وزير الأوقاف خلال خطبة الجمعة من مسجد ” الشهداء ” بمحافظة الإسماعيلية : المسلم الحقيقي خير لوطنه ومن لا خير فيه لوطنه لا خير فيه أصلا والإسلام وازن بين العبادة وعمارة الكون والمسلم رحمة للإنسان والحيوان والشجر والحجر والكون كله
في إطار دور وزارة الأوقاف التنويري والتثقيفي ، ومحاربة الأفكار المتطرفة ، وغرس القيم الإيمانية والوطنية الصحيحة ، ألقى معالي وزير الأوقاف أ. د/ محمد مختار جمعة اليوم الجمعة 25/ 10 / 2019م خطبة الجمعة بمسجد ” الشهداء” بمحافظة الإسماعيلية تحت عنوان : ” هذا هو الإسلام “، بحضور السيد المهندس / أحمد عصام الدين نائب السيد محافظ الإسماعيلية ، والسيد اللواء / تامر سعيد السكرتير العام للمحافظة , والشيخ / مجدي بدران مدير مديرية أوقاف الإسماعيلية ، ولفيف من القيادات التنفيذية، والشعبية بالمحافظة ، وعدد من قيادات الدعوة والأئمة بالمحافظة.
وفي بداية خطبته أكد معالي وزير الأوقاف أ. د/ محمد مختار جمعة أن المؤمن من أمنه الناس على أنفسهم وأموالهم ، والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده ، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه ، فعن سيدنا عمر بن الخطاب (رضى الله عنه ) قَالَ: بينما نحن عند رَسُول اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم) ذات يوم ، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب ، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إِلَى النبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم) فأسند ركبتيه إِلَى ركبتيه ووضع كفيه عَلَى فخذيه (جلوس إنسان واثق متمكن ، وهذا ما يزيد الأمر غرابة) وقَالَ: يا محمد أخبرني عَنْ الإسلام؟ فقَالَ رَسُول اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم ): “الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رَسُول اللَّهِ ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا” قَالَ : صدقت ، فعجبنا له يسأله ويصدقه ! قَالَ : فأخبرني عَنْ الإيمان؟ قَالَ : “أن تؤمن باللَّه وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر؛ وتؤمن بالقدر خيره وشره” قَالَ : صدقت ، قَالَ : فَأَخْبِرْنِي عَنْ الْإِحْسَانِ قَالَ:” أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ” ثم انطلق فلبثت مليا ثم قَالَ: “يا عمر أتدري مِنْ السائل؟” قلت : اللَّه ورسوله أعلم. قَالَ: “فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم”، فالإيمان أن تؤمن بالله ، وملائكته ، وكتبه جميع كتبه كل ما أنزله الله على رسله فما ذكره إجمالا نؤمن به إجمالا ، وما ذكره تفصيًلا نؤمن به تفصيًلا ، ورسله جميع رسله ، ليس هذا فحسب ولكن دون تفريق بين أحد من رسله ، فموسى كليم الله ، وعيسى رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وإبراهيم خليل الله ، وزكريا ويحيى وإسماعيل ، منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك، فنؤمن بجميع الأنبياء ، ونؤمن بسيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم ) أنه خاتم الأنبياء والمرسلين.
كما ذكر معاليه أن للإسلام معنيين : معنى خاص وهو ما جاء في حديث سيدنا جبريل (عليه السلام) : أن تشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رَسُول اللَّهِ ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا ، ثم تأخذ بالسعي في الكون لعمارة الحياة ، وتعمير الكون ، فالدين يسر سهل هين لين لا فلسفات معقدة ، هذا هو الإسلام، فبينما كان رسول الله جالسًا بين أصحابه إذ قال : “سيدخل الآن رجل من أهل الجنة” ، ودخل صحابي يقطر وجهه من الوضوء ، وتكرر ذلك ثانية ثم تكرر للمرة الثالثة ، فأراد سيدنا عبد الله بن عمرو بن العاص (رضي الله عنهما) أن يعرف ما الذي يتميز به هذا الرجل ، ولهذا نزل عليه ضيفًا ثلاثة أيام ، ثم سأله عن السبب وراء كونه من أهل الجنة ، فلم يذكر الرجل رضي الله عنه شيئا ، إلا أن قال : إني كل ليلة أبيت وليس في قلبي حقد ولا حسد ولا بغضاء لأحد”. فالإسلام ليس فيه تعقيد وإنما توازن بين العبادة وبين عمارة الكون ، قال تعالى :” فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ “، فلا رهبانية في الإسلام ، فالإسلام فن صناعة الحياة وفن عمارة الكون .
كما بين معاليه أن المعنى الثاني للإسلام معنى عام أعمق وأوسع وهو ما بينه النبي (صلى الله عليه وسلم ) في قوله : ” الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الناس مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ” ، فلا يمكن أن يكون مؤذيًا لشجر ولا حجر ولا غيره ، فالمسلم الحقيقي لا يمكن إلا أن يكون سلمًا مع نفسه ، ومع أهله ومع زملائه، خيرهم لأبنائه ، خيرهم لوطنه ومن لا خير فيه لوطنه لا خير فيه أصًلا، سلمًا للحجر والشجر وللكون كله ، ولهذا أقسم رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) ثلاث مرات: “واللَّهِ لا يُؤْمِنُ، واللَّهِ لا يُؤْمِنُ، واللَّهِ لا يُؤْمِنُ، قِيلَ: مَنْ يا رسولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الَّذي لا يأْمنُ جارُهُ بَوَائِقَهُ”، وقد قيل للنبي (صلى الله عليه وسلم ): يا رسول الله إن فلانة تقوم الليل ، وتصوم النهار ، وتتصدق ، إلا أنها تؤذي جيرانها بلسانها، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): ” لا خير فيها ، هي من أهل النار” ، فالإسلام حركة حياة لعمارة الكون بحياة اجتماعية آمنة ومستقرة ، بغض النظر عن الدين أو اللون أو العرق، والإسلام كرم بني آدم جميعًا ، قال تعالى :” وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ” هذا هو الإسلام.
وفي سياق متصل أشار معاليه إلى أن الإسلام رحمة كله ، عدل كله ، فالمسلم رحمة للإنسان والحيوان ، للشجر والحجر وللكون كله ، والمسلم كتلة من الرحمة تسير في كون الله تعالى ، كما بين معاليه : أن الإسلام حرم قتل النفس أيا كانت مسلمة أو غير مسلمة ، قال تعالى :” وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ” أي نفس ، كما ينبغي للمسلم ألا يتكلم إلا بالخير قال تعالى :” وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا”، فالمسلم الحقيقي أنموذج في الخير ينبغي أن يحتذى به.
كما بين معاليه أن اللسان له وظيفتان الكلام والطعام، والمسلم ينبغي ألا يأكل حرامًا ، ولا يتكلم إلا بالتي هي أحسن ، فإن فعل ذلك ضمن له رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) الجنة حيث قال :” منْ ضَمِنَ لي ما بينَ لَحْيَيْهِ ورجليهِ ضَمِنْتُ لهُ الجنَّة”، مفرقًا معاليه بين الهمزة واللمزة بفتح الميم فيهما وسكونها ، فبالفتح تعني الهامز واللامز، وبالسكون تعني المهموز والملموز ، وقد يكون هامز اليوم مهموز الغد ، فدوام الحال من المحال ، والتطاول على خلق الله خروج عن منهج الله تعالى ، بل وكفران للنعمة، ولا سيما عندما تفعل الجماعات المتطرفة بالتطاول على الوطن ، ومحاولة هدمه بالهمز واللمز والشائعات والأكاذيب ، لذا فإن كشفهم واجب شرعي ، والمسلم ليس فحاشًا ولا متطاولا ، يمد يديه بالخير ، كما قالت أم المؤمنين السيدة خديجة (رضي الله عنها) حيث قالت :” كلا أبشر، فو الله لا يخزيك الله أبدا؛ إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق”، وكم عفا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عمن ظلموه ، وأعطى من منعوه ، ووصل من قطعوه ، قال تعالى :” لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ”، مختتمًا معاليه خطبته بالدعاء لمصرنا الحبيبة وسائر بلاد العالمين.