وزير الأوقاف في مؤتمر دار الإفتاء : الإفتاء دون إلمام بالقانون الدولي قصور في أمر الفتوى قد يضع الدول في موقف صعب
ضرورة التحول من فقه الأقلية والأغلبية إلى فقه دولة المواطنة
ومن فقه الجماعة إلى فقه الدولة
في كلمته التي ألقاها معالي وزير الأوقاف أ.د/ محمد مختار جمعة نيابة عن معالي الدكتور المهندس/ مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء في افتتاح مؤتمر دار الإفتاء المصرية اليوم الثلاثاء 15 / 10 / 2019م ، تحت عنوان : “الإدارة الحضارية للخلاف الفقهي” , أكد أن الإفتاء دون إلمام بالقانون الدولي يضع الدولة في خيار صعب , مع ضرورة التحول من فقه الأقلية والأغلبية إلى فقه دولة المواطنة , ومن فقه الجماعة إلى فقه الدولة .
وهذا نص الكلمة :
الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين , سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) , وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين .
يسرني ابتداء أن أنقل لحضراتكم جميعا تحيات وتقدير معالي الدكتور المهندس/ مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء وترحيبه بضيوف مصر الكرام وتمنياته لهذا المؤتمر بكل التوفيق.
وإنني إذ أحيي موضوع المؤتمر (الإدارة الحضارية للخلاف الفقهي) , فإنني أؤكد أن إدارة الحوار الحضاري وأي إجراء فقهي أو إفتائي أو فكري أو دعوي معاصر لا بد أن يضع في اعتباره طبيعة المرحلة وما تقتضيه ظروف العصر ومستجداته, ومن أهمها : الانتقال من فقه ما قبل الدولة الحديثة إلى فقه ما بعد الدولة الحديثة , واضعين في الاعتبار كل ما تقتضيه مصالح الأوطان في ظل المعاهدات والاتفاقيات والقوانين الدولية, حتى لا تصدر بعض الآراء أو الفتاوى التي تتصادم مع القوانين الدولية فنضع دولنا بين خيارين أحلاهما مر كما يقولون , إما الاصطدام مع المؤسسات والمنظمات والاتفاقيات الدولية وإما تهمة معاداة شرع الله (عز وجل) .
وإذا كان علماء السياسة والعمران يؤكدون قبل عصر الدولة الحديثة أن الدولة تقوم على ثلاثة مقومات , هي : الأرض والشعب والسلطة الحاكمة ، فإن عصر ما بعد الدولة الحديثة أضاف بعدًا قانونيًّا آخر لا غنى عنه لتصبح الدولة دولة، وهو الاعتراف الدولي وفق معايير القانون الدولي ، إذ لا يمكن لدولة ما في عالم اليوم أن تبنى نظامها بمعزل عن المعاهدات والاتفاقيات والأنظمة الدولية .
وعلينا أن نفرق بوضوح بين دولة الأغلبية القديمة والدولة الوطنية الحديثة , متجاوزين مصطلح الأقلية والأكثرية إلى مصطلح الدولة الوطنية , مع إعادة قراءة بعض جوانب تراثنا الفقهي والفكري على حد سواء في ضوء ما يقتضيه بناء الدولة المعاصرة , دولة المواطنة المتكافئة دون تمييز بين أبنائها على أساس الدين أو اللون أو الجنس أو العرق أو اللغة ، متخذين من الحوار الحضاري وسيلة لتحقيق هذا التجانس .
كما علينا أن نتخلص من نظريات فقه الجماعة بأيدولوجيتها النفعية الضيقة التي تكون فيها مصلحة الجماعة فوق مصلحة الدولة , ومصلحة التنظيم فوق مصلحة الأمة , بأن نتجاوز ذلك إلى فقه بناء الدولة بكل ما تعنيه كلمة بناء الدول من معان , فإدارة الدولة فضلا عن بنائها ليست عملية سهلة , إنما هي عملية شاقة شديدة التعقيد , تحتاج إلى خبرات كبيرة , وإرادة صلبة, وعمل دءوب , ورؤية ثاقبة في مختلف المجالات والاتجاهات التي تعزز قوة الدولة , والحفاظ على أمنها واستقرارها , مما يتطلب منا جميعا مفتين وعلماء دين ومفكرين ولا سيما من يتولى زمام المسئولية العامة أو يتصدر للحديث في الشأن العام الإلمام الكافي بالتحديات المعاصرة وما يتطلبه فقه بناء الدول من أدوات ، فإن تجاوز الواقع أو تجاهله أمر جد خطير .
وعلينا أيضا كشف ضلالات الجماعات الإرهابية التي شوهت صورة الإسلام النقية وصفحته البيضاء ، وأعادت دعوى الجاهلية المقيتة : انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا ، ولو كان معتديًا أو سفاكًا للدماء ، مما يحتم علينا مفتين وعلماء دين ومفكرين سرعة بيان وجه الحق وكشف عورات أهل الباطل وإن تستر الباطل وأهله بألف غطاء وغطاء ، وتذرعوا بألف ذريعة ضالة فاسدة .
والله الموفق والمستعان