وزير الأوقاف خلال برنامج ندوة للرأي من مسجد السيدة نفيسة (رضي الله عنها ) : المسلم الحقيقي سلم للحجر والشجر وللكون كله وعدم التعرض للنيل من الآخرين من الآداب التي ينبغي أن يتحلى بها الإنسان
أ . د/ أحمد عكاشة :
أقل نسبة انتحار في العالم في البلاد الإسلامية
بفضل الإيمان بالله (تعالى)
في إطار التعاون والتنسيق المستمر بين وزارة الأوقاف المصرية والهيئة الوطنية للإعلام في ملف تجديد الخطاب الديني ، ونشر الفكر الوسطي المستنير ، والاهتمام بالقضايا التثقيفية والتنويرية التي تخدم الدين والمجتمع ، ومن خلال الندوات المشتركة بين الوزارة وقطاع القنوات المتخصصة بالتليفزيون المصري نظمت وزارة الأوقاف الثلاثاء 22 / 10 / 2019م بعد صلاة العشاء من مسجد السيدة نفيسة (رضي الله عنها) بمحافظة القاهرة ندوة للرأي بعنوان : ” عناية الإسلام بالصحة العامة ” ، حاضر فيها كل من : معالي وزير الأوقاف أ.د/ محمد مختار جمعة ، و أ.د/ أحمد عكاشة أستاذ الطب النفسي بكلية الطب جامعة عين شمس ، وبحضور اللواء / شكري الجندي وكيل اللجنة الدينية بمجلس النواب ، والشيخ / خالد خضر وكيل وزارة الأوقاف بالقاهرة، و د/ خالد صلاح وكيل مديرية أوقاف القاهرة ، وجمع غفير من رواد المسجد ، وأدار الندوة وقدم لها الإعلامي أ / عمر حرب .
وفي بداية كلمته أكد معالي وزير الأوقاف أ.د/ محمد مختار جمعة أنه في إطار الحملة العالمية (هذا هو الإسلام) التي أطلقتها وزارة الأوقاف بعشرين لغة ، وبمشاركة واسعة من الباحثين وبحضور وزراء ومفتين من مختلف دول العالم ، وتحت هذا المفهوم الواسع تأتي هذه الندوة حول موضوع في غاية الأهمية وهو الصحة ، وبصفة أخص عن موضوع :”رفع الوصمة عن المريض النفسي بصفة خاصة وعن المريض بصفة عامة ، و ذكر أن للإسلام معنيين: معنى خاص وهو شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدًا رسول الله ، وإقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصيام رمضان ، وحج البيت ، وله معنى عام أعمق وأوسع: وهو ما بينه النبي (صلى الله عليه وسلم ) في قوله : ” الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الناس مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ” ، فالمسلم الحقيقي لا يمكن إلا أن يكون سلمًا مع نفسه ، ومع أهله ومع زملائه، سلمًا للحجر والشجر وللكون كله ، وهذا مقياس صحة الإسلام ، فإن كان الإنسان يكف أذاه عن الناس فهو مسلم صحيح الإسلام ، فقد قيل للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله إن فلانة تقوم الليل وتصوم النهار وتتصدق إلا أنها تؤذي جيرانها بلسانها، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): “لا خير فيها ، هي من أهل النار” ، مؤكدًا معاليه أن من يتسم في مظهره بشكل يتصور منه أنه شكل الإسلام ليظهر بمظهر المتدين ، وأخلاقه لا تتسق مع أخلاق الإسلام ، فهو يصد عن سبيل الله ، إذ المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ، مبينًا معاليه أن الأذى الذي يتوجه للغير إما أن يكون بالقول أو الفعل، والقول من خلال اللسان ، لذا لما سأل سيدنا معاذ بن جبل (رضي الله عنه ) سيدنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وإنَّا لمؤاخَذونَ بما نتَكَلَّمُ بِهِ ؟ فقالَ : “ثَكِلَتكَ أمُّكَ يا معاذُ ، وَهَل يَكُبُّ النَّاسَ في النَّارِ على وجوهِهِم أو على مَناخرِهِم إلَّا حَصائدُ ألسنتِهِم ” فشطحات اللسان من أخطر الأمور على العبد ، وأما الفعل فاليد رمز له، فكل من لم يسلم الناس من لسانه ويده فليس بمسلم صحيح الإسلام ، ولا بكامل الإسلام بل يكون صادًا عن سبيل الله .
كما بين معاليه أن الصحة نعمة عظيمة من نعم الله على الإنسان ، وهي تاج على رؤوس الأصحاء لا يعلم حقيقتها إلا من افتقدها ، ولهذا إذا أصيب الإنسان بأذى في عينه قال : كل شىء يهون إلا أذى العيون ، وكذا إذ أصيب في سمعه يقول إلا السمع ، يقول النبي (صلى الله عليه وسلم ) : (نِعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من النَّاسِ: الصِّحَّةُ والفراغُ) والنعمة تزيد بالشكر وتزول بالحجود والكفران ، قال تعالى :” وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ” وقد علم النبي الأمة كيفية شكر النعمة فقال (صلى الله عليه وسلم ) :” يصْبِحُ عَلى كُلِّ سُلامَى مِنْ أَحدِكُمْ صَدَقةٌ: فكُلُّ تَسْبِيحةٍ صدقَةٌ، وكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وكُلُّ تَكْبِيرةٍ صدقَةٌ، وَأَمْرٌ بِالمعْرُوفِ صَدقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنِ المُنكَرِ صدقَةٌ. وَيُجْزِيءُ مِنْ ذلكَ ركْعتَانِ يَرْكَعُهُما منَ الضُّحَى”، وشكر النعمة ينبغي أن يكون من جنس النعمة ، فشكر المال بالإنفاق ، وشكر العلم أن تنشره للمحتاجين، وشكر نعمة الصحة أن تعاون الضعيف ، وأن تسير مع المحتاج بقوة ساقيك ، وترفع معه بقوة ذراعيك ، والضعيف ينبغي أن يدعو له، وعلى الأقل الدعاء بالمعافاة ، وقديمًا قالوا :
لا تظهر الشماتة بأخيك فيعافيه الله ويبتليك وصحيح اليوم قد يكون مريض الغد ، والأيام متقلبة، ومريض اليوم قد يكون صحيح الغد، ومن الآداب التي ينبغي أن يتحلى بها الإنسان الرضا وعدم التعرض للنيل من الآخرين من خلال السخرية، قال تعالى :” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ” أو من خلال الهمز واللمز يقول :” وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ” وقد ساوى القرآن الكريم بين من يأكل أموال الناس بالتطفيف في الميزان وبين من يتعرض للناس بالهمز واللمز ، فحري بالمسلم أن يتحلى بالآداب التي حث عليها الإسلام ، فالإسلام فن صناعة الحياة لا صناعة الموت.
وفي كلمته أكد أ.د/ أحمد عكاشة أن المريض النفسي مريض مرض عضوي مثله مثل أي مرض آخر قابل للشفاء ، واستجابة هذا المرض للعلاج استجابة لا نظير لها ، ولا علاقة له بالسحر ولا بالحسد ، وإذا تم إحسان المعاملة معه ومعالجته فإنه يزيد الناتج القومي 2% من الاقتصاد الكلي ، ومن علامات المرض النفسي : الاكتئاب بمعنى زوال البهجة من الحياة ، فلا يستطيع أن يسعد بحياته ، ونسبة الانتحار بين المكتئبين تصل إلى 15% ، وعدد المنتحرين مليون شخص في العام طبقًا لما ذكرته منظمة الصحة العالمية ، وأن أقل نسبة انتحار في العالم في البلاد الإسلامية بفضل الإيمان بالله (تعالى )، مستبعدًا سيادته أن تكون للتربية علاقة بالمرض النفسي رغم كونها مؤثرة إلا أنها ليست السبب الرئيس ، كما أن المريض النفسي ليس عنيفًا .
كما أكد سيادته أن بعض المرضى النفسيين بعد العلاج يعود إلى حال أفضل من سابق عهده ، لأنه لا يوجد عنده عائق ذهني ، بل إن أحد الحاصلين على جائزة نوبل كان يعاني من مرض نفسي وهو مرض الفصام .