علماء القافلة الدعوية الخامسة عشرة المشتركة بين الأزهر والأوقاف يؤكدون : كان النبي (صلى الله عليه وسلم) أنموذجًا تطبيقيًّا لصحيح الإسلام في إنسانيته وأخلاقه وحسن تعامله مع غير المسلمين
برعاية كريمة من فضيلة الإمام الأكبر أ.د/ أحمد الطيب شيخ الأزهر ، ومعالي أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف ، انطلقت اليوم الجمعة 1 / 11 / 2019م القافلة الدعوية الخامسة عشرة المشتركة بين علماء الأزهر ووزارة الأوقاف إلى محافظة القاهرة إدارة أوقاف القاهرة الجديدة , لأداء خطبة الجمعة تحت عنوان : ” حياة النبي (صلى الله عليه وسلم) أنموذج تطبيقي لصحيح الإسلام” ، وذلك في إطار التعاون المشترك والمثمر بين الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف من أجل تصحيح المفاهيم الخاطئة , ونشر الفكر الوسطي المستنير ، وبيان يسر وسماحة الإسلام ، ونشر مكارم الأخلاق والقيم الإنسانية ، وترسيخ أسس التعايش السلمي بين الناس جميعًا.
فمن على منبر مسجد طيبة بالتجمع الخامس أكد د/ نوح عبد الحليم العيسوي رئيس الإدارة المركزية لشئون المساجد والقرآن الكريم بالديوان العام أن المتدبر لسـيرة النبي (صلى الله عليه وسلم) يجد أنه كان خير أسوة وقدوة في كل أحواله ، وأقواله ، وأفعاله ، ومن ذلك : وفاؤه (صلى الله عليه وسلم) : فقد كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أوفى الناس ، فلم يتنكر يومًا لأحد ، ولم ينس يومًا فضل أحد ، وكافأ كل صاحب جميل على جميله , ومن مظاهر وفائه (صلى الله عليه وسلم) ما كان منه (صلى الله عليه وسلم) لأم المؤمنين السيدة خديجة (رضي الله عنها) ؛ فقد كان محبًّا ومقدرًا ووفيًّا لها في حياتها ، وبعد وفاتها ، يقول (صلى الله عليه وسلم) موضحا مكانتها : (مَا أَبْدَلَنِي اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) خَيْرًا مِنْهَا ، قَدْ آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِي النَّاسُ ، وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ ، وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ ، وَرَزَقَنِي اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) وَلَدَهَا إِذْ حَرَمَنِي أَوْلَادَ النِّسَاءِ) ، وتقول السيدة عائشة (رضي الله عنها) : ” مَا غِرْتُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ، مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ ، وَمَا رَأَيْتُهَا ، وَلَكِنْ كَانَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يُكْثِرُ ذِكْرَهَا ، وَرُبَّمَا ذَبَحَ الشَّاةَ ، ثُمَّ يُقَطِّعُهَا أَعْضَاءً ، ثُمَّ يَبْعَثُهَا فِي صَدَائِقِ خَدِيجَةَ , ومن وفائه (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ما قاله قبل وفاته في أبي بكر الصديق : (مَا لأَحَدٍ عِنْدَنَا يَدٌ إِلاَّ وَقَدْ كَافَيْنَاهُ ، مَا خَلاَ أَبَا بَكْرٍ فَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا يَدًا يُكَافِئُهُ اللَّهُ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ).
ومن على منبر مسجد الفردوس بالتجمع الخامس أكد أ.د / علي حسين علي عبد النبي بجامعة الأزهر أن من مظاهر وفائه (صلى الله عليه وسلم) وفاؤه مع غير المسلمين ، ففي يوم بدر قال (صلى الله عليه وسلم): (لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ بنُ عَديٍ حَيًّا، فَكَلَّمَنِي فِي هَؤُلَاءِ الأسْرَى لَأَطْلَقْتُهُمْ) ، وكان للمطعم جميل عند رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، حيث دخل (صلى الله عليه وسلم) مكة في جواره بعد عودته من رحلة الطائف , وأكثر من هذا وفاؤه (صلى الله عليه وسلم) مع أعدائه حتى في وقت الحرب، فعن حُذَيْفَة بْن الْيَمَانِ (رضي الله عنه) ، قَالَ : مَا مَنَعَنِي أَنْ أَشْهَدَ بَدْرًا إِلَّا أَنِّي خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِي، فَأَخَذَنَا كُفَّارُ قُرَيْشٍ ، قَالُوا : إِنَّكُمْ تُرِيدُونَ مُحَمَّدًا ، فَقُلْنَا : مَا نُرِيدُهُ ، مَا نُرِيدُ إِلَّا الْمَدِينَةَ ، فَأَخَذُوا مِنَّا عَهْدَ اللهِ وَمِيثَاقَهُ لَنَنْصَرِفَنَّ إِلَى الْمَدِينَةِ ، وَلَا نُقَاتِلُ مَعَهُ، فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ، فَأَخْبَرْنَاهُ الْخَبَرَ ، فَقَالَ (صلى الله عليه وسلم) : (انْصَرِفَا ، نَفِي لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ ، وَنَسْتَعِينُ اللهَ عَلَيْهِمْ) .
ومن على منبر زاوية الرسول بالقاهرة الجديدة أكد د / عمرو عبد الغفار الكمار أن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان أنموذجًا فريدًا ، وأسوة طيبة في تعامله مع أزواجه ، فقد عاش النبي (صلى الله عليه وسلم) مع أزواجه حياة طيبة، تجلت فيها كل مظاهر المودة، والرحمة ، والتواضع ولِين الجانب ، فلم يتعال (صلى الله عليه وسلم) على أزواجه، ولم يترفع عليهن ، بل أحسن معاملتهن جميعًا، منطلقًا في ذلك كله من قول الله (عز وجل) : (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) ، ومن قوله سبحانه : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) , فكان (صلى الله عليه وسلم) زوجًا عطوفًا ، يتلطف مع نسائه ، وفي مشهد إنساني رائع لزوج حنون مع زوجه ، يرفع النبي (صلى الله عليه وسلم) أثر البكاء عن أم المؤمنين السيدة صفية (رضي الله عنها) ، فَيمْسَحُ بِيَدَيْهِ الشريفتين عَيْنَيْهَا، ويهدئ من روعها، يقول سيدنا أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ (رضي الله عنه): (كَانَتْ صَفِيَّةُ مَعَ رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فِي سَفَرٍ ، وَكَانَ ذَلِكَ يَوْمَهَا، فَأَبْطَأْتُ فِي الْمَسِيرِ ، فَاسْتَقْبَلَهَا رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَهِيَ تَبْكِي وَتَقُولُ : حَمَلْتَنِي عَلَى بَعِيرٍ بَطِيءٍ ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَمْسَحُ بِيَدَيْهِ عَيْنَيْهَا، وُيُسْكِتُهَا) .
ومن على منبر مسجد قباء بالتجمع الخامس بين د/ محمد أحمد حامد بالديوان العام أن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان أسوة وقدوة طيبة في تعامله مع أبنائه وأحفاده ، فما أعظمه (صلى الله عليه وسلم) أبًا وجدًّا رحيمًا ، يحمل لأبنائه وأحفاده كل معاني الحب والعطف والرحمة ، تقول أم المؤمنين السيدة عائشة (رضي الله عنها) : (مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَشْبَهَ سَمْتًا وَدَلاًّ وَهَدْيًا بِرَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) مِنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) ، قَالَتْ : وَكَانَتْ إِذَا دَخَلَتْ عَلَى النَّبِيُّ (صلى الله عليه وسلم) ، قَامَ إِلَيْهَا ، فَقَبَّلَهَا ، وَأَجْلَسَهَا فِي مَجْلِسِهِ… ) , وعن أبي هُرَيْرَةَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) ، قَالَ : قَبَّلَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) الحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ، وَعِنْدَهُ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ جَالِسًا ، فَقَالَ الأَقْرَعُ : إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنَ الوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ، ثُمَّ قَالَ : (مَنْ لاَ يَرْحَمُ لاَ يُرْحَمُ) ، وسجد ( صلى الله عليه وسلم) يومًا ، فأطال السجود ، فلما قضى الصلاة ، قَالَ النَّاسُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، لَقَدْ سَجَدْتَ فِي صَلاَتِكَ هَذِهِ سَجْدَةً مَا كُنْتَ تَسْجُدُهَا ، أَفَشَيْءٌ أُمِرْتَ بِهِ ؟ أَوْ كَانَ يُوحَى إِلَيْكَ؟ ، فقَالَ (صلى الله عليه وسلم): (كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ ؛ وَلَكِنِ ابْنِي ارْتَحَلَنِي ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَعْجَلَهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ) .
ومن على منبر مسجد تقوى القلوب بالتجمع الخامس وضح د/ حمادة جابر قناوي بمديرية أوقاف القاهرة أن النبي (صلى الله عليه وسلم) مثلا يحتذى في حسن معاملته لأصحابه ، فكان يشاركهم في أفراحهم، وأحزانهم ، ويتفقد غائبهم، ويعود مريضهم ، ويهتم بشئونهم ، ويراعي مشاعرهم في كل شئون حياتهم ، فعَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ (رضي الله عنه) ، قَالَ : قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ (رضي الله عنه) : أَكُنْتَ تُجَالِسُ رَسُولَ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)؟ قَالَ : نَعَمْ ، كَثِيرًا، كَانَ لَا يَقُومُ مِنْ مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الصُّبْحَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ، فَإِذَا طَلَعَتْ قَامَ، وَكَانُوا يَتَحَدَّثُونَ ، فَيَأْخُذُونَ فِي أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ ، فَيَضْحَكُونَ ، وَيَتَبَسَّمُ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) .
ومن على منبر مسجد آل شكر بالتجمع الأول أشار الشيخ/ محسن السيد محمد بمديرية أوقاف القاهرة إلى أن المتأمل في أحكام الشريعة التي دعا إليها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يرى منهج الاعتدال والوسطية واضحًا في كل مجالاتها، تقول أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها) : (مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا ، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا ، فَإِذَا كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ عنه) ، وقال (صلى الله عليه وسلم) : (إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا، وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ، وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ)، ومن أجل المحافظة على تلك الوسطية ، وذلك الاعتدال حذر النبي (صلى الله عليه وسلم) من كل مظاهر الغلو، وخاصة الغلو في التدين، فأنكر على من بالغ من أصحابه (رضوان الله عليهم) في التعبد مبالغةً تخرجه عن حدّ الاعتدال ، فقال (صلى الله عليه وسلم) : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ: إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ) .