خلال برنامج ندوة للرأي من مسجد مولانا الإمام الحسين (رضي الله عنه) بمحافظة القاهرة
أ.د/ محمد سالم أبو عاصي :
واجب الوقت تصحيح المفاهيم الخاطئة عن الإسلام
د/ السيد حسين عبد الباري :
التعايش والوئام هدف عظيم من أهداف الإسلام
برعاية كريمة من معالي وزير الأوقاف أ.د/ محمد مختار جمعة , وفي إطار التعاون والتنسيق المستمر بين وزارة الأوقاف المصرية والهيئة الوطنية للإعلام في ملف تجديد الخطاب الديني ، ومن خلال الندوات المشتركة بين الوزارة وقطاع القنوات المتخصصة بالتليفزيون وفي إطار الدور التثقيفي والتنويري الذي تقوم به وزارة الأوقاف لتجديد الخطاب الديني , ونشر الفكر الوسطي المستنير , وبالتعاون مع الهيئة الوطنية للإعلام , وقطاع القنوات المتخصصة بالتليفزيون المصري , نظمت وزارة الأوقاف مساء أمس الثلاثاء 15 / 10 / 2019م بعد صلاة العشاء من مسجد مولانا الإمام الحسين (رضي الله عنه) بمحافظة القاهرة ندوة للرأي بعنوان : ” هذا هو الإسلام” ، حاضر فيها كل من : أ.د/ محمد سالم أبو عاصي الأستاذ بكلية أصول الدين وعميد كلية الدراسات العليا السابق ، و د/ السيد حسين عبد الباري رئيس الإدارة المركزية لشئون الدعوة ، بحضور جمع غفير من رواد المسجد ، حرصًا منهم على تعلم أمور دينهم والتعرف على مبادئ الدين الحنيف ، وأدار الندوة وقدم لها الإعلامي أ / عمر حرب .
وفي كلمته أكد أ.د/ محمد سالم أبو عاصي أن الإسلام له عقيدة ثابتة وشريعة مستقرة ، لكن أعداء الإسلام يصورون الإسلام بصورة خاطئة ، لذا كان من واجب الوقت تصحيح هذه الصورة الخاطئة بتصحيح المفاهيم ، مشيرًا سيادته إلى قضية الجهاد في الإسلام والحرية العقدية ، وأنه لا يجوز أبدًا أن يُكره أحد على الدخول في الدين قال تعالى :” لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ “، والإيمان محله ومستقره القلب ، ولا يمكن فتح قلب إنسان وقذف الإيمان فيه ، وقد أمر الله (تعالى) الناس بالإيمان ، والتكاليف الشرعية لا يمكن أن تأتي إلا من قلب راض مليء بالإيمان ، فالله (عز وجل) يريد إيمانًا حقيقيًا مستقرًّا في القلوب ، مبينا سيادته أن الجهاد نوعان في الإسلام : جهاد المحاورة حيث قال الله (عز وجل) لنبيه (صلى الله عليه وسلم ) :” وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا” والضمير في به يعود إلى القرآن الكريم ، أي جاهدهم بالقرآن الكريم جهاد مناقشة ومحاورة ، قال تعالى :” وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ” ، فينبغي أن نعرض الصورة السمحة للإسلام كاملة وبخصائصه الحقيقية ، والنوع الثاني : الجهاد القتالي وشرع هذا النوع من الجهاد في المدينة لحكم سامية ، حيث كانت لرسول الله (صلى الله عليه وسلم ) دولة مكونة من شعب وأرض ودستور ، وكفل دستور المدينة الحرية الدينية :”للمسلمين دينهم ولليهود دينهم”، فشرع الجهاد للدفاع عن الأرض والعرض والنفس ، فليس الجهاد لفرض الإسلام أو إكراه الخلق على الدخول في دين الله (تعالى) ، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم ) :” أَيُّهَا النَّاسُ، لا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ، وَاسْأَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ”، فهذا هو الإسلام إسلام السلم لا الحرب ، فالله لا يحب المعتدين.
وفي سياق متصل أشار سيادته إلى أن الإنسان ينبغي أن لا يحكم على غيره ، إذ العبادة التي تفرح بها وتريد أن تلزم الناس بها ليست مناط الفرحة ، وإنما ينبغي الفرح بأن الله تعالى هو الذي وفق للطاعة ، والمتطرفون دخلوا من هذا الباب فظنوا أنهم العُباد وأنهم هم الذين يفهمون الإسلام ، فسمعنا فلانًا ملتزمًا وفلانًا غير ملتزم ، مستشهدًا بما ورد عن سيدنا أبي هريرة (رضي الله عنه ) أنه قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول : “كانَا رجلانِ في بني إسرائيلَ مُتواخيينِ فكانَ أحدُهما يذنِبُ والآخَرُ مجتهدٌ في العبادةِ فكانَ لا يزالُ المُجتهدُ يرى الآخرَ على الذَّنبِ فيقولُ أقصِر فوجدَهُ يومًا على ذنبٍ فقالَ لهُ أقصِر فقالَ خلِّني وربِّي أبُعِثتَ عليَّ رقيبًا فقالَ واللَّهِ لا يغفرُ اللَّهُ لكَ أو لا يدخلُكَ اللَّهُ الجنَّةَ فقبضَ أرواحَهما فاجتمعا عندَ ربِّ العالمينَ فقالَ لهذا المُجتهدِ أكنتَ بي عالِمًا أو كنتَ على ما في يدي قادِرًا وقالَ للمذنبِ اذهب فادخلِ الجنَّةَ برحمتي وقالَ للآخرِ اذهبوا بهِ إلى النَّارِ قالَ أبو هريرةَ والَّذي نفسي بيدِهِ لَتكلَّمَ بكلمةٍ أوبَقت دنياهُ آخرتَهُ” .
وفي كلمته أكد د / السيد حسين عبد الباري أن واجبنا تصحيح الثقافة المغلوطة والمفاهيم الخاطئة ، فالعلماء ورثة الأنبياء فمن أخذ العلم أخذ بحظ وافر ، فهنيئًا لمن حمل هذا العلم ونشره في العالمين ، ونطق بالرسالة الوسطية في مشارق الأرض ومغاربها ، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم ) : ” يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ ، يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْجَاهِلِينَ، وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ” ، فالإسلام ثقافة السلم لا الحرب ، ثقافة الحوار لا الصراع ، ثقافة المحبة لا الكراهية ، مبينًا أن ثقافة الإسلام لو نشرناها في العالم لوجد الناس كل خير ، وما سمع العالم منا إلا خيرا ؛ لأن النبي (صلى الله عليه وسلم ) لم ينطق إلا بخير ، فهنيئًا لنا إن امتثلنا الصورة الصحيحة للإسلام ، وليس هذا أمرًا تطوعيًا ولا اختياريًا وإنما هذا من صلب نهج الإسلام ، بل واجب على كل الداعين إلى دين الله (تعالى) يقول سبحانه : ” ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ” ، والحكمة وضع الشيء في موضعه والوصول إلى الحق بالمنطق والعقل ، وقيدت الآية الموعظة بالحسنة حتى تأتي بثمارها ، ثم إن كان ولابد من المطارحات والمساجلات فليكن بالتي هي أحسن ، فالإنسان ليس مخيرًا بين الحسن والأحسن وإنما الرقي في الحوار والنقاش واجب ، بذكر النقاط المتفق عليها ، والقواسم المشتركة ، وقد نهانا الله (عز وجل) عن المجادلة إلا بالتي هي أحسن قال تعالى :” وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ”، حتى يمكن الوصول إلى مجتمع آمن مترابط ، فالإسلام يرسخ في عقول الناس الثقافة الحسنة ويركز في ضمائرهم وفي عقولهم أن الصراع في الوصول للحق ممتنع ، وإن استعرضت القرآن طولًا وعرضًا فستجد محاورة الأنبياء في أعلى قمم المحاورة الهادفة ، ووصلوا إلى نتائج فيها صلاح للبشرية كلها ، وقد غرس النبي (صلى الله عليه وسلم ) تلك الثقافة في نفوس أتباعه في صلح الحديبية ، فرغم ما في الوثيقة من اشتراطات شديدة على المسلمين إلا أن النبي (صلى الله عليه وسلم ) حين وافق عليها أراد أن يرسخ في نفوس أصحابه معاني الود والسلام والأمان ، لذا عند منصرفه (صلى الله عليه وسلم ) من الحديبية نزل قوله تعالى :” إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا” فسمى الله تعالى هذا الصلح فتحًا ، لدرجة أن بعض الصحابة (رضي الله عنهم) سأل رسول الله (صلى الله عليه وسلم :” أفتح هو يا رسول الله ؟” ، فمجرد التعايش والوئام هدف عظيم من أهداف الإسلام ، فالأصل أن يعيش الناس في وئام وحب ووفاق .