:أخبار الأوقافأوقاف أونلاين

ملخص الحلقة رقم (29) بعنوان: (بلاغة المفردة القرآنية) لوزير الأوقاف من برنامج: في رحاب الروضة النبوية

   القرآن الكريم هو أبلغ الكلام وأحسنه وأصدقه ، قال تعالى : ” وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا ” ، وقال تعالى: ” وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا ” ، لم تلبث الجن إذ سمعته أن قالوا : ” إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا “، وعندما نتحدث عن عظمة وبلاغة المفردة القرآنية ، فإن كل كلمة في القرآن الكريم قد وقعت موقعها الذي لا يسد فيه مسدها غيرها لا تقديمًا ولا تأخيرًا ولا حذفًا ولا ذكرًا ، ولنضرب بذلك أمثلة ، في قوله تعالى: ” وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ ” ، لو تأملنا هذه الآية جيدًا ، ونظرنا في موقع كلمة ” إِصْلَاحٌ ” ، ثم فكرنا في بدائلها اللغوية ومشتقاتها وما يرادفها ، وحاولنا أن نضع بديلا لغويا لوجدنا أن العربية على عمقها واتساعها عاجزة عن أن توافينا أو تمدنا بكلمة يمكن أن تقوم مقام كلمة ” إِصْلَاحٌ ” في هذا الموضع ، فالإصلاح أمر جامع لما يحتاج إليه اليتيم ، فقد يحتاج إلى المال ، أو يحتاج  إلى من يتاجر له في ماله فيكون الإصلاح برًّا وعطاءً ماديًّا ، وقد لا يحتاج اليتيم إلى المال ، إنما يحتاج إلى التقويم والتربية ، فيكون الإصلاح هنا رعاية وتربية وتهذيبًا ، وقد لا ينقصه هذا ولا ذاك ، إنما تكون حاجته أشد ما تكون إلى العطف والحنو والرحمة وما يعوضه عن فقدان الأب ، لذا يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : “مَنْ مَسَحَ رَأْسَ الْيَتِيمِ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ مِنْ رَأْسِهِ حَسَنَةً ، وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ يَتِيمٌ أَوْ يَتِيمَةٌ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ كُنْتُ أَنَا وَهُوَ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا وَنَصَبَ إِصْبَعَيْنِ وَقَرَنَهُمَا”، فكلمة ” إصلاح” هي المناخ اللغوي الأمثل الذي لا يمكن لكلمة أن تقوم مقامها.

   وحكى القرآن الكريم ما كان بين سيدنا يوسف (عليه السلام) وامرأة العزيز  فقال : ” وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ”، فسيدنا يوسف وقف شامخًا كالجبل لم يعتصم ، وإنما استعصم ، فكلمة (فَاسْتَعْصَمَ) هي المعادل اللغوي الأدق لتصوير عفة سيدنا يوسف (عليه السلام) ووقوفه كالجبل الشامخ الأشم في مواجهة إغراء امرأة العزيز ، فهو لم يعتصم بحبل الله فحسب ، لكنه استعصم ، وإذا كانت زيادة المبنى زيادة في المعنى فإنه قد قابل زيادة إغرائها تارة وتهديدها تارة أخرى بمزيد من الاستعصام بحبل الله المتين .

   وفي قوله تعالى عن السيدة مريم (عليها السلام) : “وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ” ، لماذا عبر القرآن بلفظ القانتين ولم يعبر بلفظ القانتات ، ذلك أن خدمة بيت المقدس في ذلك الوقت لم تكن من العمل الذي تقوم به النساء ولم يُعهد إلى النساء ، وكانت امرأة عمران نذرت إن رزقها الله بولد أن  تجعله لخدمة بيت الله ، فلما وضعت مريم قالت :” رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ” ، كان القياس في غير القرآن أن نقول وليس الأنثى كالذكر ، ولكن القرآن استخدم التشبيه المقلوب على حد تعبير البلاغيين ، أي وليس الذكر الذي كنت تتمنين كالأنثى التي رزقتين بها فهي خير من كثير من الذكور ، فلما قامت بخدمة بيت المقدس خير قيام كأفضل الرجال جاء التعبير بلفظ القانتين لأن ما قامت به كان عملاً عظيمًا لا يتحمله  إلا الرجال.

اظهر المزيد

منشور حديثّا

شاهد أيضًا
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى