خلال برنامج ندوة للرأي بمسجد مولانا الإمام الحسين (رضي الله عنه) بمحافظة القاهرة
د/محمد أحمد حامد :
الهجرة كانت تحولًا إيجابيًّا
لبناء الدولة وتحقيقًا للتعايش السلمي والمؤاخاة
الشيخ / الشحات محمود البحيري :
الهجرة الحقيقية هي التحول الإيجابي
نحو الأفضل والأحسن
برعاية كريمة من معالي وزير الأوقاف أ.د/ محمد مختار جمعة , وفي إطار الدور التثقيفي والتنويري الذي تقوم به وزارة الأوقاف لتجديد الخطاب الديني , ونشر الفكر الوسطي المستنير , وبالتعاون مع الهيئة الوطنية للإعلام , وقطاع القنوات المتخصصة بالتليفزيون المصري , نظمت وزارة الأوقاف ندوة للرأي بعنوان : ” مفهوم الهجرة بين الماضي والحاضر ” مساء يوم الثلاثاء 27 / 8 / 2019م ، بمسجد مولانا الإمام الحسين (رضي الله عنه) بالقاهرة ، حاضر فيها كل من : الدكتور / محمد أحمد حامد مدير إدارة المكتبات والوثائق بديوان عام وزارة الأوقاف ، والشيخ/ الشحات محمود البحيري إمام وخطيب بالأوقاف , بحضور جمع غفير من رواد المسجد ، وأدار الندوة وقدم لها الإعلامي أ/ عمر حرب .
وفي بداية كلمته أكد الدكتور / محمد أحمد حامد أن المتدبر في الهجرتين إلى الحبشة قبل الهجرة إلى المدينة المنورة يدرك جيدًا أن هجرة المسلمين الأوائل لم تكن هجرة من دار كفر إلى دار إيمان ؛ لأن الأصل هو الدفاع عن الأوطان وعدم تركها لظالم أو معتدٍ ، وإنما كانت هجرة من دار خوف إلى دار أمن ، ولهذا قيل: إنّ اللهَ (عز وجل) ينصرُ الدولةَ العادلةَ ولو كانتْ كافرةً ، ويخذَلُ الدولةَ الظالمةَ ولو كانتْ مسلمةً) ، فالملك قد يدوم مع الكفر ولا يدوم مع الظلم ، وقد جعل نبينا (صلى الله عليه وسلم) الإمام العادل في مكانة عالية، ومنزلة سامية يوم القيامة في مقدمة السبعة الذين يظلهم الله (عزّ وجلّ) في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، فبعدله ينصلح المجتمع كله، وبظلمه يفسد المجتمع .
موضحًا أنه لما أذن الله (عز وجل) لنبيه (صلى الله عليه وسلم) بالهجرة إلى المدينة المنورة خرج (صلى الله عليه وسلم) مؤيدًا بنصر من الله (عز وجل) ، لأن الهجرة كانت تحولًا إيجابيًّا لبناء الدولة ، وتحقيقًا للتعايش السلمي والمؤاخاة، ووحدة الصف حتى يتمكن النبي (صلى الله عليه وسلم) من إبلاغ رسالة ربه (عز وجل) للعالمين، يقول الحق سبحانه: ” إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ” .
وفي كلمته وضح الشيخ / الشحات محمود البحيري أنه إذا كان أمر الهجرة المكانية من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة قد انتهى بفتح مكة ، فإن كل معاني الهجرة النبيلة لا زالت قائمة وهي مما يجب علينا أن نحرص عليه , فلقد أصل النبي (صلى الله عليه وسلم) أن الهجرة الحقيقة إنما هي تحول إيجابي نحو الأفضل والأحسن، كالتحول من البطالة والكسل إلى الجد والعمل والإتقان , ومن الأثرة والأنانية والعصبية الجاهلية إلى الإيثار والإخاء الإنساني الصادق , والإيمان بالتنوع, وحق الإنسان في الاختيار, وحرية المعتقد , وعلاقات حسن الجوار , والعمل على بناء الإنسان إيمانيًّا ، وعلميًّا , وفكريًّا , وسلوكيًّا , وأخلاقيًّا , واقتصاديًّا , واجتماعيًّا بناءً سليمًا راسخًا , يبني الدولة ويصنع الحضارات , ويحقق صالح البشرية جمعاء , ويحفظ كرامة الإنسان كإنسان.
وفي سياق متصل أكد أن الفهم الصحيح لمعنى الهجرة الحقيقة يقتضي أن الهجرة التي لا تنقطع على مر العصور هي التحول من الجهل إلى العلم، ومن الضلالة إلى الهدى , ومن سيئ الأخلاق إلى صالحها ، ومن الفساد إلى الصلاح والإصلاح ، بما يسهم في بناء الحضارة وإعمار الكون، لأن ديننا دين البناء والتعمير للكون كله ، قال تعالى : {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا}، فأمتنا أمة عمل لا أمة كسل، أمة بناء لا أمة هدم أو تخريب، أمة حضارة، ولم يكن التخلف أبدًا سمة من سماتها .