*:*الأخبارأخبار الأوقاف2

نص كلمة وزير الأوقاف
بالجلسة الافتتاحية للمؤتمر الدولي الثلاثين للمجلس الأعلى للشئـون الإســلامـيــة

بسم الله الرحمن الرحيم

  الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) ، وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين .

 وبعد :

  فإن قوةَ الدولة قوةٌ لجميع أبنائها , قوةٌ للدين , وقوةٌ للوطن , وقوةٌ للأمة , وقد قالوا : رجل فقير في دولة غنية قوية خير من رجل غني في دولة فقيرة ضعيفة, لأن الأول له دولة تحمله وتحميه في الداخل والخارج , والآخر لا ظهر له .

  ومن ثمة كان بناء الدولة وتقويةُ مؤسساتها مطلبا شرعيا ووطنيا وحياتيا لجميع أبنائها , وبقدر إيمان كل منهم بحق الوطن , وقوة انتمائه إليه , وعطائه له , واستعداده للتضحية في سبيله , تكون قوةُ الوطن , وبقدر اختلال هذا الانتماء أو ضعف ذلك العطاء , والنكوص عن التضحية بالنفس أو بالمال في سبيل الوطن , يكون ضعف الدول أو سقوطها أو تمزقها ، كما أن الوقوف بقوة خلف الحاكم العادل مطلب شرعي ووطني لا يستقر أمر الدول إلا به .

  على أن مسألة بناء الدول ليست أمرًا سهلًا أو هينًا , إنما هي عملية شاقة شديدة التعقيد, تحتاج إلى خبرات تراكمية كبيرة , وإرادة صلبة , وعمل دءوب , ورؤية ثاقبةٍ في مختلف المجالات والاتجاهات التي تعزز قوة الدولة وتحافظ على أمنها واستقرارها , مع القدرة على قراءة الواقع وفهم تحدياته وفك شفراته وحل طلاسمه, والتعامل معه على أسس علمية ومنطقية في ضوء تلكم الخبرات المتراكمة .

  مع تأكيدنا أن الأمم  والدول لا تبنى بغير العلم والعمل الجاد , والجهد والعرق ، فالأمم التي لا تنتج مقوماتها الأساسية ، وتكون عالة على غيرها لا تملك كلمتها ولا استقلال قرارها .

  وإلى جانب العلم والعمل لا بد من الولاء والانتماء للوطن ، وإيثار مصالحه العامة على المصالح الخاصة والشخصية ، وإدراك أن مصالح الأوطان من صميم مقاصد الأديان ، وأن كل  ما ينال من قوة الدولة أو كيانها يتنافى مع كل الأديان والقيم الوطنية والإنسانية ، فالتضحية في سبيل الوطن والشهادة في سبيله من أعلى درجات الشهادة في سبيل الله (عز وجل) .

  كما أنه لا بقاء لأمة أو حضارة بلا قيم ولا أخلاق , فالأمم التي لا تقوم ولا تبنى على القيم والأخلاق تحمل عوامل سقوطها في أصل بنائها وأسس قيامها ، ومصيرها إلى الزوال والاندثار .

  وعلينا أن نفرق بوضوح بين فقه الدول ، والوعي بالتحديات التي تواجهها ، وسبل الحفاظ عليها ، ومشروعية الدفاع عنها ، وبين نفعية الجماعات المتطرفة التي تعمل على إضعاف الدول ، قصد الإيقاع بنظامها وإحلال الجماعة محله ، حتى لو أدى ذلك إلى إسقاط الدولة أو محوها من خارطة العالم ، بتفكيكها إلى كيانات صغيرة لا تنفع ولا تضر ، أو حتى بشطبها نهائيًّا من عالم الوجود كدولة ، بتمزيق أوصالها وتذويبها في أمم أخرى أو ثقافات أخرى  ، فهذه الجماعات لا تقوم إلا على أنقاض الدول ، ومصلحة الجماعة عندهم فوق مصلحة الدولة , ومصلحة التنظيم فوق مصلحة الأمة , بل فوق كل المصالح المعتبرة .

 إن محاولة الجماعات الإرهابية إعادة تمركز عناصرها في نحو اثنتين وخمسين دولة لإعادة بناء صفوفها والانقضاض على ما تستطيع من الدول حال ضعفها يتطلب منا العمل الجاد والمواجهة الشاملة لتفنيد أباطيلها وأغاليطها المنحرفة المدمرة للأوطان والدول ، فهذه الجماعات أدوات مستخدمة لصالح أعداء ديننا وأمتنا العربية والإسلامية.

 ونؤكد أن فقدان الوطن يعني فقدان الذات ، وفقدان الهوية ، وفقدان الدفء ، وفقدان الأمان ، ضياع الوطن يعني ضياع كل شيء ، يعني الهوان ، والشتات ، والغربة ، والحسرة على مرابع الصبا ، ويعني بالضرورة فقدان كثير من الأهل والأحبة ورفقاء الدرب والعمر .

 وقد قالوا : إذا أردت أن تعرف وفاء الرجل لوطنه فانظر إلى مدى ولائه له وحنينه إليه ،  فمن لا خير لوطنه فيه فلا خير فيه أصلا .

 وقد ذكر لنا التاريخ البشري على اختلاف دوله وعصوره نماذج مأساوية لفقدان الوطن ، وما تعرض له فاقدوه من ذل وهوان ، حيث يقول أبو البقاء الرُّنْدِي في وصف ما حل ببعض ملوك الطوائف نتيجة فقدان الوطن :

بالأمس كانوا ملوكًا في منازلهم

واليوم هم في بلاد الشر عبدان

  مع استماحة أبي البقاء عذرًا لما أجريته من تعديل في بيته .

  وباستقراء التاريخ نجد أنه لم تسقط دولة من الدول إلا كانت الخيانة والعمالة أحد أهم أسباب سقوطها وتشرذمها , مما يقتضي التنبه لخطورة الخونة ، والعملاء ، والمأجورين ، ويتطلب أن يكون صوت الدولة عاليًا وقويا ، وسيفها مصلتا على رقاب كل الخونة والعملاء ، ومن يدعمهم ، أو يأويهم ، أو يتستر عليهم ، لأنهم خطر داهم على الدين والدولة .

 السادة الحضور :

  نحن لا نخترع دينًا جديدًا ولن يكون ، ولن نسمح بالمساس بثوابت ديننا ولن يكون ، إنما نبحث عن الفهم الصحيح للدين ، بتقويم ما اعوجّ من الأفهام ، وتصحيح ما انحرف من مسارات الفهم عن عمد أو جهل ، ومهمتنا نفي انتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين ، وتحريف الغالين ، والمتاجرين بالدين ، وقطع دابر التطرف الفكري وسد منافذه ، وعدم السماح باكتساب المتطرفين أرضًا جديدة ، بل العمل على محاصرته والقضاء على تطرفهم ، حيث كانوا .

  وهذا يتطلب أن نكون على يقظة تامة , وألا نغفل عن قضيتنا أو تغفو أعيننا عنها , حيث يقول الحق سبحانه : ” وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً” , ولا شك أن العلم والفكر والثقافة أحد أهم أسلحتنا في مواجهة التطرف والإرهاب , وهو ما يتطلب منا جهودًا مضنية لتصويب ما حرفته الجماعات المتطرفة من مفاهيم الخطاب الديني السمح الرشيد .

  علماءنا الأفاضل إن الحروب ضروس ، وقد كشرت لنا عن أنيابها ، فيجب ألا نتأخر حتى لا تكون عظتُنا بأنفسنا ، فالعاقل  من وعظ بغيره ، والشقي من وعظ بنفسه ، وحتى لا تكون نتيجة تأخرنا ما قاله الشاعر العربي :

ولقد نصحتهم بمنعرج اللوى          فلم يستبينوا النصح إلا ضحى غد

والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل ،،،

 

اظهر المزيد

منشور حديثّا

زر الذهاب إلى الأعلى