وزير الأوقاف خلال خطبة الجمعة بمسجد الهدى – محافظة بني سويف : نحتاج إلى شخصية سوية تتسم بأسمى معاني الإنسانية وأعلى درجات الوطنية
والصحبة الصالحة لها أثرها البالغ في بناء شخصية نافعة
لدينها ووطنها ومجتمعها
ويؤكد :
لا بد من تضافر وتكامل الجهود لتحصين النشء والشباب
من الفكر المتطرف والجماعات المتطرفة
في إطار دور وزارة الأوقاف التنويري ، ومحاربة الأفكار المتطرفة ، وغرس القيم الإيمانية والوطنية الصحيحة ، وبيان الجوانب السمحة في الإسلام ، ألقى معالي وزير الأوقاف أ.د/ محمد مختار جمعة اليوم الجمعة الموافق 23 / 8 / 2019م خطبة الجمعة بمسجد الهدى بقرية بني علي ــ سمسطا ــ محافظة بني سويف تحت عنوان ” الصحبة وأثرها في بناء الشخصية ” ، بحضور سيادة المستشار / هاني عبد الجابر محافظ بني سويف ، والدكتور / رضا حجازي رئيس قطاع التعليم العام نائبًا عن معالي أ.د/ طارق شوقي وزير التربية والتعليم ، و الشيخ / جابر طايع رئيس القطاع الديني ، والشيخ / محمد أبو حطب مدير مديرية أوقاف بني سويف ، ولفيف من القيادات الشعبية والتنفيذية والدعوية بالمحافظة ، وجمع غفير من أهل القرية.
وفِي بداية الخطبة أكد معالي وزير الأوقاف أ.د/ محمد مختار جمعة أن النبي (صلى الله عليه وسلم ) كان خير الناس لأهله ولأصحابه وللناس أجمعين , وقد أمرت الشريعة الغراء بحسن بناء الشخصية ، لتكون شخصية واعية ، تدرك المخاطر ، وتحسن مواجهة أعباء الحياة ، وتتقي الفتن والشبهات ، قال تعالى : “وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً ” مبينًا أنه لا خلاف في أننا نحتاج إلى شخصية سوية تتسم بأسمى معاني الإنسانية ، وأعلى درجات الوطنية ، حتى يخرج لنا جيل يبني ولا يهدم ، يعمر ولا يخرب ، يقدم مصلحة الوطن العامة على أية مصلحة أخرى.
وفي سياق متصل أشار معاليه إلى أن من أهم الأمور التي لها أثرها البالغ في بناء شخصية الإنسان : الصحبة ، فإنّ المرء يتأثر بجليسه ويصطبغ بصبغته فكرًا ومعتقدًا وسلوكًا وعملًا ، وقد دلَّ على ذلك الشرع والعقل والتجربة والواقع والمشاهدة, هذا وللصحبة الصالحة أهميتها البالغة في بناء شخصية سوية ، نافعة لدينها ، ووطنها ، ومجتمعها ، وقد أمر الله ( تعالى) باتباع الصحبة الصالحة والفرار من الصحبة السيئة ، قال تعالى :” وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا” , وقال ( صلى الله عليه وسلم):” إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السّوءِ ، كَحَامِلِ الْمِسْكِ، وَنَافِخِ الْكِيرِ ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ : إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً ، وَنَافِخُ الْكِيرِ : إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً” ، وهذا ما ربَّى عليه النبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) صحابته الكرام ، وفي مقدمتهم سيدنا أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) الذي ضرب أروع المثل في حسن الصحبة والوفاء بحقها ، وذلك حين قال له أهل مكة : إن صاحبك يزعم أنه أُسري به الليلة إلى بيت المقدس ، ثم عاد ، فقال بثقة ويقين في صاحبه (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : إن كان قال فقد صدق ؛ إني أصدِّقه فيما هو أبعد من ذلك ، أصدِّقه في خبر السماء , وهذا ما كان عليه صحابة رسول الله (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فيما بينهم ، وهم خير قدوة للصحبة الصالحة الطيبة المبنية على المؤاخاة ، والإيثار ، والانتماء ، والوحدة ، والعمل الإيجابي النافع ، والتواد والتراحم ، فعَن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ (رضي الله عنهما) قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : “مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى”.
ولله در الإمام الشافعي حيث قال :
أُحِبُّ الصالِحينَ وَلَستُ مِنهُم * * * لَعَلّي أَن أَنالَ بِهِم شَفاعَة
وَأَكرَهُ مَن تِجارَتُهُ المَعاصي * * * وَلَو كُنّا سَواءً في البِضاعَة
ولله در القائل :
إنَّ أخاكَ الحقَّ من كان مَعَك *** ومَـنْ يضـرُّ نفسَـه لينفَعَكْ
ومَنْ إذا ريَبُ الزمانِ صَدَعكْ *** شتَّتَ فيـه شَمْلَـهُ لِيَجْمَعَـكْ
كما أكد معاليه أنه ينبغي علينا جميعًا الحذر من رفقة أهل السوء ، وعدم مخالطتهم ، حيث يقول سبحانه : {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا}، وقال سبحانه : {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}، ويقول نبينا (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : (الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ) ، ويَقُولُ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : (لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا ، وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ) ، وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْن مَسْعُودٍ (رضي الله عنه) قال : اعْتَبِرُوا النَّاسَ بِأَخْدَانِهِمْ , فَإِنَّ الْمَرْءَ لَا يُخَادِنُ إِلَّا مَنْ يُعْجِبُهُ . ولله در القائل :
إذَا كُنْتَ في قَوْمٍ فَصَاحِبْ خِيَارَهُم *** وَلاَ تَصْحبِ الأردى فتردى مَعَ الرَّدِي
عَنِ الْمَرْءِ لاَ تَسْأَلْ ، وَسَلْ عَنْ قَرِينِه *** فَـــكُــلُّ قَــرِيـنٍ بـالْمُـقَـارَنِ يَـقْـتَـــدِي
وفي ختام خطبته أشار معاليه إلى أنه ينبغي الاهتمام المبكر بالتربية والحفاظ على النشء من خلال الأسرة والمدرسة والمسجد وسائر مؤسسات المجتمع التربوية والفكرية ، والإعلامية ، وتضافر وتكامل الجهود لتحصين النشء والشباب من الفكر المتطرف والجماعات الخداعة الهدامة ، والعمل على تعزيز الانتماء الوطني ، فرعاية أبنائنا وشبابنا ، ومشاركتهم في اختيار رفقتهم ، أمانة كبرى ، ومسؤوليةٌ عظمى ، قال تعالى : “يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا”، وقال (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : ” إِنَّ اللَّهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاه ، أَحَفَظَ ، أَمْ ضَيَّع ؟ حَتَّى يَسْأَلَ الرَّجُلَ عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ”.