2019م القافلة الدعوية السابعة عشرة المشتركة بين علماء الأزهر ووزارة الأوقاف إلى محافظة القاهرة إدارة أوقاف القاهرة الجديدة , لأداء خطبة الجمعة تحت عنوان : ” الإسلام عمل وسلوك نماذج من حياة التابعين” ، وذلك في إطار التعاون المشترك والمثمر بين الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف من أجل تصحيح المفاهيم الخاطئة , ونشر الفكر الوسطي المستنير ، وبيان يسر وسماحة الإسلام ، ونشر مكارم الأخلاق والقيم الإنسانية ، وترسيخ أسس التعايش السلمي بين الناس جميعًا .
فمن على منبر مسجد زاوية الرسول أكد أ.د/ محمد عبد الرحمن محمد الأستاذ بجامعة الأزهر أن الله (عز وجل) يصطفي من عباده من يعمل لدينه ويخلص له ولرسالته ، ولقد أخبر النبي (صلى الله عليهم) أن خيار هذه الأمة هم أصحابه (رضي الله عنهم) ، ثم التابعون ، وتابعوهم ، فعن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) ، قال : قَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : (خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ … ) ، فهؤلاء هم الصفوة الذين وصفوا بالخيرية ، وحملوا أمانة العلم ، يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ ، وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ ، وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ ، ولقد امتدحهم الله (عز وجل) وجمعهم مع صحابة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، ووصفهم بالإحسان ، ورضي عنهم ، ووعدهم جنات تجري من تحتها الأنهار ، فقال تعالى :”وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ”.
ومن على منبر مسجد عبد العظيم لقمة أكد الشيخ/ محمد أحمد عويس عضو مجمع البحوث الإسلامية أن التابعين هم أقرب الناس زمانا من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، فالتابعون هم الجيل التالي لجيل الصحابة ، وأتباع التابعين هم الجيل التالي لجيل التابعين (رضي الله عنهم أجمعين) ، ولله در الإمام البوصيري في قوله :
وكلُّهُم مِنْ رسولِ اللهِ مُقْتَبِـسٌ *** غرفًا مِنَ البَحرِ أو رَشْفًا مِنَ الدِيَمِ
وقد صحب التابعون الصحابة (رضوان الله تعالى عليهم) ، وتعلموا على أيديهم ، وشهد لهم الصحابة (رضي الله عنهم) بالفضل والعلم ؛ ومن ذلك شهادة ابن عمر (رضي الله عنه) لسعيد بن المسيب (رضي الله عنه) بقوله : ” هو والله أحد المفتين”، وكان يقول : ” سَلُوا سعيد بن المسيب ؛ فإنه قد جالس الصالحين ” ، وكان سعيد بن المسيب (رحمه الله) يُفتي والصحابة أحياء . وكان عطاء بن أبي رباح يجلس للفتيا في مكة بعد وفاة حبر الأمة عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما)، فلما قدم ابن عمر (رضي الله عنهما) مكة ، فسألوه ، فقال : أتجمعون لي يا أهل مكة المسائل ، وفيكم ابن أبي رباح ؟ .
ومن على منبر مسجد الرحمن بالتجمع الأول أكد الشيخ/محمد نبيل أبو الخير عضو مجمع البحوث الإسلامية أن التابعين يعرفون بـصدق محبتهم لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، فقد كان الحسن البصري (رحمه الله) إذا حدَّث بحديث الجذع – وحنينه إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) – بَكى ، وَقَالَ : يَا عباد الله ، الْخَشَبَة تحن إِلَى رَسُول الله (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) شوقا إِلَيْهِ ، فَأنْتم أَحَق بذلك ، وَأَن تشتاقوا إِلَى لِقَائِه ، وقد سئل الإمام مالك (رحمه الله) : متى سمعت من أيوب السختياني؟ فقال : حج حجتين ، فكنت أرمقه ولا أسمع منه ، غير أنه كان إذا ذكر النبي (صلى الله عليه وسلم) بكى حتى أرحمه … وكان بلغ من توقيرهم للنبي (صلى الله عليه وسلم) أنهم لا يحدثون بحديثه إلا وهم على أحسن حال وأفضل هيئة ، وقد تربى أتباعهم على ذلك ، قال أبو سلمة الخزاعي (رحمه الله) : كان مالك بن أنس إذا أراد أن يخرج ليحدث توضأ وضوءه للصلاة ، ولبس أحسن ثيابه ، ومشط لحيته ، فقيل له في ذلك ، فقال : أوقر به حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) .
ومن على منبر مسجد تقوى القلوب بالتجمع الخامس أشار الدكتور/أحمد عبد الهادي علي حسن بديوان عام الوزارة إلى أن التابعين (رحمهم الله) تعلموا من صحابة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فهم الدين فهما صحيحًا ، فهذا الإمام الحسن البصري (رحمه الله) – وهو من كبار التابعين – عندما سئل : أمؤمن أنت؟ قال : ” الإيمان إيمانان ؛ فإن كنت تسألني عن الإيمان بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، والجنة ، والبعث ، والحساب ، أنا مؤمن، وإن كنت تسألني عن قول الله (عز وجل) : {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً} ، فوالله ما أدري أنا منهم أم لا ، قال البيهقي معلقًا : فلم يتوقف الحسن في أصل إيمانه في الحال ، وإنما توقف في كماله الذي وعد الله (عز وجل) أهله بالجنة ، في قوله تعالى : {لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} .
ومن على منبر مسجد طيبة بالتجمع الخامس بين الدكتور/ دسوقي عبد الحليم توفيق بمديرية أوقاف الجيزة أن التابعين (رحمهم الله) تعلموا من صحابة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقه التيسير ، وطبقوه في حياتهم ، يقول سفيان الثوري (رحمه الله): إنَّما العلم عندنا الرخصة من ثقة , فأما التشديد فيُحسنه كل أحد ، وقال الأزرق بن قيس : كنا على شاطئ نهر بالأهواز قد نضب عنه الماء ، فجاء أبو برزة الأسلمي على فرس فصلى وخلى فرسه ، فانطلقت الفرس فترك صلاته ، وتبعها حتى أدركها ، فأخذها ، ثم جاء فقضى صلاته ، وفينا رجل له رأي ، فأقبل يقول : انظروا إلى هذا الشيخ ، ترك صلاته من أجل فرس ! فأقبل ، فقال : ما عنفني أحد منذ فارقت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، وقال : إن منزلي متراخ ، فلو صليت وتركت فرسي ، لم آتِ أهلي إلى الليل ، وقد تعلم ذلك من النبي (صلى الله عليه وسلم) الذي ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما مالم يكن إثما ، وهو القائل (صلى الله عليه وسلم) : (يَسِّروا ، ولا تُعسّروا، وَبشِّروا ، ولا تُنفّروا) ، وقوله (صلى الله عليه وسلم) : (إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُوْنُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ) .
ومن على منبر مسجد آل شكر بالتجمع الأول وضح الدكتور/محمود محمد مندوه بمديرية أوقاف الجيزة أن التابعين كانوا قدوة طيبة لمن جاء بعدهم من الأئمة ، فهذا الإمام مالك بن أنس (رضي الله عنه) – وهو من تابعي التابعين – قد طلب منه أبو جعفر المنصور (رحمه الله) اعتماد كتابه ” الموطأ ” في مختلف البلاد الإسلامية ، قائلا : إني عزمت أن آمر بكتبك هذه التي وضعتها – يعني الموطأ- فتُنْسَخُ نُسَخًا ، ثم أبعث إلى كل مِصْرٍ من أمْصَار المسلمين منها بنسخة ، وآمرهم أن يعملوا بما فيها ، لا يتعدونه إلى غيره ، وَيَدَعُوا ما سوى ذلك من هذا العلم المحْدَثِ ، فإني رأيت أصل العلم رواية أهل المدينة وعلمهم ، فقال الإمام مالك : يا أمير المؤمنين ، لا تفعل هذا ، إن الناس قد سبقت إليهم أقاويل ، وسمعوا أحاديث ، ورووا روايات ، وأخذ كل قوم منهم بما سبق إليهم ، وعملوا به ، ودانوا به من اختلاف الناس وغيرهم ، وإنَّ ردَّهُمْ عَمَّا اعتقدوه تشديد ، فَدَعِ الناس وما هم عليه ، وما اختار أهل كل بلد منهم لأنفسهم ، فقال : لعمري ! لو طاوعتني على ذلك لأمرت به .