وزير الأوقاف خلال خطبة الجمعة بمسجد سيدي ابن عطاء الله السكندري بمحافظة القاهرة دورنا عمارة الدنيا بالدين فالإسلام دين العمارة والحضارة والبناء
وطاعة الله ليست محصورة في زمان معين ولا مكان معين
والحج مدرسة أخلاقية وتربوية عظيمة
التسليم المطلق لله عز وجل من أهم دروس الحج
في إطار دور وزارة الأوقاف التنويري ، ومحاربة الأفكار المتطرفة ، وغرس القيم الإيمانية والوطنية الصحيحة ، وبيان الجوانب السمحة في الإسلام ، ألقى معالي وزير الأوقاف أ.د/ محمد مختار جمعة اليوم الجمعة الموافق 16/ 8 / 2019م خطبة الجمعة بمسجد سيدي ابن عطاء الله السكندري بمحافظة القاهرة تحت عنوان: “ماذا بعد الحج ؟ ” ، بحضور اللواء/ خالد عبد العال محافظ القاهرة , واللواء/ إبراهيم عبدالهادي نائب المحافظ ، والشيخ /جابر طايع يوسف رئيس القطاع الديني , والشيخ /صبري ياسين رئيس قطاع المديريات ، والشيخ / خالد خضر وكيل الوزارة بأوقاف القاهرة وعدد من القيادات التنفيذية، والشعبية بالمحافظة.
وفي بداية الخطبة أكد معالي وزير الأوقاف أ.د/ محمد مختار جمعة أننا لابد أن ندرك أن الأمر كله لله , لا راد لفضله, ولا معقب لأمره ، فينبغي تذكر النعمة والمنعم , وأنه إذا كان الحج المبرور يمحو الله تعالى به الذنوب ، فيعود الحاج كيوم ولدته أمه ، فإن على العاقل أن يغتنم فضل الله عليه فيقلع عن سائر المعاصي ، ويقبل على الله بقلب صاف وإخلاص كبير ، وينبغي للحاج أن يستشعر نعمة الله (عز وجل) عليه إذ وفقه لأداء هذه العبادة ، ويعلم أن ذلك يستوجب شكر المنعم (سبحانه وتعالى) بالمداومة على العمل الصالح ، فطاعة الله ليست محصورة في زمان معين ، ولا مكان معين ، بل إنها مستمرة دائمة بدوام حياة الإنسان وتحقق شروط تكليفه بها ، وهذا ما كان يفعله النبي الكريم (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، فالمداومة على الطاعات والعبادات هو امتثال لقول الله تعالى:”وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِين”.
وأكد معاليه أن دورنا هو عمارة الدنيا بالدين ، لا تطليقها باسم الدين ، فالإسلام دين العمارة والحضارة والبناء ، كما أكد أن الحج مدرسة أخلاقية وتربوية عظيمة ، وأن الحج لابد أن يترك أثرًا أخلاقيًّا في سلوك الحاج ، فليس الحج طقوسًا جوفاء تؤدى دون غاية أو هدف ، بل هو عبادة شُرِعت لترتقي بالإنسان ، وتسمو بأخلاقه ، فالعبادة إذا لم تؤثر في خُلُقِ الإنسان وتهذب سلوكَهُ فلا قيمة لها في الدنيا ولا ثمرة لها في الآخرة ، يقول نبينا (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : (أَتَدْرُونَ مَنِ الْمُفْلِسُ؟) قَالُوا: المُفْلِسُ فِينَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ ، قَالَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : (المُفْلِسُ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ بِصَلَاتِهِ وَصِيَامِهِ وَزَكَاتِهِ ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا فَيَقْعُدُ فَيَقْتَصُّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْتَصّ مَا عَلَيْهِ مِنَ الخَطَايَا أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ)، فالمؤمن لا يهتم بكثرة العبادات والنوافل بقدر ما يهتم بقبول العمل من عدمه ، وبقدر ما ينعكس على حياته من هذه العبادات.
كما وضح معاليه أن من أهم الدروس في الحج قضية التسليم المطلق لله , وتفويض الأمر لله , والوقوف عند حدود الله , وتعظيم حرمات الله(تعالى) حيث يقول الحق سبحانه وتعالى : ” ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ” مع الأخذ بالأسباب ، وإيمان الإنسان بأن الأمر كله لله ، وأن ما قدره الله كائن لا محالة ، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى : {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُّبِينًا}، ويقول سبحانه : {مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}، ويقول (عز وجل) : {وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ}، فالتسليم المطلق لله (عز وجل) من دلائل الإيمان ، وثوابت الإسلام ، ولكي يتحقق ذلك فلابد وأن يُحسِن الإنسان الظن بالله تعالى ، فإذا ما رضي بقدر الله وسلم الأمر لله فإنه ينعم بالرضا ويستشعر السكينة والأمان .
وفي ختام خطبته وجه معاليه رسالة إلى حجاج بيت الله الحرام بأنه إذا كان المؤمن قد وفقه الله تعالى لأداء فريضة الحج ، فليس ذلك نهاية الطاعات ، بل إن لديه الكثير من الأعمال الصالحة التي يتقرب بها إلى الله (عز وجل) ، كالإكثار من العبادات والنوافل ؛ من صلاة ، وصيام ، وسعي في مصالح العباد والبلاد ، وكفالة الأيتام ، وعيادة المرضى ، وغير ذلك مما يرفع قدره ، ويعلي منزلته عند الله تعالى ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (رضي الله عنه) قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : إِنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ: (… وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا ، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا ، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ) .