وزير الأوقاف خلال خطبة الجمعة بمسجد قايتباي بمحافظة الفيوم : السماحة والتيسير جانب أصيل في ديننا ومنهج حياة والتسامح الديني والرقي الإنساني مشتركات في الأديان السماوية
في إطار دور وزارة الأوقاف التنويري ، ومحاربة الأفكار المتطرفة ، وغرس القيم الإيمانية والوطنية الصحيحة ، وبيان الجوانب السمحة في الإسلام ، ألقى معالي وزير الأوقاف أ.د/ محمد مختار جمعة اليوم الموافق ٢٨ / ٦ / ٢٠١٩ م خطبة الجمعة بمسجد قايتباي بمحافظة الفيوم تحت عنوان ” من مظاهر العظمة في الشريعة الإسلامية السماحة والتيسير ” ، بحضور السيد الدكتور / خالد العناني وزير الآثار , والسيد اللواء / عصام سعد محافظ الفيوم ، والسيد النائب الشيخ / عبدالهادي القصبي شيخ مشايخ الطرق الصوفية ، وأ.د / أسامة العبد رئيس لجنة الشئون الدينية بمجلس النواب ، والنائب / أحمد مصطفى عبد الواحد وكيل محلية مجلس النواب , وعدد من القيادات التنفيذية والشعبية بالمحافظة.
وفِي بداية الخطبة أكد معالي وزير الأوقاف أ.د/ محمد مختار جمعة على أن السماحة والتيسير في الإسلام يكونان في كل شيء , وأن السماحة خلق أصيل في دينينا الحنيف , وأن التيسير أصل بنص القرآن والسنة النبوية , فيقول رب العزة بنفسه في كتابه:” يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ” , ولو وقف النص القرآني عند هذا لكان المعنى كاملًا , ثم يقطع النص القرآني الطريق على المتطرفين والغاليين فيقول :{ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}, وبقوله سبحانه:” وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ”، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ( إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا ، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ) ، وقوله صلى الله عليه وسلم : ” بُعثت بِالْحَنِيفِيَّةِ السمحه” , وقال (صلى الله عليه وسلم) : (إنَّ منكم مُنَفِّرِين، فَمَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ فَإِنَّ فِيهِمُ الْمَرِيضَ وَالضَّعِيفَ وَذَا الْحَاجَةِ).
كما أكد معاليه أن السماحة في الشريعة الإسلامية منهج رباني ، ومبدأ من المبادئ التي عامل الحق سبحانه بها عباده ، وأمرهم أن يتعاملوا بها فيما بينهم ، وأن مبدأ السماحة في الإسلام لا يقف عند حد تعامل المسلمين بعضهم مع بعض فحسب ، بل هو منهج حياة شامل يسع الناس جميعًا ، وقد قال ربنا سبحانه آمرًا عباده المؤمنين بحسن المعاملة مع الناس جميعًا فقال : “وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا”.
وأضاف معاليه أن الدين قائم على اليسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه , وقوله صلى الله عليه وسلم : ( إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين) , فالسماحة تتمثل في العقيدة حيث يقول الحق سبحانه :” لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ” ، وقال سبحانه : {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} , وقوله (عزوجل) ” ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ” , فلا يمكن أن تكون الموعظة حسنة إذا كانت طريقة الدعوة غليظة وغير حسنة .
والسماحة في جانب العبادات حيث دعا النبي (صلى الله عليه سلم) إلى التيسير والتخفيف , والبعد عن التشدد .
وفي جانب المعاملات : حثت الشريعة الإسلامية على السماحة والتيسير ، ورفع المشقة والحرج بين الناس في البيع والشراء، والاقتضاء.
وعن سماحة العقيدة : أكد معاليه أن الإسلام لم يجبر أحدًا على اعتناقه ، بل كفل حرية الاعتقاد للجميع، وظهر ذلك من خلال افتتاح مساجدنا بعمارة بيوت الله (عزوجل) مع أشقائنا الوطنيين المخلصين , وهنا نعود إلى الزمن الجميل حيث يقول شوقي في إعلاء معنى الوطنية وتسامح الأديان أبياتًا في غاية الحكمة :
أَعَهِدْتَنَا والقِبْطَ إلاَّ أُمّة ً في الله واحدة تَروم مَراما؟
نعلي تعاليمَ المسيحِ لأجلهم ويوقِّرون لأجلينا الإسلاما
الدين للديان جل جلاله لو شاء ربك وحد الأقواما
هذه بيوتكم وتلك بيوتنا مُتجاورينَ مودة ووئاما
هذي قبوركمُ، وتلك قبورنا مُتجاورينَ جَماجماً وعِظاما
فبحُرمة ِ المَوْتَى وواجبِ حقِّهم كونوا كما يقضي الجوارُ كراما
وهذا التسامح الديني يتحقق الآن لتكون مصر رمزا فريدا في تسامح الأديان وتعانقها , حيث يقول الحق سبحانه :{ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ}.
وأكد معاليه على أن الفقه مبناه على التيسير , ولم يقل أحد على الإطلاق أن الفقه هو التشدد , ولكننا ابتلينا في العقود الماضية القريبة بأناس جنحوا نحو التطرف ونحو التشدد والتنفير من دين الله ، بحيث صاروا يُسوّقون أن من يحسن التشدد هو العالم الرباني , وأن من يفهم الفقه وييسر للناس أمور دينهم هو المنافق الذي لا يُستمع إليه , فهؤلاء هم أجهل الناس وأبعد ما يكونوا عن شرع الله (عزوجل) , لأن الفقه رخصة من ثقة ، وهو التيسير بالدليل ، والإسراع في التحريم يجيده الجهلاء .
وفي ختام خطبته أوضح معاليه أنه يجب أن يتحول اليسر والتيسير إلى خلق وإلى منهج حياة , وأن تتحول السماحة إلى منهج حياة , فديننا دين السماحة واليسر لا تشدد فيه ، وأن ما قامت وما تقوم به هذه الجماعات وعناصرها الضالة يصادم صحيح ووسطية الشرع الحنيف ، ويتطلب التعاون في المواجهة الشاملة للجماعات الضالة وأفكارها المتطرفة الشاذة.