وزير الأوقاف يستقبل رئيس جمعية الصداقة البرلمانية المصرية الألمانية ويؤكد:
الحوار ضرورة لبناء جسور التقارب بين الأمم والشعوب
وديننا الحنيف قائم على الإيمان بالتنوع والاختلاف
في إطار دور مصر التاريخي وريادتها في نشر سماحة الإسلام والفكر المستنير ، استقبل معالي وزير الأوقاف أ.د/ محمد مختار جمعة اليوم الأحد 14 / 4 / 2019م النائب الألماني/كريستيان هازي رئيس جمعية الصداقة البرلمانية المصرية الألمانية في البوندستاج الألماني والوفد المرافق لسيادته ، لبحث سبل التعاون المشترك ، وخلال اللقاء اطلع النائب الألماني / كريستيان هازي على تجربة وزارة الأوقاف في العديد من المجالات، وبخاصة ما يتصل بنشر الفكر الإسلامي الوسطي المستنير وتعزيز سبل الحوار الثقافي.
وخلال حديثه أكد معالي وزير الأوقاف أ.د/ محمد مختار جمعة أننا نسعى دائمًا للتواصل الحضاري وترسيخ أسس الحوار الحضاري بين البشر ، والعمل على ترسيخ ثقافة السلام والعيش الإنساني المشترك , مؤكدًا على أهمية الحوار الحضاري, وعلى المشتركات الإنسانية التي تجتمع على القيم ومكارم الأخلاق ، وإعلاء قيمة العمل, وترسيخ أسس العيش المشترك , وتحقيق السلام للناس جميعًا وحفظ الدماء والأعراض.
هذا وقد أهدى معالي وزير الأوقاف النائب الألماني / كريستيان هازي والوفد المرافق لسيادته نسخًا مترجمة باللغة الألمانية من مطبوعات المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بوزارة الأوقاف التي تسعى إلى نشر صحيح الدين ومواجهة الفكر المتطرف.
هذا وقد أكد معالي وزير الأوقاف أ.د/ محمد مختار جمعة خلال اللقاء أن الحوار ضرورة لبناء جسور التفاهم والتقارب بين الأمم والشعوب , حيث يقول الحق سبحانه : ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا”.
ويعمل على نشر وترسيخ ثقافة التسامح والتعايش السلمي بين البشر , واعتماد لغة الحوار بديلا للصدام والاحتراب , ويدعو إلى تحكيم لغة العقل وسعي جميع الأطراف إلى نبذ العنف والكراهية والتطرف والإرهاب , ويؤصل لإعلاء القيم المشتركة , وتجنب جميع مظاهر الأنانية والاستعلاء في التعامل مع الآخر , والتركيز على الإفادة من النافع والمفيد, واحترام خصوصيات المختلف ثقافيا .
مؤكدًا أنَّ ديننا الحنيف قائم على الإيمان بالتنوع والاختلاف ، فهو آية من آيات الله وسننه الكونية ، حيث يقول سبحانه ” وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ” ، ويقول سبحانه : ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ” ، ويقول سبحانه: ” وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ” ، فالتنوع قوة وثراء لو أحسنا التعامل معه والإفادة منه ، وبديل الحوار هو الصدام ، وبديل الإيمان بالتنوع والاختلاف هو الاقتتال والاحتراب .
وبالواقع المعاين المشاهد ندرك أن أكثر الأمم إيمانًا بحق التنوع والاختلاف وقبول الآخر والمختلف وترسيخ أسس التعايش السلمي ؛ هي أكثر الأمم أمنًا واستقرارًا وتقدمًا ورخاءً وازدهارًا ، وأن الأمم التي وقعت في أتون الاحتراب والاقتتال الطائفي أو المذهبي أو العرقي أو القبلي دخلت في دوائر فوضى ودمار عصفت بكيانها وأصل وجودها ، وعلى أقل تقدير مزقت أوصالها وهزت كيانها ، ولو أن البشرية قد أنفقت على التنمية معشار ما تنفقه على الحروب لتغير حال البشرية وعمها الأمن والاستقرار.
وينبغي أن يقوم الحوار على أسس ومرتكزات قوية , نذكر منها :
1- السعي الدائم نحو التعارف ، والانفتاح على الثقافات الأخرى ، وليس الانغلاق المحكم الذي يؤدي بنا إلى الخوف من الآخر المجهول ، فتعميق الوعي بالآخر وثقافته ومجريات حياته يجعله بالنسبة لنا أقل غرابة ، ويجعل الحوار معه أكثر يُسرًا وأسهل مأتىً وتناولًا ، وإذا كان الحكم على الشيء فرعًا عن تصوره كما يقول المناطقة فلا بد أن نتعرف على ما لدى الآخر من قيم ومثل وثقافات ، وأن نحلل ذلك تحليلًا جيدًا محايدًا ومنصفًا قبل الحكم له أو عليه ، وألا تكون لدينا أحكام وقوالب جاهزة مسبقة في الحكم على الآخرين .
2- تحكيم لغة العقل ورغبة جميع الأطراف في نبذ العنف والكراهية والتطرف والإرهاب، إيمانًا بأن قضية الصراع ليس فيها رابح مطلق أو خاسر مطلق ، وأن عواقب الصراع والعنف والتطرف وخيمة على الإنسانية جمعاء ، وأنه لا بديل للإنسانية عن البحث في القواسم والمصالح المشتركة ونقاط الالتقاء ؛ لما فيه خير البشرية بعيدًا عن الحروب والصراعات والقتل والاقتتال والتخريب والتدمير .
3- أن تكون لدى جميع الأطراف الرغبة الحقيقية في إعلاء القيم المشتركة وتجنب جميع مظاهر الأنانية والاستعلاء ، يقول ابن رشد محددًا منهجه في الأخذ من ثقافة اليونان وغيرهم : يجب علينا أن ننظر في الذي قالوه وما أثبتوه في كتبهم ، فما كان منها موافقًا للحق قبلناه منهم ، وسُررنا به ، وشكرناهم عليه ، وما كان منها غير موافق للحق نبّهنا عليه وحذّرنا منه، وعذرناهم .
4- التركيز على الإفادة من النافع والمفيد ، وغض الطرف عن خصوصيات الآخر الثقافية التي لا تتفق مع قيمنا وحضارتنا ، في ضوء الاحترام المتبادل بين الأمم والشعوب ، من غير أن يحاول الغرب أن يفرض قيمه وأنماط حياته الخاصة على الشرق ، ولا أن يحاول الشرق حمل الغرب حملاً على مفردات حضارته وثقافته وقيمه وتراثه ، بل على الجميع أن يُعلي من شأن القيم المشتركة، وما أجمعت عليه الشرائع السماوية والقيم الإنسانية، فيبحث الجميع عن المتفق عليه ، ويعذُر بعضهم بعضًا في المختلف فيه .
5- التأكيد على أن الأخلاق والقيم الإنسانية التي تكون أساسًا للتعايش بين البشر لم تختلف في أي شريعة من الشرائع، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت “.
فأروني أي شريعة من الشرائع أباحت قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، أو أباحت عقوق الوالدين ، أو أكل السحت، أو أكل مال اليتيم ، أو أكل حق العامل أو الأجير .
وأروني أي شريعة أباحت الكذب ، أو الغدر، أو الخيانة، أو خُلف العهد، أو مقابلة الحسنة بالسيئة , بل على العكس فإن جميع الشرائع السماوية قد اتفقت وأجمعت على هذه القيم الإنسانية السامية ، من خرج عليها فإنه لم يخرج على مقتضى الأديان فحسب ، وإنما يخرج على مقتضى الإنسانية وينسلخ من آدميته ومن الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها.
وقد علمنا ديننا الحنيف أن نقول الكلمة الطيبة للناس جميعًا بلا تفرقة، فقال سبحانه : ” وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ” ، بل نحن مطالبون أن نقول التي هي أحسن ، يقول سبحانه وتعالى :” وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ” ، ويقول سبحانه :” وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ” ، وفي تعاليم سيدنا عيسى (عليه السلام) ” من ضربك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر ” .
إنها لدعوة عظيمة للتسامح في كل الشرائع السماوية لكي تعيش البشرية في سلام وصفاء، لا نزاع ولا شقاق , ولا عنف ولا إرهاب ، وهو ما نسعى إليه من خلال اعتمادنا المنهج الحضاري بين الشرق والغرب ، على النحو الذي يحقق سعادة البشرية وسلامها دون تمييز .